11-أغسطس-2019

تسوء الأوضاع يومًا بعد آخر في الموصل وما حولها في ظل أزمات معقدة (ARI JALAL/REUTERS)

لا يختلف اثنان على الاستقرار الأمني في الموصل بعد الحرب التي أثمرت عن طرد تنظيم "داعش"، لكن هناك الكثير من المشكلات التي لم تجد طريقًا للحل أفرزتها سيطرة التنظيم لسنوات على المدينة بعد أخرى من الفشل الحكومي والفساد.

عاد "اليأس" ليسيطر على الأجواء في الموصل وما حولها في ظل الكثير من الآزمات التي لا يبدو أنها ستجد قريبًا طريقًا للحل 

يمر عيد الأضحى هذا العام على الموصل، ولا يزال مصير الآلاف من أبنائها الذين قد غيبوا على يدي تنظيم "داعش" مجهولًا، بينما تشهد المدينة تراجعًا قياسيًا على مستوى الخدمات، إضافة إلى أزمة النازحين القابعين في المخيمات وتقدر أعدادهم بعشرات الآلاف.

اقرا/ي أيضًا: "القفشي والكبي" يهزمان الموت.. الموصل تبث الحياة في العيد منذ 100 عام!

يقول الصحفي الموصلي عدي الأعظمي، إن "الجرح كبير بوجود أيتام وآرامل وذوي مفقودين لا يزالون في الموصل، من دون إيجاد حلول لهم ترضيهم وتعيد البسمة لهم"، مبينًا في حديث لـ "الترا عراق"، أن "الوضع الاقتصادي من سيء إلى أسوأ، دون وجود لفرص عمل أو خطط وروئ اقتصادية مستقبلية في نينوى، مايفاقم آلام المواطنين ويفقدهم لذة العيد".

يضيف الأعظمي، أن "هناك انتكاسة في مختلف الجوانب وأصبح الناس لا يشعرون بالفرح رغم أن السنتين الماضيتين حملتا الأمل للناس وبدا ذلك واضحًا خلال الأعياد السابقة، إلا أن ذلك الأمل بدأ يندثر تحت وطأة المعاناة والفقر وغياب الخدمات والكثير من الأزمات الأخرى"، فيما يؤكد الصحفي الذي يعمل في إذاعة محلية بالموصل أن "الكثير من الناس لم تشتري ملابس العيد وفضل بعضهم السفر إلى أربيل في إقليم كردستان مبكرًا هذا العام للابتعاد عن أجواء الموصل، وهذا ما يؤثر أيضًا بشكل سلبي على اقتصاد المدينة".

سوق النبي يونس، أكثر أسواق الموصل اكتظاظًا في مثل هذه الأيام، لم يكن على ما يرام هذا العيد، فالإقبال على التبضع ضعيف ويعكس عدم رغبة أبناء المدينة بالاحتفال.

تراجع اقبال الموصليين على الأسواق ولم تشهد المدينة استعدادات ملحوظة لعيد الأضحى فيما يخيم شبح "المغيبين" على المدينة

يقول أبو احمد، صاحب متجر للملابس النسائية لـ "الترا عراق"، إن "أعياد ما بعد التحرير شهدت إقبالًا منقطع النظير على التسوق، لكن الأحوال تراجعت الآن"، فيما يعزو ذلك إلى "كثرة الأسواق وضياع الخدمات فيها وتكدس النفايات وعدم وجود مشاريع حكومية لإدامتها".

وترفض الحكومة المحلية في الموصل، الإجابة على التساؤلات بخصوص الخدمات وملفات المغيبين والنازحين وغيرها، لكن النائب عن محافظة نينوى لليال البياتي، تؤكد أن ملف المغيبين شائك وطويل ويحتاج إلى جهد ومتابعة.

تقول البياتي لـ "ألترا عراق"، إن "الأوضاع بالمجمل في نينوى غير جيدة على الرغم من وجود استقرار أمني، حيث يعكر الأعياد غياب الكثير من الأشخاص عن أسرهم"، موضحة أن هناك "أكثر من 2070 شخصًا لا يزال مصيرهم مجهولًا ولا يعرف ذووهم أي شيء عنهم بعدما اختطفهم تنظيم داعش قبل عدة أعوام".

كما بينت، أن "تأخر معرفة مصيرهم يؤرق أهاليهم، وكذلك ملف النازحين الذين لا يزالون بالمخيمات وينتظرون من الحكومة مساعدتهم في العودة إلى منازلهم، وغيرها من ملفات الأزمة".

تلخص قصة "صفاء" معاناة مئات آلاف الأشخاص وواقع مدينة الموصل بعد أكثر من عامين على استفاقتها من كابوس "داعش"

وتشير أرقام وزارة الهجرة والمهجرين، إلى أن "عدد النازحين في داخل محافظة نينوى يصل إلى 35 ألف عائلة. يقول مسؤول وزارة الهجرة في نينوى خالد عبدالكريم إن "النازحين موزعين على 14 مخيمًا منتشرة في المحافظة".

يضيف عبدالكريم لـ "ألترا عراق"، أن "العيد في المخيمات يمر خجولًا في الغالب، حيث الناس لا تشعر بطعم العيد بعيدًا عن منازلهم، خاصة بعد أن تلاشت آمال عودتهم سريعًا خلال السنتين الماضيتين".

ثلاثينية وخمسة أطفال!

في داخل مخيم الجدعة تجلس صفاء وهي سيدة في عقدها الثلاثين، قتل زوجها وأصبحت معيلة لخمسة أطفال، وكالعادة لم تستطع تهيئة أي من أجواء العيد لأطفالها كصنع حلوى "الكليجة"، حيث لا تمتلك فرنًا في خيمتها، كما أنها لم تستطع سوى تأمين ملابس جديدة لثلاثة منهم عبر إحدى المنظمات الإنسانية.

اقرا/ي أيضًا: "صراع طائفي" على إرث الأموات في الموصل.. كلٌ يدعي وصلًا بـ "بنات الحسن"!

تقول صفاء لـ "الترا عراق"، وهي منهمكة بتنظيف خيمتها عشية العيد، إن "الأمور تسوء من يوم لآخر، ولم نفكر بالاحتفال فأبعد مكان يمكن أن يذهب اليه الأطفال هي ألعاب بسيطة حديدية وخشبية وضعت في المخيم"، مبينةً أن "موضوع العودة مؤجل حتى إشعار آخر، حيث المنازل المهدمة تحتاج إلى مال للإعمار، ولم تسلم لهم المنظمات أو الحكومة تلك الأموال لبدء حياة جديدة خارج المخيمات".

أيام "سوداء"!

بدوره، يقول الباحث الاجتماعي عمر أحمد لـ "ألترا عراق" إن "الأيام السوداء التي مرت في الحرب قد انتهت وجاءت بعدها أيام بيضاء احتفى بها الناس، لكن أخرى سوداء في طريقها الى الموصل، في ظل غياب الخدمات وعدم وجود خطة حكومية لانتشال المدينة من واقعها يضاف إليها أزمة المغيبين الذين لا يزال مصيرهم مجهولًا".

يحذر مراقبون من "أيام سوداء" أخرى قد تمر على المدينة بسبب سوء الخدمات وغياب خطط التنمية والإعمار وإعادة النازحين

يضيف أحمد، أن "الخلافات السياسية موجودة على الأرض وكذلك الخلافات على من يمسك الأرض وغيرها في نينوى من قبل الحشد الشعبي، وتنامي حالة التذمر لدى الناس يشير إلى أن الأمور لا تسير بشكل صحيح".
 

اقرا/ي أيضًا:

العاصمة تتعافى: لأول مرة يستقبل البغداديون عيدًا بمزايا "فريدة"

أعياد العراق.. أفراح منقوصة