29-مارس-2019

ميثم راضي (فيسبوك)

لا تحثنا مقدمة هذا الحوار على قراءته، بقدر ما يحرضنا الشاعر ميثم راضي على الخيال بوصفه واقعًا من زاوية جديدة كما يراه، فهو يحلمُ أن يُعلّم في المدارس، ويدعونا من خلاله إلى "تخيل" صراخ المكسورين والضحايا من دون الشعر؛ كيف سيكون متشابهًا ومنسيًا؟ ولكي يخترق راضي مخيلتنا وصولًا إلى القلب يقول عن جدوى القصيدة "تخيلوا بعد عشرة أو عشرين كلمة أحبكِ بين عاشقين كيف ستتجمد المشاعر.. تخيّل أن العاشق من دون الشعر لن يجد سوى كلمة أحبكِ يقولها لحبيبته".

تخيل أن العاشق من دون الشعر لن يجد سوى كلمة أحبكِ يقولها لحبيبته، تخيل بعد عشرة أو عشرين أحبكِ كيف ستتجمد المشاعر، وكيف لن تحاول الحبيبة أن تصبح أجمل ولن يصبح العاشق أعذب!

كعادته، يخرج ميثم في هذا الحوار منتصرًا بوداعته وأناقة لغته، فلا هدنة مع الغموض والمجهول، حتى وإن حملت الأسئلة فخاخًا ومكائد، فذا ميدانه وباعه الطويل في "قصائده عن الحرب"، التي يحوّل فيها كل هواجس الخوف والقلق والألم إلى قيم إنسانية تتغنى شعورًا بالآخر وبالسلام والحب ونبذ الكراهية، كما تخبرنا قصائده في وليده الشعري الأول "كلمات رديئة".

اقرأ/ي أيضًا: حوار| محمد غازي الأخرس: الهوية العراقية إشكالية عابرة للزمن

 في قصائد راضي محاولة لتوثيق اللحظات الشعورية لما يحدث للعراقي، راصدًا بذلك آلامه وهمومه في معالجات نصية والتفاتات تدعو كل من مر عليها للتأمل، وكما في أجوبته لهذا الحوار الذي أعده "ألترا عراق":

  • في نصوص ميثم "غمزُ شجاع" للتطرف الديني، دعنا نغمزك أيضًا ..هل يفضح الشعر قناعات كاتبه؟

ليس يفضح، إنما يكشف قناعات كاتبه.. بالتحديد يكشف المشاعر بكل تجلياتها داخل الكاتب أو داخل الآخرين المرتبطة والمتكونة بسبب تلك القناعات وهكذا يتميز الشعر عن الكتابة الفكرية أو التقريرية وحتى السردية عن القناعات والمبادئ.

في موضوع التطرف الديني أنا أعتقد أن الشعر لا يجب أن يشارك بصخب أو بسخرية في نقد التطرف الديني بل يشارك بهدوء وحزن مكتشفًا الخسارات التي لا ينتبه لها أحد بسبب ذلك التطرف، الشعر يجب أن يقف خارج الغرفة التي تحدث فيها النقاشات القاسية والمربكة بين أتباع التطرف الديني ومنتقديهم، يقف ليس تعاليًا عن هذا النقاش، إنما يقف ليستقبل كل أولئك الذين سيخرجون من تلك الغرفة منكسرين ومتعبين من ذلك النقاش ويدخلهم بحنان فائق إلى أجوائه الهادئة والخيالية ويقدم لهم نظرة أخرى للموضوع .. نظرة تتعلق بالمشاعر.

من لوحات الشاعر ميثم راضي (ألترا عراق)

الشعر في موضوع التطرف الديني لا يهتم بكسب الجمهور كما يهتم بذلك الفكر والنقد والعلم حتى، الشعر هنا يهتم بكسب الفرد فقط، حتى لو استقبل كل الناس فيجب على الشعر أن يعاملهم كأفراد وليس كمجموعة.

  • في كلمات رديئة تحريض واضح على "الخيال" حوّل القصائد إلى لوحات مغمسة بالحروف.. خذنا في نزهة عن خيالك وطقوسه.

أنا لا أعتبر الخيال ترفًا، بل هو شيء ضروري وأحلم بأن يتم تعليمه في المدارس. كل الأشياء العظيمة بدأت من خيال ما، حتى الأشياء العلمية والأيديولوجية. الخيال بالنسبة للشعوب التي تعيش بعزلة عن العالم وتكرر نفسها جيلًا بعد جيل هو طريق نحو التحرر من تلك العزلة والإفلات من التكرار، وفي شعوب كهذه لا أعتقد أن هناك فن قادر على ضخ الخيال وابتكاره مثل الكتابة عمومًا والشعر بشكل خاص.

مجموعة الشاعر ميثم راضي الصادرة عن دار المتوسط (فيسبوك)

لا أملك طقوسًا معينة لتوليد الخيال، أملك معرفة بالطرق التقليدية للنظر إلى الأشياء، مجرد مخالفة هذه الطرق هو ابتكار للخيال.

  • ما الحد الفاصل بين الواقع والخيال، في الشعر طبعًا؟

ليس هناك حد، الخيال هو واقع آخر حدث أو سيحدث أو يحدث الآن في عالم موازي من المشاعر أو الحقائق. الخيال هو واقع من زاوية جديدة.

  • يقول محمود درويش "الشعر كالجنس لا يعاند"، متى تعاندك القصيدة، ما تفعل حينها؟

 لا أتفق تمامًا مع درويش.. الموت هو من لا يمكن عناده. وليست هناك قصيدة عنيدة، القصائد كلها مكتوبة سلفًا داخل الشاعر، هو فقط من يحتاج إلى ضوء جيد لرؤيتها، في الأوقات التي لا أستطيع فيها كتابة الفكرة أو النص الذي أفكر به أترك الكتابة وأفحص نفسي مجددًا، ربما حينها أكون لست لائقًا تمامًا لكتابة تلك الفكرة أو لا أملك المصباح الجيد لرؤية النص داخلي.

  • يقول لويس أَراغون "لولا الشعر لأُصبنا جميعًا... بالسكتة القلبية"، ما مصداق ذلك لدى ميثم؟

هذه مبالغة رائعة.. أتفق معها بطريقة مجازية، ولكن سنصاب بالجمود والنسيان، تخيل أن العاشق بدون الشعر لن يجد سوى كلمة أحبكِ يقولها لحبيبته، تخيل بعد عشرة أو عشرين أحبكِ كيف ستتجمد المشاعر، وكيف لن تحاول الحبيبة أن تصبح أجمل ولن يصبح العاشق أعذب، تخيل صراخ المكسورين والضحايا بدون الشعر، كيف أنه سيكون متشابهًا ومنسيًا.

من لوحات الشاعر ميثم راضي (ألترا عراق)
  •  يمكن لقصيدة جيدة عن جرائم الدكتاتور أن تهيجه وتستفزه وتقلقه وتتحداه، كما يقول الشاعر عماد أبو صالح.. كيف ترى العلاقة بين الشعر والسياسة في عراق ما بعد 2003؟

نعم أتفق مع ما يقوله عماد، ولكن عندما يتشظى الدكتاتور إلى ملايين القطع الصغيرة وكل قطع تنمو مجددًا كدكتاتور صغير في البيت والمدرسة والشارع والسوق والدوائر ومقرات الأحزاب ومقرات الحكومة؛ كيف للقصيدة أن تقلق كل ديكتاتور على حدة؟ في العراق بعد 2003 لم نعد نملك ترف كتابة قصيدة ضد ديكتاتور كبير واضح ومعروف. نحن الآن نعيش معاناة تحويل القصيدة إلى كيس لنجمع كل تلك الشظايا معًا ثم نحاول أن نركبها مجددًا كدكتاتور واحد بطريقة يشعر معها الجميع أنه جزء من هذا التمثال.

  • ما جدوى القصيدة في عراق ما بعد 2003؟

الجدوى في الكتابة الشعرية عمومًا تتغير من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر، انتقلت جدوى الكتابة خلال العصور من كونها ترفًا أو تسلية إلى كونها فلسفة وتنظيرًا ومن كونها دعوة أيديولوجية إلى بوح ذاتي خالص.

في العراق بعد 2003 أعتقد أن كتابة الشعر مجدية جدًا فهي توثيق شعوري للأحداث لا تكاد تمسكه الفنون الأخرى، وهي الفن الذي يقول رأيه بهدوء مسموع وسط الضجيج السياسي والديني، بل أنني أعتقد بخصوصية قصيدة النثر تحديدًا، إنها المكتشفة لطرق جديدة في الكلام والنظر إلى العالم وابتكار الخيال، وهذه كلها أشياء تكاد تكون ضرورية في عراق ما بعد 2003 لمجابهة القبح بالدرجة الأولى، وأعتقد أن الجدوى الأكبر والأعمق لكتابة الشعر الآن هي قدرة الشعر على منح الإنسان القدرة والمقاومة للاحتفاظ بفرديته أمام ثقافات شتى تريده أن يكون مجرد جزء من مجموعتها.

من لوحات الشاعر ميثم راضي (ألترا عراق)
  • هجرت محبيك في فيسبوك لمدة طويلة دون إشعارهم، صارحهم؛ ما كنت تفعل؟

لم أفعل شيئًا خلال هذه الفترة؛ كنت أريد أن أرتاح قليلًا وكنت أريد أن أقف على مسافة أبعد لأرى ما يحدث، مسافة أبعد حتى عن الكتابة، لنقل أنني ابتعدت للبحث عن مناجم أخرى للكتابة، أو لجلب أدوات حفر جديدة للمناجم القديمة.

  • إلى أين يلوذُ ميثم في وقت فراغه؟

لنتفق أن وقت الفراغ هذا لا يتعلق بشيء يهمني مثل العائلة والكتابة والعمل، إذًا فأنا حينها يعجبني جدًا أن أقود السيارة بسرعة وأذهب للطرق الريفية حول مدينة العمارة وكذلك يعجبني أن ألعب البلياردو مع أصدقائي أو أن أزورهم في بيوتهم.

  • يقال إن الشعر رسالة مفتوحة للعالم، ما رسالة ميثم للعراق؟

أنا أبعث رسالة للعراق؟ كلا يا صديقي أنا أصغي لرسائل العراق لي أو لنا جميعًا، وعندما أعتقد أنني استلمت واحدة منه عن طريق حجر في طرقات العراق أو عن طريق شجرة من أشجار العراق أو عن طريق طفل من أطفال العراق أو عن طريق نافذة مضاءة في ليل العراق فأني حينها أحاول بكل روحي وقوتي أن أترجمها إلى قصيدة نثر.

  • شعرك يشبه رسمك، بأيهما تحتمي؟.. متى ترجع إلى الرسم؟

أحتمي بالشعر طبعًا..

ربما لن أعود للرسم أبدًا.. لا أدري.

  • ظن محبوك عند انقطاعك عنهم أنك اعتزلت الشعر؛ هل تفكر في ذلك؟

أفكر بذلك كل يوم .. ليس أنني أتمناه أو أخافه بل أفكر به هكذا: هل أستحق أن أكتب الشعر؟ في اللحظة التي يكون جوابي عن هذا السؤال هو لا.. سأترك الكتابة فورًا وللأبد.

  • ما هي الشّجرة الشّعريّة التي تنتمي إليها؟

أنا من الذين يكتبون قصيدة النثر، وربما أتطرف أكثر وأقول ويفكرون بطريقة نثرية، ولو جاز أن أعبر عن هذه الشجرة بالأسماء فهي : تشارلز سيميك وعبد العظيم فنجان وكاظم الحجاج وعماد أبو صالح ومحمد الماغوط وجمال جاسم أمين.

  • كيف للقصيدة أن تحارب الكراهية؟

بأن تبتكر طرقًا أسهل للمحبة .. طرقًا قريبة ومختصرة، بأن تبتكر خارطة من البلاغة موضحة عليها تلك الطرق.

  • عما يسمى "الشعراء الهابطون"؛ من ينبغي أن يركض وراء الآخر "الشعر أم الشاعر"؟

هذا السؤال فيه "أكشن" كثير، هبوط وركض، حسنًا أنا لا أحب ولا أستخدم مصطلح شاعر هابط، ولا حتى شاعر سيء. إن الذي يحدد مدى جودة النص هو تلك الحركة التي وصفتها بسؤالك بالركض، بالتحديد نوايا الشاعر هي من ستحدد تلك الحركة، باعتقادي أن الشعر كائن متحرك ويتجول في العالم لوحده، الشعراء هم من يجب أن يطاردوا هذا الكائن مثل المخبرين ويكتبوا عنه تقاريرهم للعالم. يختلف الشعراء في كل زمان ومكان بكيفية تلك المطاردة وبما يأملون الحصول عليه من كتابة تلك التقارير.

  • شاع في العراق مصطلح "ساسة الصدفة"، هل من يماثلهم بالشعر "شعراء بالصدفة"؟.

لا ليس هناك شعراء صدفة .. هناك قصائد صدفة ولكن ليس شعراء صدفة.

  • كيف تنجو قصائد ميثم من "عبث السياسة"، هل "غازلتها" ضمنًا؟

لا أعرف ماذا  تقصد بـ"غازلتها ضمنًا"، لا أعتقد أنني غازلت السياسة يومًا ولا أعتقد أنني سأفعل، لم أشعر بخطورة الانزلاق السياسي أثناء الكتابة ربما لأنني أؤمن بأن العبث السياسي لا يحدث في العراق نتيجة أسماء معينة أو أحزاب معينة أو أحداث معينة، بل هو فعل جماعي تاريخي ونفسي متجذر داخلنا، وأرى صعوبة كبيرة في كتابة هذه الحقيقة التي اؤمن بها كشعر، يمكن تفكيك هذا الإيمان وتوضيحه بطرق أخرى غير الشعر أو ربما أحتاج لخبرة شعرية أكبر وتطور أكبر لأستطيع إنتاج نصوص تتحدث عن هذه الحقيقة.

من لوحات الشاعر ميثم راضي (ألترا عراق)

وصف في جملة للأسئلة التالية:

  •  العراق الحلم لميثم راضي؟

الذي لا تفكر الناس بالهرب منه.

  •  ما التطرف الديني؟

حتمية تاريخية لا بد أن تحدث لتنهي نفسها بنفسها.

  • علاقتك بالشعر الشعبي؟

أحب ذكاء الشعراء الشعبيين فيما يتعلق بعلاقتهم مع المتلقي وكيفية كسبه عن طريق مجموعة شفرات شعبية متفق عليها بالوجدان بينهم.

  • نصيحة تصلح لكل الشعراء؟

هناك شعر كثير أجمل وأبلغ من كل ما كُتب لغاية الآن ينتظرنا أن نجده.

  • حكمة لا تغيب عن بالك؟

لا وحشة أشد من العجب.

  • من ميثم في 2019؟

الأقل من ميثم 2018 ما عدا الحماسة للكتابة ربما.. هي أكثر.

  •  بعد "كلمات رديئة" ماذا ينتظر محبو ميثم من كلمات أخرى؟

أخطط لكتاب جديد ربما في نهاية هذه السنة، أو بداية العام القادم.

  •  يشارك ميثم قراء "ألترا عراق" ذوقه، بـ"3 أغنيات، 3 كتب، 3 أفلام".

ثلاث أغنيات ليست عراقية "الأغنيات العراقية تحتاج لقائمة أكبر": 

مكان آمن للحب خالد الشيخ.

ياريت فيروز.

شانديلير سيا.

ثلاثة كتب:

زمن الشعر لأدونيس.

القصص القصيرة لماركيز.

المجموعة الكاملة لكاظم الحجاج.

ثلاثة أفلام:

مذكرة الموت "مسلسل انمي".

هيرو فيلم صيني بطولة جت لي.

الرقم 23 لجيم كاري.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 
ضياء جبيلي.. عنفٌ أقل في أرض الأسئلة

زيد عمران: الرواية العراقية هي الرائدة عربيًا