بالرغم من التطمينات التي أطلقها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بشأن ساحات الاحتجاج ومهام حكومته، إلا أنها لم تؤثر في رفضه المتواصل من قبل المتظاهرين، فيما يعتقد آخرون أن مصداق وعود الكاظمي مرهون بالتطبيق العملي لمطالبهم، التي يتصدرها ملف إحالة قتلة المتظاهرين إلى القضاء والكشف عن مصير المغيبين وإطلاق سراح المعتقلين، بالإضافة إلى إجراء الانتخابات المبكرة وإكمال قانونها.
من خلال تصريحات الكاظمي، يبدو أنه منشغل بالدرجة الأولى بالأزمة المالية ومعالجتها بالطريقة التي لا تمس رواتب الموظفين
يعتبر المتظاهر طارق نصير، أن "الكاظمي لم يأتِ بجديد لغاية الآن، بالرغم من القرارات التي دشن حكومتها بها، والتي سوقت بوصفها استجابة لساحات الاحتجاج"، مبينًا أن "الاستجابة للمطالب الحقيقية هي من تمد جسور الثقة مع الحكومة الجديدة".
اقرأ/ي أيضًا: بين إيران وأمريكا.. هل يكون الكاظمي مثل أسلافه؟
أضاف نصير خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الحديث عن حماية المتظاهرين هو واجب يفرضه الدستور والقانون على الحكومة، وتنفيذه لا يعني إنجاز يستحق الشكر عليه" لافتًا إلى أن "البرهان الحقيقي على جدية الحكومة هو الوقوف بوجه الأحزاب والكتل التي دعمت وصمتت أمام القمع والقتل الذي تعرض له المتظاهرون خلال الأشهر الماضية".
وكما يبدو من خلال تصريحات الكاظمي، أنه منشغل بالدرجة الأولى بالأزمة المالية ومعالجتها بالطريقة التي لا تمس رواتب الموظفين، فيما تحدث إلى ضرورة إجراء الانتخابات المبكرة، لكن موقفه من ملف محاسبة القتلة لم يتضح بشكل صريح، وما إذا كان يمتلك رؤية لمعالجته، خاصة أن المحاسبة تستهدف نوعين من القتلة، قتلة مجهولون اغتالوا واختطفوا ناشطين، وقتلة من القوات الأمنية عبر استخدام الرصاص الحي أو قنابل الغاز المسيل للدموع في ساحات الاحتجاج.
يتساءل المحلل السياسي باسل حسين عن المحاسبة الفعلية لقتلة المتظاهرين أو من عمل على قمعهم ومنعهم من ممارسة حقهم في حرية التظاهر والتعبير عن الرأي بطرق سلمية، ويلتمس حسين الجواب من خلال المقال الأخير الذي كتبه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والذي أشار فيه إلى أنه "ليس أمامنا سوى خيار الاستجابة الشعبية العادلة التي عبرت عنها الحركة الاحتجاجية وساحات التظاهر، التي جمعت خيرة بنات وشباب شعبنا".
يعتقد حسين خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، إن "الكاظمي لم يتحدث مطلقًا في النقاط التي آثارها إلى محاسبة قتلة الشباب أو من عمل على قمعهم، وهو ما يعني أنه ترك المرحلة الماضية خلفه وانصب اهتمامه إلى تقديم وعود مستقبلية بعدم استهداف المتظاهرين السلميين والتعهد بحمايتهم والحرص على سلامة ساحاتهم، والتعبير عن إرادتهم بكل حرية".
يرى حسين أن "الكاظمي لن يتجه إلى محاسبة قتلة الشباب لأنها ستؤدي إلى مواجهة لا يريدها الآن سواء مع المليشيات المهينة او مع أطراف فاعلة في بعض القوى الأمنية التي وجهت إليها اتهامات بقمع المتظاهرين"، مردفًا أن "التأكيد على أن مرحلته انتقالية لا يشي أن ثمة نية بمحاكمة المتهمين وبدلًا من ذلك سيعمد إلى إعادة هيكلة للقوات الأمنية وإعفاء من وجهت إليهم تهمة قمع الشباب".
من جهته، يعتقد عضو في لجنة الأمن والدفاع النيابية أن "رئيس الوزراء ألزم نفسه بوعود أساسية، من ضمنها الانتخابات المبكرة ومعالجة الأزمات الآنية، بالإضافة إلى محاسبة قتلة المتظاهرين"، مرجحًا أن "الأيام المقبلة تحمل الكثير من التغييرات المنتظرة".
عضو لجنة الأمن والدفاع: مجاميع تابعة لأحزاب قامت بضرب المتظاهرين من أماكن غير مرئية للإيقاع بينهم وبين القوات الأمنية
أضاف العضو والذي رفض الكشف عن أسمه لأسباب سياسية خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الحكومة يقع على عاتقها إحالة المتورطين بعمليات القمع إلى القضاء والذي من مسؤولياته محاسبتهم وفقًا للقانون العراقي"، مبينًا أن "الأمر مرهون بقناعة قاضي التحقيق الذي يتعامل وفقًا للأدلة المادية المتوفرة".
اقرأ/ي أيضًا: الكاظمي وتصفير العدّاد.. مقاربات وملفات واحتمالات
تابع العضو أن "مشكلة تنفيذ الأوامر العسكرية مركبة، وكثير من المواضع يتحملها القائد بسبب المنتسبين، فبالوقت الذي يوجه القائد بحماية الممتلكات العامة وتطبيق القانون دون إطلاق الرصاص الحي، لا ينفذ المنتسب ذلك أو يلجأ لهذا الخيار بعد محاولات اقتحام المباني"، لافتًا إلى أن "عدم التدريب قوات مكافحة الشغب على التعامل مع الاحتجاجات ضمن البروتوكولات الدولية، أسهم بشكل كبير بوقوع ضحايا من المدنيين، بالإضافة إلى قيام مجاميع تابعة لأحزاب بضرب المتظاهرين من أماكن غير مرئية للإيقاع بينهم وبين القوات الأمنية".
يرى الباحث علي طاهر الحمود، أنه "لا خيار لبناء دولة إلا من خلال تقوية أجهزة تنفيذ القانون، عبر إحالة المقصرين إلى القضاء، والذي يجب أن يكون عادلًا وأمينًا في تنفيذ مهامه"، مبينًا أن "المشكلة الأساسية هي مؤسساتية تتعلق ببعض مؤسسات تنفيذ القانون بالرغم من وجود قوانين كافية تتيح للمسؤولين ملاحقة المجرمين، لكن خللًا بنيويًا تعاظم بعد 2003 بسبب الوضع السياسي الذي وسع هشاشة الوضع، ويشمل ذلك النظام الاقتصادي والمحاصصة، حتى عجزت الحكومات المتعاقبة بتطبيق القانون ما جعلنا في عداد الدول الفاشلة".
يحذر الحمود خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، من "سقوط مدوي للنظام السياسي إذا لم تصلح الحكومة المنظومة بشكل جذري، خاصة وأن بوادره كانت واضحة في احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر".
اقرأ/ي أيضًا:
صراع المكاسب السياسية والمآرب الشخصية.. هل يمكن إقالة الحلبوسي بالأغلبية؟