الترا عراق - فريق التحرير
من جدال بين والد مكلوم بشاب قتل خلال التظاهرات أمام مرشحين للانتخابات في البصرة، انطلق تقرير صحافي في الحديث عن خيار مقاطعة الانتخابات كسبيل وحيد في مواجهة النظام "غير القابل للإصلاح" في العراق.
ثارت دعوات المقاطعة إثر فشل السلطات بالسيطرة على السلاح والقصاص من "القتلة"
ويقول التقرير، إنّ خيار مقاطعة الانتخابات ترسخ لدى شريحة واسعة من الشبان في البلاد بعد فشل السلطات في تحقيق مطلب القصاص من قتلة المتظاهرين والناشطين في مدن "تعج بالمليشيات والبنادق".
ويرى التقرير، بالنظر إلى الأساليب التي تنتهجها القوى السياسية التقليدية قبيل الانتخابات، أنّ "النظام في البلاد يبدو محصنًا ضد أي إصلاح داخلي"، ما يضع المقاطعة كخيار وحيد أمام الناخبين للتعبير عن رفض الوضع الراهن.
اقرأ/ي أيضًا: متهم باغتيال هشام الهاشمي مرشحًا.. لماذا تريد "كتائب حزب الله" دخول البرلمان؟
ويشير التقرير، إلى المشهد واجه فيه مرشحون سؤال أب قتل ابنه خلال التظاهرات، عن قدرتهم على القصاص من قتلة ابنه، كمؤشر على "حجم الإحباط الذي يعيشه الشبان، الشريحة الأكبر في المجتمع، وانعدام الثقة بعملية انتخابية شابها في الماضي العبث والتزوير في ظل استمرار حملات القتل والترهيب".
وترجم "الترا عراق" نص التقرير الذي أعدته سامية كلاّب مراسلة وكالة "أسوشيتد برس" في العراق، دون تصرف:
في ظل الأضواء الزاهية لقاعة احتفالات فندقية في جنوب العراق، جادل وائل المكصوصي في قضيته أمام جمهور شاب.
المهندس في الثلاثينات من عمره وقف على خشبة المسرح في البصرة مع مرشحين مبتدئين آخرين للانتخابات البرلمانية يوم الأحد. وكان من بينهم مستقلون بآمال مستمدة من الاحتجاجات التي ملأت الشوارع قبل عامين بالمتظاهرين الغاضبين من ارتفاع معدلات البطالة والفساد الحكومي ونقص الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.
في حال انتخابه، قال المكصوصي للحشد إنه سيقاتل بلا كلل من أجل حقوقهم، لكن رجلاً كان يقف أمامهم لم يصدق ذلك. وقال الرجل بينما كان الحشد يصفق، "لقد رسمتم مثل هذا الحلم الوردي بالنسبة لنا سابقًا، لست مقتنعًا ولن أنتخب".
وقد أبرز المشهد في الشهر الماضي الصعوبات التي يواجهها المرشحون، فهم يقولون لشباب العراق المحبط، وهو أكبر سكان في البلاد، أن يثقوا في عملية انتخابية شابها في الماضي العبث والتزوير. لكن اللامبالاة وانعدام الثقة منتشران على نطاق واسع، وبعض النشطاء المؤيدين للإصلاح أنفسهم الذين أدت احتجاجاتهم في عام 2019 إلى الانتخابات المبكرة يطالبون الآن بمقاطعة الانتخابات بعد سلسلة من عمليات القتل المستهدف.
واعترف المرشح نور الدين نصار في البصرة، بأن "الانتخابات لن تكون مثالية"، لكنه أضاف أنه حتى لو تحسنت بنسبة الثلث فقط عن تلك التي كانت في الماضي، فإن ذلك سيكون "أفضل من النظام الحالي".
ويتمسك نشطاء مثل نصار بآمالهم على خريطة أعيد رسمها للدوائر الانتخابية - وهي تنازل للإصلاحيين - ويقولون إن التصويت هو الطريق الوحيد للتغيير.
وقال المرشح المستقل في البصرة عاطف رشيد، "لدينا جيل جديد ولد بعد العام 2001 ويحق له التصويت الآن. أنا أعتمد على هذا الجيل".
ويسمح العدد المتزايد من المقاطعات بتحسين التمثيل المحلي ويمنح المستقلين فرصًا متزايدة للفوز. بالإضافة إلى ذلك، سيستخدم 70% من الناخبين المسجلين بطاقات بايومترية، مما يلغي التصويت المتعدد الذي ابتليت به انتخابات عام 2018.
وشهدت عملية الاقتراع تلك إقبال 44% فقط من الناخبين المؤهلين - وهو مستوى قياسي منخفض منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003.
ولم ترق التغييرات في القانون الانتخابي لمطالب المحتجين. وكان الناشطون يريدون المزيد من المناطق الصغيرة، ولكن بعد 11 شهرًا من المحادثات، اتفق المشرعون على 83 دائرة، بعد أن كان عددهم 18. وقد رسمت هذه الخطوط لتسهيل حصة مشاركة المرأة بنسبة 25 في المائة في 329 مقعدًا في البرلمان.
وتساعد المناطق الأصغر القبائل المحلية القوية والشخصيات الدينية، وقد أقامت الأحزاب الرئيسية بالفعل تحالفات معها.
ومع ذلك، مهد القانون الجديد الطريق لظهور الأحزاب التي انبثقت عن الاحتجاجات، مثل حركة امتداد، التي من المتوقع أن تبلي بلاءً حسنًا في محافظة الناصرية الجنوبية، التي تشكل نقطة اشتعال في التظاهرات. أحد مرشحيها هو المكصوصي، الذي يقول إنه يريد أن يعمل بعيدًا عن المؤسسة السياسية الراسخة.
لكنه ساعد أيضًا الأحزاب الشعبية الرئيسية ذات التمويل الأفضل والأكثر خبرة مثل الحركة الصدرية لرجل الدين الشعبوي مقتدى الصدر، الذي فاز حزبه بأكبر عدد من المقاعد في عام 2018. ويتوقع أعضاؤها بالفعل نتيجة إيجابية.
وقال محمد التميمي المسؤول في التيار الصدري ونائب محافظ البصرة إنّ "التيار الصدري سيحصل على الكثير من الناخبين لأن شعبنا في مدينة البصرة بأكملها".
وتعتمد حساباتهم على افتراض أنّ أشخاصًا مثل وسام عدنان لن يصوتوا. وهو مؤسس "جوبز في البصرة"، وهي منصة على وسائل التواصل الاجتماعي أنشئت لمساعدة العاطلين عن العمل في المدينة.
وقال عدنان، "لم يطرأ أي تغيير على الشعب فلماذا نصوت لهم؟".
وهذا رأي شائع في البصرة، التي تعاني على الرغم من ثروتها النفطية من الفقر والبطالة والبنية التحتية المتداعية والمياه القذرة وانقطاع التيار الكهربائي.
وقالت رندة سليم من معهد الشرق الاوسط الذي يتخذ من واشنطن مقرًا له، "نظرًا لعدم وجود بدائل موثوقة والشعور السائد بين العراقيين بأنّ النظام محصن ضد الإصلاحات الداخلية، فان اختيار عدم التصويت يمكن أن يكون الوسيلة الوحيدة للناخب للتعبير عن رفضه للوضع الراهن".
ولقي أكثر من 600 شخص حتفهم في الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والمعروفة باللغة العربية باسم ثورة تشرين للشهر الذي وقعت فيه. واستخدمت قوات الأمن الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود.
وقد هدأت الاحتجاجات بعد بضعة أشهر بسبب القمع الوحشي ووباء الفيروس التاجي. ولكن منذ ذلك الحين، قتل 35 شخصًا في عمليات اغتيال استهدفت نشطاء ومنظمي احتجاجات ومرشحين مستقلين، مما خلق مناخًا من الخوف والترهيب. كما أصيب 82 شخصًا آخرين في محاولات قتل يشتبه الكثيرون في أنّ الميليشيات نفذتها، وفقا للجنة العراقية لحقوق الإنسان.
وقد ثارت الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات على وجه الخصوص بعد مقتل الناشط البارز إيهاب الوزني في كربلاء هذا الصيف. وكانت هناك مطالب صريحة ببذل جهود جادة في وضع الأسلحة تحت سيطرة الدولة - وهو أمر صعب في بلد يعج بالميليشيات والبنادق.
ومن بين تلك الجماعات التي تسعى إلى تعزيز هيمنتها السياسية من خلال الانتخابات الميليشيات الشيعية المتشددة المدعومة من إيران.
وتكثف الأمم المتحدة مهمة مراقبة نادرة يأمل الكثيرون أن تعزز الإقبال، حيث تعمل اللجنة الانتخابية العراقية على تصحيح العيوب المنهجية التي تستغلها النخب. ولكن بعض الأحزاب تلجأ إلى التكتيكات البالية لشراء الأصوات من خلال الخدمات والوظائف والنقد.
اعترف علي حسين، وهو عالم دين شاب يترشح كمستقل، بأنه لا يعرف كيف يقنع الناس بالتصويت لصالحه.
وقال، "لقد صدمت من طلبات الناس الذين يطلبون الطرق والكهرباء. بعض المرشحين يعطون الناس الطعام للأصوات، أو يأخذون معلوماتهم الشخصية ويقولون لهم: "سأوظفكم إذا منحتم أصواتكم لي".
وأضاف، "لقد خلق ذلك ارتباكًا حول ما يفترض أن تكون عليه واجباتنا، ولا نعرف كيف نتحدث إلى الشعب".
وفي ضاحية مدينة الصدر في بغداد، وعدت النساء بعباءات جديدة - أردية فضفاضة ترتديها شريحة من النساء العراقيات - للتصويت لمرشح محدد. في حي الزبير في البصرة، يساعد أحد الأحزاب السكان على ترتيب أوراق معاملات رسمية. وقال آخرون إن الميليشيات عرضت حماية مجتمعاتها إذا صوتت لصالح أحزابها.
ومع ظهور مثل هذه التكتيكات قبل وقت طويل من يوم الانتخابات، فإنّ قلة منهم يثقون بمراقبي استطلاعات الرأي في الأمم المتحدة.
منذ أشهر، تقدم الأمم المتحدة المساعدة التقنية للجنة الانتخابية العراقية لسد الثغرات التي تستغلها الأحزاب. ووفقًا لثلاثة من مسؤولي الأمم المتحدة فإنّ أحد الشروط الرئيسية هو عدم نقل بطاقات الاقتراع قبل الفرز الأولى في مراكز الاقتراع الفردية مما يقضى على فرص التلاعب.
وبالعودة إلى البصرة، خيم الصمت على الجمهور حيث قال علي عبد الحسين العيداني للمرشحين إن ابنه قتل خلال الاحتجاجات.
"هل ستنتقمون له؟" سأل الرجل المسن، والدموع تنهمر من عينيه، قبل أنّ يتدخل مدير الجلسة، الناشط أحمد ياسري، لإعادة النقاش نحو أهمية الإقبال على الانتخابات.
وقال "نريد أن نرى المستقبل. لا نريد المزيد من الدماء".
اقرأ/ي أيضًا:
السيستاني يحذر من انتخاب "غير المؤمنين" بمصالح العراق العليا
ليس في السياسة فقط.. استحواذ "الحيتان" والاستعانة بالخارج في سوق الانتخابات