20-أبريل-2020

تذكرنا إستراتيجية التحوط بمبدأ انتشار القوة في مجال السياسة العالمية (فيسبوك)

المحتويات:

  • المقدمة
  • المحور الأول: نظرية التحوط الإستراتيجي والمفاهيم الأساسية التي تطرحها
  •  المحور الثاني: شروط التحوط الإستراتيجي
  • المحور الثالث: التطبيقات المختلفة لنظرية التحوط
  • دول شرق آسيا
  • التحوط ضد صعود الصين
  • الخاتمة

تلجأ الدول في إستراتيجيات متعددة لمتابعة مصالحها القومية وتنفيذ أهداف سياستها الخارجية من خلال الصراع أو التعاون، ومنها ما يوظف الحياد، ومنها ما يعتمد على التوازن سواء كان ناعمًا أو صلدًا، ومنها ما يقوم بالتحالف مع الدول الكبرى أو ما يعرف مسايرة الركب.

أهمية الدراسة:

هناك إستراتيجية أخرى لم تحظ بالاهتمام الكافي في الدراسات الأكاديمية، وهي التحوط الإستراتيجي، والتي بدأت العديد من الدول باللجوء إلى إستراتيجية التحوط لتحقيق مصالحها القومية وتنفذ سياستها الخارجية.

إشكالية الدراسة:

تتلخص إشكالية هذه الدراسة في تفسير إمكانات نظرية التحوط الإستراتيجي للتطبيق في منطقة جنوب شرق آسيا، تم تقسيم هذا البحث إلى عدة أقسام يحاول القسم الأول استكشاف معالم نظرية التحوط الإستراتيجي، والقسم الثاني، شروط وأهداف التحوط الإستراتيجي، والقسم الثالث، تطبيقات مختلفة لنظرية التحوط.

  المحور الأول: نظرية التحوط الإستراتيجي والمفاهيم الأساسية التي تطرحها

يعد التحوط الستراتيجي نظرية هيكلية جديدة في العلاقات الدولية، على الرغم من أن سلوك التحوط ليس جديدًا في السياسات الخارجية للدول، فقد اثبتت الممارسة أن هناك دولًا كثيرة سواء كانت صغرى أو كبرى أو صاعدة أومتوسطة وظفت هذه الإستراتيجية لضمان أمنها الوطني من خلال تجاوز توصيات الواقعيين المتعلقة بانتهاج التوازنات أو مسايرة الركب أو الحياد، بل يقدم بعض باحثي تاريخ العلاقات الدولية، سياسة الاسترضاء التي اتبعتها كل من بريطانيا وفرنسا في مواجهه ألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية على أنها الترجمة المعاصرة لسياسة التحوط الإستراتيجي حيث أن الدولتين كانتا تنخرطان في دبلوماسية ناعمة مع ألمانيا، في الوقت الذي تستعدان لمواجهة عسكرية، لذلك أطلق هؤلاء على سياسة الاسترضاء سياسة الدربين التوأم التي حملها الكثير من الباحثين مسؤولية اندلاع الحرب العالمية الثانية (1).

سياسة الاسترضاء التي اتبعتها كل من بريطانيا وفرنسا في مواجهه ألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية  كانت الترجمة المعاصرة لسياسة التحوط الإستراتيجي

على الرغم من أن نظرية التحوط الاستراتيجي لا تزال في مرحلة التطور، فإنه قد بذلت جهود من قبل الباحثين في مجال العلاقات الدولية والدراسات الأمنية للتعريف بظاهرة التحوط وتنظيرها على رأسهم (ايفان س مديروس) (فوجتك م وولف) (محمد سلمان) (بروك تيسمان) (2).

اقرأ/ي أيضًا: التحليل الإستراتيجي... قراءة في الأبعاد النظرية

فالتحوط الإستراتيجي هو البديل الثالث والإستراتيجية الوسط بين إستراتيجيات الأمن القومي التي تتبنى الميكانزمات الصراعية، وتلك تتبنى ميكانزمات تعاونية من جهة، وبين التوازن التقليدي ومسايرة الركب من جهة أخرى (سواء اتخذت طابعًا دفاعيًا بالتحالف مع الدولة المهددة أو طابعًا هجوميًا بالتحالف مع دولة أو دول منافسة للأخيرة)، وبين التوازن الصلد والناعم وبين المواجهة المباشرة والاعتماد المفرط على الدول الكبرى (3).

وكذلك يقصد بالتحوط الإستراتيجي تتعاون الدولة المتحوطة مع مصدر التهديد لأمنها الوطني لتجنب التهديدات أو الدخول في صراعات غير متكافئة (عملية التوازن الناعم)، وفي الوقت نفسه تتبنى عناصر من التوازن الصلد في مواجهة الدول المهددة من قبل الدولة بالدخول في تحالفات مع القوى المنافسة للأخيرة وزيادة قدراتها العسكرية وغير العسكرية، ومن الواضح أن إستراتيجية التحوط تتضمن خليطًا من التعاون والصراع، أي تنخرط الدول في تعاون اقتصادي وسياسي واجتماعي مع الدولة المهددة، بينما توظف ميكانزمات عسكرية (زيادة أو تحديث القدرات العسكرية والدخول في تعاون أو تحالف أمني رسمي مضاد للدولة المهددة اقتصادية ودبلوماسية ومؤسسية لإضعاف قوتها (4).

وعلى الرغم من التناقض الظاهر بين نمطي السلوك (التعاون مع الدولة المهددة ومحاولة إضعافها وزعزعة استقرارها في الوقت نفسه) فإن إستراتيجية التحوط الفريدة تعمل إذا كانت الدولة ترى خصمها يمثل تهديدًا حقيقيًا ومباشرًا لأمنها الوطني. إن التحوط يختلف عن الحياد، فالحياد يجبر الدولة على عدم التدخل في أي صراع أم التزام موقف واحد اتجاه أطراف الصراع، فيما يتيح التحوط لمن يتبناه مع الدولة الخصم التعاون في الوقت نفسه مع حلفاء ضدها، أي أن إستراتيجية التحوط تقع بين استراتيجتي التوازن والحياد، وتلجأ إليها الدول الصغيرة والمتوسطة، عندما لا ترغب في دعم أي من الدولتين المتنافستين وهذا ما تفعله الدول الآسيوية في إقليم آسيا الباسفيك تجاه كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين (5).

كذلك يتضمن سلوك التحوط الفصل بين القضايا وتنويع الأهداف أو الشركاء لتوسيع الفضاء الإستراتيجي، ويقصد الفصل بين القضايا أن تلجأ الدولة المتحوطة إلى التحالف مع الدول الأخرى في قضايا مختلفة للاستفادة من إمكانات هذه الدول، مثلًا، تفضل دول شرقي آسيا التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في القضايا الأمنية لكنها تنخرط مع الصين في القضايا الاقتصادية، ويستند تنويع الشركاء إلى نقاط قوة الآخرين وخصائصهم ممثلًا تحتل الصين والولايات المتحدة الأمريكية مرتبة متقدمة من اختيارات دول شرقي آسيا يليها كل من اليابان والاتحاد الأوروبي والهند (6).

المحور الثاني: شروط التحوط الإستراتيجي

هناك عدة شروط أو معايير وضعها كل من ستيمان وولف لا بد من أن تتوافر في سلوك الدولة حتى يمكن عده سلوكًا تحوطيًا كطريقة لإحداث توازن قوى عالمي جديد، فإذا انتفى إحداهما يعتبر سلوكها مجرد توازن قوى تقليدي أو احتكاك دبلوماسي عادي وتتمثل هذه الشروط في ما يلي (7):

  • تحسين الدولة لقدرتها وقوتها بطريقة ملحوظة وكبيرة، وذلك تحسبًا لدخولها في صراع مسلح مع الدولة القائدة، أو الدول في النظام الدولي أو السعي لدعم استقلاليتها في حال التخلي عن المعونات التي تحصل عليها من الدولة القائد.
  • تجنب المواجهه المباشرة مع الدولة القائد في النظام، سواء كان ذلك من خلال تشكيل تحالف عسكري موجه ضدها (توازن خارجي للقوى) أو القيام ببناء قدرتها العسكرية (توازن داخلي للقوى).
  • أن يكون هذا التوجه إستراتيجيًا للدولة، بمعنى أن تتبناه القيادة العليا للدولة، وترى فيه تحقيقًا لمصالح الأمن القومي للدولة، قد تضعه في وثائق خاصة بأمنها القومي وسياستها الخارجية.
  • تخصيص الدولة موارد اقتصادية لزيادة قوتها من خلال دعم الانفاق العسكري وصناعات الدفاع، وهو ما قد يترتب عليه في حالة التخطيط غير السليم تداعيات سلبية على اقتصاد الدولة أو دخولها في أزمات دبلوماسية حادة.

المحور الثالث: النماذج المختلفة لإستراتيجية التحوط الإستراتيجي

ظهرت إستراتيجية التحوط لتفسير سياسات الدول الصغرى تجاه نظيرتها الكبرى، حيث أنها الخيار الذكي لتعويض صغر حجم الأولى وغياب وقلة وسائل القوة الصلدة المتاحة أمامها لتنفيذ سياساتها الخارجية، وكذلك من أجل تعظيم المكاسب وتجنب التبعية للقوى الكبرى، وكذلك عندما ترغب الدول الصغيرة الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع قوتين كبرتين وتتيح إستراتيجية التحوط مساحة واضحة للدولة الصغيرة لتوظيف النسبة من أجل تحقيق بعض الاستقلالية لسياستها الخارجية.

أولًا: نموذج تحوط دول شرق آسيا

إن من أبرز الأمثلة على إستراتيجية التحوط هي سياسات دول جنوب شرق آسيا سنغافورة وفيتنام وتايلاند والفلبين واندونيسيا تجاه الصين، وتجاه تبلور نظام إقليمي جديد، وهو النظام الذي يتم تشكيله أساسًا بواسطة الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فهذه الدول تتحوط ضد سيناريوهات الأمن السلبية من خلال مزيج من التوازن غير المباشر، والانخراط مع الصين كما تدرك هذه الدول أن الصين تمثل أكبر تحدي لأمنها الوطني، ولذلك تتحوط تجاهها عن طريق سياسات الارتباط القوية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

 إستراتيجية التحوط تفسر سياسات الدول الصغرى تجاه نظيرتها الكبرى، حيث أنها الخيار الذكي لتعويض صغر حجم الأولى وغياب وقلة وسائل القوة الصلدة المتاحة أمامها لتنفيذ سياساتها الخارجية

وتستهدف إستراتيجية التحوط تحقيق هدفين، هما: تحقيق أعظم الفوائد من خلال الانخراط مع الصين (من خلال المؤسسات والروابط الاقتصادية) ومن خلال التوازن غير المباشر (تحديث مقدراتها العسكرية والروابط الأمنية مع الولايات المتحدة). وكسب حرية أكبر في سياستها الخارجية، من خلال توسيع خياراتها الإستراتيجية، وتتراوح ميكانيزمات التحوط لهذه الدول بين ميكانيزمات تعاونية، وأخرى صراعية، وتتضمن تحديث المقدرات العسكرية درجة منخفضة من القسر (مثل التدريبات العسكرية مع طرف ثالث)، وتعاون أمني محدود (مثل إجراءات بناء الثقة) والتعاون المالي، والروابط التجارية والاستثمارية (8). وقد استطاعت هذه الدول تحقيق مكاسب اقتصادية من خلال انخراطها مع الصين، في الوقت نفسه تحسين روابطها الأمنية مع الولايات المتحدة وتعد تايلاند من نماذج الدول المتحوطة القوية، فيما تعد كل من سنغافورة وفيتنام من نماذج التحوط الأضعف.

اقرأ/ي أيضًا: "الأسرة الدولية" ومصيرنا المجهول

وتمارس تايلاند سلوك التحوط من خلال الحفاظ على علاقات وثيقة مع بكين وواشنطن على حد سواء لتعظيم فوائدها وفتح آفاق جديدة للمناورة فقد وقعت تايلاند سلسلة من المبادرات مع الولايات المتحدة الأمريكية تهدف إلى تأمين التجارة ضد الهجمات الإرهابية، منها مشروع ثنائي لتتبع الحاويات من الموانئ التايلاندية إلى الموانئ الأمريكية كما أعادت الحكومة فتح القاعدة البحرية ستاهيب التي تبعد عن بانكوك نحو 200 كيلومترًا، للسماح بنشر المعدات العسكرية الأمريكية في المنطقة، وعلى النقيض من ذلك، قررت سنغافورة ترسيخ علاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة، وبالتالي تميل بقوة نحو واشنطن بعيدا عن بكين، لكنها في الوقت نفسه تتحوط مع الصين لمواجهة التحدي الصيني للاستقرار الإقليمي، واحتمال قيام بكين بعرقلة جهود التنمية الاقتصادية، الأمر نفسه ينطبق على الفلبين، أما فيتنام، فعلى الرغم من أنها توصف بـ"صديق الصين"، فإنها طورت علاقاتها بالولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، وهي مجبرة على استيعاب الصين حيث لا يمكنها تعميق العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة بشكل سريع (9).

نموذج التحوط ضد صعود الصين

إن الدول الكبرى تلجأ أيضًا إلى استخدام هذه الإستراتيجية لمواجهة الأخطار الكامنة في بيئة دولية تتسم بعدم اليقين، أو لموازنة الدولة القائد في النظام الدولي لا سيما إذا كان هيكله أحاديًا، ويعد صعود الصين مشكلة جيوسياسية ثانية للولايات المتحدة، وقد ذكر ديفينس ريفيو لعام 2006 أن الصين هي في مفترق طرق إستراتيجي يمكنها أن تختار العمل مع الولايات المتحدة أو ضدها، وإذا ما تبعت النصيحة الشهيرة ليوغابيرا لاعب كرة البيسبول الأمريكي، فمن المحتمل أن تقوم بالاثنين معًا، حيث قال ذات مرة "إذا وجدت نفسك في مفترق طرق ينبغي عليك أن تسلكه".

حتى وإن لم تكن الصين قوية بما يكفي لتكون ندًا للولايات المتحدة في الوقت الحاضر، وحتى إن مالت لتكون أقل حدة من الدول الأخرى منها (البرازيل) في انتقاد الأفعال الامريكية على المستوى الدولي، فربما ترغم على المواجهة في نهاية المطاف، ومع ذلك، فلا يوجد سبب آني يدعو الولايات المتحدة للقلق الزائد من صعود الصين (10). ويمكن استنتاج أن صعود الهند والصين ليس بالضرورة أمرًا سيئًا للولايات المتحدة، فربما يرغم الأمريكان على تقييد ممارستهم بالقوة.

لذا أصبح التحوط بعبارة أخرى أمرًا تتبناه الدول، وأبرز ما توصف به السياسة الأمريكية هو (مشاركة+تحوط) وقد أقرت دورية كوادرينيال ديفينس ريفيو الصادرة عام 2006 بأنه ينبغي تشجيع الصين على لعب (دور سلمي بناءً في منطقة المحيط الهادي وآسيا، وأن تكون شريكًا في معالجة التحديات الأمنية المشتركة)ـ لكنها أدركت أيضًا أن الصين من بين القوى الناشئة تتمتع بأكبر إمكانية للتنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل، وقد تم توضيح أسباب ذلك بجلاء في تقرير لجنة المراجعة الأمنية للولايات المتحدة ـ الصين لعام 2002، إذ ذكر أن الدولتين لهما (وجهات نظر عالمية متناقضة بحدة، ومصالح جيوستراتيجية متنافسة، ولديهما نظامان سياسيان متعارضان هذه الاختلافات صحيحة، ولا يمكن تجاوزها بالبيانات المشتركة، ولكن تمكن إزالتها ببساطة من خلال تضييق الخلافات بشأن قضايا سياسية محددة. من جانب آخر لا ينظر إلى الصين على أنها قوة ثورية مثل الاتحاد السوفيتي، بل ينظر إليها بقدر أكبر على أنها قادم متأخر في لعبة القوى العظمى، قوة تسعى لترسيخ مكانتها في عالم تم ترتيبه ستراتيجيًا من قبل متنافسين سابقين (11).

لقد قبلت إستراتيجية الأمن القومي في عام 2006 هذا التحليل، وجاء فيها "نحن نسعى لتشجيع الصين على القيام باختيارات إستراتيجية لصالح شعبها في حين نتحوط ضد الاحتمالات الآخر"، وقد أصرت وزارة الدفاع الأمريكية في تقريرها السنوي للكونغرس أنه يجب على الولايات المتحدة "التحوط ضد المجهول"، الأمور التي لا يمكن التنبؤ بها الآن أصبحت عاملًا دائمًا في السياسة الدولية، ولم تكن هذه هي الحال حقًا خلال الحرب الباردة.

وما لا يمكن التنبؤ به بحكم التعريف يجب علينا أن نتحوط له، الطريقة الرئيسية التي تستخدمها الولايات المتحدة للقيام بالتحوط هي إدخال الصين بالإطار الأمني القائم، وكان هذا هو المنطق وراء (تسريع) دخولها في منظمة التجارة العالمية، والهدف من ذلك هو خلق رغبة بالاستقرار، وتشجيع الصين على أن تصبح مساهمًا مسؤولًا في النظام الدولي، وإذا كانت بخلاف الاتحاد السوفيتي في عقد الأربعينيات أكثر اهتمامًا لتحقيق مشاركة أكبر في إدارة النظام، وليس تحديًا مبادئه التشغيلية أو إجراءاته الأساسية وعندها سيكون الاحتواء أمرًا غير ضروري، ربما لا يكون المساهمين حلفاء، ولكن يجب أن تكون لديها مصالح مشتركة (12).

وبدأت الصين المشاركة بفاعلية في المنظمات الاقتصادية والأمنية المتعددة الأطراف مثل منتدى التعاون الاقتصادي في منطقة آسيا المحيط الهادي، والمنتدى الإقليمي لرابطة أسيان، ورابطة أمم جنوب شرق آسيا زائدًا ثلاثة، وقد رسم المنتدى الاقليمي لرابطة شرق آسيا. الصين تتحوط ضد الولايات المتحدة من خلال انضمامها إلى منظمة تعاون شنغهاي التي تشمل الدول الأعضاء فيها دولًا ربما تدخل الولايات المتحدة معها في الصراع مستقبلًا مثل روسيا وباكستان وإيران (مع الإشارة إلى أن باكستان وإيران لا تتمتعان حاليًا بالعضوية الكاملة بل بصفة مراقب) (13) .

المشكلة في أن هناك آراء كثيرة في واشنطن للتعامل لصعود الصين، ومن ثم، فأن هناك حاجة للتحوط، وإذا كان إدخال الصين في الإطار الأمني القائم يشكل إستراتيجية تحوط فأن بعض الخبراء يرون أن الاندماج الفعلي للصين في هذه المنظمات لم يثبت حتى الآن سوى اندماج سطحي أو خدمة لمصالحها، ويرون أنه حتى إذا تغير هذا، فإنه لا يزال أمام الصين شوط كبير حتى تصبح دولة عالمية مستعدة للاعتراف (فكيف القبول) بأي تقليص لسيادتها (14) .

تذكرنا إستراتيجية التحوط بمبدأ انتشار القوة في مجال السياسة العالمية وإن العلاقات الدولية هي عبارة عن القوة الذكية أكثر من القوة الصلدة

نستنتج مما تقدم، تتحدى إستراتيجية التحوط التقسيم الواقعي الثنائي المبسط الذي يوضح أن السبيل أمام الدول لتحقيق أمنها الإستراتيجي هو ممارسة النفوذ أو الاستقلالية، فإذا اختارت الدولة النفوذ، فإنها تتلتحق بتحالف وتنخرط في سياسات توازن تقليدي، وإذا اختارت الاستقلالية، فعليها اتباع سياسة الحياد، فمن خلال تبني إستراتيجية التحوط يمكن للدول أن تحقق الأمن والنفوذ، ومد فضائها الإستراتيجي وتنويع شركائها من ناحية أخرى. تذكرنا إستراتيجية التحوط بمبدأ انتشار القوة في مجال السياسة العالمية وإن العلاقات الدولية هي عبارة عن القوة الذكية أكثر من القوة الصلدة، وهو وضع يلاءم الدول الصغيرة أكثر من غيرها، وتساعد إستراتيجية التحوط الدول بصرف النظر عن مكانتها الدولية على التكيف مع حالة عدم التأكد بالنسبة للمستقبل، وتجنبها مخاطر المواجهه المباشرة مع الدولة المهددة، وتمنحها مهلة زمنية مطلوبة لتطوير مقدراتها القومية، بالإضافة إلى ذلك تحقق الدول مزايا مادية من الانخراط في علاقات اقتصادية مع الدولة/الدول المستهدفة من التحوط، والأهم من ذلك، تتيح هذه الإستراتيجية حرية الحركة للدول المتحوطة، سواء كانت صغيرة أو متوسطة أو حتى دول كبرى في نظام أحادي القطبية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الهوامش:

  • أيمن إبراهيم الدسوقي، التحوط الإستراتيجي في الشرق الأوسط، مجلة السياسية الدولية، العدد٢١٥، كانون الأول/يناير ٢٠١٩، ص٣٠.
  • المصدر نفسه ، الصفحة نفسها.
  • المصدر نفسه ، الصفحة نفسها.
  • المصدر نفسه ، ص31.
  • المصدر نفسه ، الصفحة نفسها.
  • المصدر نفسه ، الصفحة نفسها.
  • فراس الياس، التوازنات الإستراتيجية العالمية في القرن الحادي والعشرين، مجلة شؤون الأوسط، العدد (153)، مركز دراسات الإستراتيجية، بيروت، 2016، ص 25-26.
  • أيمن إبراهيم الدسوقي، مصدر سبق ذكره، ص33.
  • المصدر نفسه ، الصفحة نفسها
  • كريستوفر كوكر، الحرب في عصر المخاطر، تصوير أحمد ياسين، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أبو ظبي، ط1، 2011، ص220.
  • المصدر نفسه ، ص224.
  • المصدر نفسه ، ص225.
  • المصدر نفسه ، ص226.
  • المصدر نفسه، الصفحة نفسها

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

عالم يحكمه الأقوياء!

نادي القمار الكبير