28-مايو-2019

الروائي شهيد شهيد مع رواياته (ألترا عراق)

ولد الروائي شهيد شهيد في أهوار البصرة سنة 1976، وقضى فترة طفولته فيها، حتى تهجير عائلته قسريًا من قبل النظام السابق. وكان منذُ طفولته يعيش حياة الفنان إذ كان يرسمُ بمهارة فائقة. نشر أول محاولاته الشعرية في مجلة "ألف باء" وعمره آنذاك 16 عامًا، لكنه هجر الشعر وتوجه إلى السرد معللًا ذلك بقوله، إنّ "وعاء الشعر لا يستوعب الأفكار التي أريد طرحها".

أصدر شهيد شهيد رواية "كش وطن" عن دار سطور العراقية، والتي وصلت إلى الطبعة الرابعة وأثارت جدلًا واسعًا في الوسط الثقافي والديني، ومنعت من بعض المعارض 

في بداية مشواره الأدبي أصدر رواية واشترك فيها بمسابقة لكنها لم تحظَ بالقبول ولم تُنشر. لتكون بدايته الحقيقة عام 2015 بعد أن أصدر رواية "كش وطن" عن دار سطور العراقية، والتي وصلت إلى الطبعة الرابعة وأثارت جدلًا واسعًا في الوسط الثقافي والديني، ومنعت من بعض المعارض في داخل العراق وخارجه، وترجمت مؤخرًا إلى اللغة الكردية.

اقرأ/ي أيضًا: زيد عمران: الرواية العراقية هي الرائدة عربيًا

ليتبعها برواية ثانية بعنوان "سارق العمامة" سنة 2017 وأيضًا عن دار سطور، افتتحها بعبارة "لا يجوز شرعًا بيع هذه الرواية للمتدينين"، وفي السطور أدناه حوار "ألترا عراق" مع الروائي شهيد شهيد:

 

  • بدأت روايتك (كش وطن) باسم "عبد الرزاق الجبران" وأنهيتها بذات الاسم، ماذا يعني لك صاحبه؟

 ذلك الاسم يعني لي قيمة وجودية عالية، لا تربطني بصاحب الاسم أي علاقة شخصية، الرابط الجامع بيني وبينه يحمل نزعة مفاهيمية بحتة، وجدت لدى صاحب الاسم "فكرة" تحمل طاقة مفاهيمية، قابلة لإعادة الإنتاج فاشتغلت على تلك الفكرة بمفهوم المقاربة، الارتباط كان اشتغاليًا في حدود اختبار الفكرة سرديًا وتجربة إنزالها إلى أرض الواقع،  في "كش وطن" حاولت أن اجعل أفكار عبد الرزاق الجبران مادة قابلة للاحتكام الجدلي، وقد صاحبت التجربة العديد من الملابسات، منها ما يتعلق بقصدية الرواية ومنحاها تجاه الثيمة المحورية، وهل كانت بهدف سلبي أم إيجابي، هذه الإشكالية وحسب ما نقل لي تولدت حتى لدى عبد الرزاق الجبران ولكن ذلك اللبس قد زال بعد اطلاعه على الرواية.

  • في روايتك الثانية (سارق العمامة) تسخر كثيرًا من النصوص التاريخية التي يعدها البعض مقدسة، هل تعتقد أن الرواية قادرة على تصحيح مفاهيم التاريخ وتعديل مساره، وهل بإمكانها الإجابة على الأسئلة الوجودية الكبرى التي ترهق تفكير الإنسان؟

وأنا اقرأ السؤال وضعت خطًا تحت كلمة "تسخر"، هذه الكلمة جعلتني ملزمًا بالعودة لمراجعة النص لتدقيق الطريقة التي استخدمتها في معالجة النصوص التاريخية المشار اليها في السؤال لأتأكد من وجود نزعة السخرية من عدمها، هذا السؤال يلزمني أيضًا بمراجعة نفسي ككاتب، هل يحق لي أن أسخر من مادة انتجها غيري، بغض النظر عن نوع تلك المادة، إن كانت نزعة السخرية موجودة في النص فاعتقد أنها لم ترد بدافع قصدي مسبق وإنما أنتجت ضمن السياق النقدي الذي يطغى على جو الرواية، أما بخصوص قدرة الرواية على تصحيح المفاهيم التاريخية المقدسة فأود أن أبين أولًا قناعتي بمبدأ حاكمية العقل على المفاهيم، مع الإشارة إلى وجود تعارض مع مبدأ معاكس يقول بحاكمية المفاهيم على العقل، هذا التعارض يشكل صورة المأزق الوجودي الكبير الذي يواجهه الكاتب الذي يريد المشاركة في إعادة إنتاج الوعي الإنساني.

  • تغلب النزعة الصوفية في روايتك، وتعمد إلى توظيف ميراث المتصوفة فتقول في أحد النصوص: "ذلك الإحساس الذي أقنعني بأن الله موجود في داخلي وأنه استقر في ذاتي ولن يبتعد عني". هل تعتقد أن هذا التوظيف بات اليوم مملًا ولم يعد يدهش القارئ؛ بسبب كثرة استخدامه في النصوص الأدبية بشكل عام في وقتنا الراهن؟

نعم في طرح رواية سارق العمامة هناك تقارب مع النزعة الصوفية فيما يتعلق بموضوع العلاقة مع الله والكيفية التي يتم فيها إنتاج تلك العلاقة، أنا باعتباري منتجًا للنص لا أستطيع تحديد فيما كان التوظيف مملًا من عدمه لأن ذلك يعود للقارئ.

  • تتناول في رواياتك مواضيع حساسة وبشكل جريء من قبيل وظيفة الأديان، وعلاقة المخلوق بالخالق، هل تعتقد أن هذه المواضيع تشكل خطرًا على حياتك، خصوصًا إذا عرفنا أن رواياتك قد منعت من بعض المعارض التي تقام في العراق، وبعضهم عمد إلى حرقها في النوادي الأدبية؟

كمنهجية للكتابة أنا أميل إلى الطرح الإشكالي الهادف إلى إثارة الجدل وبالتالي إلى إحداث حركة وعي، إما بخصوص الخطر فأنا اعتقد بأننا جميعًا نتواجد في منطقة الخطر، نحن في زمن "اللاطمأنينة" يا صديقي، وكل فرد منا وهو يمارس أي سلوك يومي معتاد قد يكون هدفًا لسلاح الطرف الآخر المؤمن بأنه صاحب الوصاية على حياة الآخرين، هذا الاشتراك في القلق الوجودي ربما يكون هو العزاء الوحيد الذي يبث فينا طاقة الاستمرار.

  • في احدى كلماتك تقول "لا املك شيئًا سوى الصوت، لذلك أحاول أن أطوّعه ليكون وسيلتي للخلاص من زمن الكواتم"، كيف للصوت أن يكون وسيلة خلاص؟

الصوت الذي أعنيه في تلك المقولة معادل رمزي للقدرة، ماهي القدرة التي امتلكها، وكيف يمكنني توظيف تلك القدرة لأكون كائنًا منتجًا في البيئة العقيمة التي أتواجد فيها، الصوت بالنسبة لي هو الطاقة التعبيرية، أحدهم وضع تعريفًا للإنسان يقول فيه "الإنسان كائن مفكر"، وأنا أرى أن هذا التعريف بحاجة إلى إضافة ليكون "الإنسان كائن مفكر ومعبر"، التعبير هو المظهر الحسي للتفكير، الصوت الذي أقصده هو الطاقة التعبيرية المحركة للكون، في الوقت الحاضر ربما يأخذ الصوت صيغة "حلم" منشود، لذلك يجب علينا مواصلة مطاردة ذلك الحلم لأن كل الإنجازات العظيمة التي تحققت كانت في الأصل أحلامًا عظيمة.

  • تربطك علاقة وطيدة بالشهيد المغدور علاء مشذوب وهو أحد صانعي الجمال، برأيك من هو الذي يقف وراء اغتيال الثقافة والجمال في العراق؟

نحن نعلم أن الوجود قائم على ثنائية الخير والشر والتي تتفرع منها ثنائية الجمال والقبح، مع عدم التعادل في الإمكانيات التي يحملها كل منهما، مادام الصراع بين الخير والشر مستمرًا ومادام محور الشر يملك إمكانيات لا يملكها محور الخير فإن قافلة المغدورين لن تتوقف.

الروائي شهيد شهيد مع الروائي المغدور علاء مشذوب 
  • متى نرفع النقاط الثلاث، ومتى نقول "كش وطن"؟

ما دمنا نعيش حالة القمع بنوعيه الداخلي والخارجي فذلك بعيد التحقق، نحن ما زلنا في مرحلة بدائية هي مرحلة العبودية، "عبودية المفاهيم" هو ما أقصده، تلك المفاهيم التي فرضتها علينا المصادفة المكانية، دعني أقول لك شيئًا، "المعنى" الخاص بوجودنا مقيد "بالنقاط"، هناك العديد من النقاط التي من الممكن أن تغير المعنى في حالة رفعها، ويبقى سؤالك مزمنًا: متى نتمكن من التحرر من تلك النقاط؟  

  • أخيرًا أنت الآن بصدد إصدار كتاب جديد حدثنا عنه قليلًا؟

الكتاب القادم سيكون في منطقة أخرى، منطقة مجاورة للسرد، عبارة عن "مدونة" تحتوي على يوميات ورؤى وأفكار وتداعيات سوريالية ونصوص ساخرة، وسيعلن عن الكتاب قريبًا، وإن شاء الله سيكون بين أيدي القراء عند نهاية هذا العام.   

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حوار| ميثم راضي: أحلم أن يُعلم الخيال في المدارس!

حوار| محمد غازي الأخرس: الهوية العراقية إشكالية عابرة للزمن