13-يوليو-2020

جسر الأئمة (Getty)

ما بين الكاظمين والنعمان، جسرٌ خُطَّ بذاكرة البغداديين باسم "الأئمة"، دائمًا ما تترجلُ عليه أقدامنا ونحن نرنو صوب الإمامين الهاشميّين، مع نظراتٍ ملؤها الشزر والحذر حول منطقة الإمام الأعظم بمرقدها الناصع، فضلاً عن مشاعر سلبية تشاطرها أفكارًا صاغها فينا وعي الطائفة الجمعي الضيّق.

ما يزال أبو حنيفة يدفع ضرائبَ مواقفهِ من قبل ذوات الاحتراب الطائفي

لغز الكراهية لإمام الوسطيةِ والاعتدال، جعلني أقفُ قليلاً على قبرهِ والسير كثيراً في متاهاتِ فكّره، علَّني أحظى برؤيةٍ مختلفةٍ عن رجُلٍ عُـدّ من نتاجات الإمام جعفر الصادق في مرحلةٍ ما، قبيل إعلانهِ الاستقلال الفكري والفقهي عنه، إلا أنهُ بقيَّ شيعي الهوى و الموقف، عبر مساندتهِ لكل ثورات الخط (الزيدي – الحسني) المناوئة لسلطاتِ عصرهِ الحاكمة آنذاك. وهذه واحدة من ظلاماتهِ التي لم يُكشف للعوامِ عنها النقاب.

ينصِّفـهُ صاحب (شخصيات غير قلقة في الإسلام) المُفكر والمتمرد هادي العلوي، حينما يصفهُ بقائد حركة النهوض الفقهي الإسلامي، بتأسيسهِ لمبانٍ فقهيةٍ قائمةٍ على حجتي الرأي والقياس. النعمان بن ثابت، الذات الكوفية، نشأةً ومولدًا، مثلَ نقطةَ تجاوزٍ مبكِّرة من حياةِ الفقه، أسسَ لمبدأ التكافؤ في الدماء، بغض النظر عن العرقِ والدين، إذ أوجبَ القصاص من المسلم وغيرهِ في حال التعدي على الذات الإنسانية أو قتلها.

آمـنَ بعقليةِ المرأة وأجازَ تعيينها في القضاء وإمامتها للصلاة، مثيرًا باجتهادهِ قِبال النص، سخطَ العامة والخاصة عبر مساواتهِ فقراء بني هاشم بفقراء المسلمين على مبدأي الخمسِ والزكاة، معتقدًا بشعار (تحريرُ رقبةَ إنسان خيرٌ من أداءِ فريضةِ حج).

شق طريق المقاومة الارتياضيّة لنزعةِ الأستذة الآخذة بعمومِ أهلِ العلم، عبر نهي أتباعهِ عن تقليدهِ وفتحِ بابِ النقد لتلاميذه، لم تكفهِ ميادين العلمِ والفقه، حتى دخل ميدان المعارضة والوثبات المسلحة، ضد حكميّ "بني اُمية" و "العباس"، و لم يعتش على مالِ سلطان أو جاهِ فقيه، بل انضمَّ لصفوفِ الكسبةِ والكادحين، حينما عَمِلَ بتجارة الخزِّ والحرير التي وفرتْ لهُ اليسير لا أكثر، عاملاً بقول الإمام علي بن أبي طالب (المال أربعة آلاف درهم، وما زاد عليه كنز).

أسهمت صراعات الكوفة الطبقيـّة وحروبها الأهليـّة في تكوين شخصهِ الاستثنائي، وشرعت الضدّيات الفكرية على تنمية ذاتهِ بمفاهيم مدنية، جعلتهُ حلقةَ وصلٍ بين الدنيا والآخرة، الأمر الذي قادهُ إلى اغترابٍ مضن، عندما قضى عمره السبعين ونيّف في سجون المنصور الدوانيقي، إذ أوصى أبو حنيفة وهو يجود بنفسهِ داخل السجن، أن يُدفنَ في مقابر الخيزران، لأنها أرضٌ طيبة غير مغصوبة، وكان هذا  آخر احتجاج ضد الخليفة الذي قال وقد بلغتهُ وصيته (من يعذرني فيك حيًا أو ميتًا).

وما يزال أبو حنيفة يدفع ضرائبَ مواقفهِ من قبل ذوات الاحتراب الطائفي، عبر التلويثِ والتدليسِ والتدنيس، بينما لو ارتكزت العقليـّة الإسلاميّة المضطربة على منهاج مدرستهِ الصافية، لما ظهرت داعش وملحقاتها المتطرفة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

انتفاضة تشرين.. صوت المستقبل

رسالة إلى شاب عراقي