25-يناير-2016

وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر في ضيافة مسعود بارازاني (الأناضول)

بعد أن أسست روسيا لقاعدتها العسكرية في الساحل السوري وعززتها، ها هي الولايات المتحدة تشيد أول قواعدها العسكرية شمال شرق سوريا. هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي/عربي" كشفت عن هذا الخبر، قائلة إنها اطلعت على صور التقطها مركز ستراتفور للتحليلات الأمنية بواسطة أقمار صناعية تُظهر أن المدرج، القريب من بلدة رميلان التابعة لمحافظة الحسكة، شمال شرق سوريا، والخاضع للسيطرة الكردية، يجري مدّه من 700 متر إلى 1.3 كيلومتر. ويكفي هذا الطول لهبوط طائرة من طراز هيركوليز.

ثمة عملية "تغيير ديمغرافي" تجري في أنحاء كردستان العراقية والسورية بحسب تقارير وبيانات المنظمات الحقوقية، تستهدف في جوهرها الوجود العربي

وهذا النوع من الطائرات لمن لا يعرفه، مخصص للأعمال القتالية الهجومية في عمق الأراضي المعادية، وهو مخصص لأغراض الشحن والدعم الجوي ويحمل في العادة قوات العمليات الخاصة المجوقلة. إذًا نحن أمام أول "قاعدة" عسكرية أمريكية على الأرض السورية في "تاريخ أمريكا المعاصر".

يمكن القول أن القاعدة الجلية التي علمتنا إياها السياسة الأمريكية طيلة هذه السنين، أنه حيثما وجدت "القاعدة" (التنظيم) سيكون هناك "قواعد" أمريكية في مواجهتها، فهذه التي تبرر تلك وتبرر كل الفظاعات التي ترتكب باسم مكافحتها.

على الرغم من صغر حجم هذه القاعدة، إلا أن وجودها في المنطقة الكردية، يوجه رسالة لا تخفى دلالاتها على صعيدين، الأول في كونه رسالة إلى تركيا بإمكانية التخلي عنها وعن قاعدة إنجرليك الجوية في مدينة أضنة، والثانية أن هذه المنطقة لا تزال عمليًا تحت سيطرة قوات حليفة لنظام بشار الأسد وعلى تنسيق عسكري دائم معها، أي أن تأسيس هذه القاعدة كان برعاية نظام الأسد نفسه.

تشي هذه القاعدة أنها تأسيس لمشروع قاعدة أكبر، ستكون مركزًا أساسيًا لعمل قوات التحالف بقيادة أمريكا في حرب تنظيم داعش الإرهابي من الناحية الظاهرية، ولكنها ستكون من الناحية الاستراتيجية حماية لغرب "دولة كردستان" المرتقبة، التي تواجه عدوين شرسين "داعش وتركيا".

منذ شهور تتصاعد أصوات منظمات حقوقية حول ما يصفونه بـ"انتهاكات قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بقيادة صالح المسلم في شمال شرق سوريا"، ومن تلك المنظمات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" و"المرصد الآشوري لحقوق الإنسان" الذي كان نشر بيان تحدث فيه عن وجود "ممارسات وانتهاكات لا قانونية، تدل على إحداث تغيير ديموغرافي خطير في المنطقة، وتساهم بإنهاء الوجود التاريخي للآشوريين المسيحيين في معاقلهم الرئيسية في سوريا"، آخر تلك المنظمات وأهمها كان تقرير "منظمة العفو الدولية" الذي صنف ما يقوم به حزب العمال الكردستاني، في شمال شرق سوريا، من عمليات الهدم المتعمد للمنازل وتهجير السكان ومصادرة ممتلكاتهم تحت خانة "جرائم حرب وجرائم تهجير قسري للسكان المدنيين".

الكل يعلم أن حدود خارطة "لافروف- كيري" مرسومة بالدم، وجراحها لن تلتئم أبدًا

ما يهم هنا من البيانات والاحتجاجات للمنظمات الدولية، التي لن تقدم ولن تؤخر، هو أن عملية "تغيير ديمغرافي" تجري في "دولة كردستان" كما يسميها الأكراد، والآن تبني أمريكا أول قاعدة عسكرية لها "غربها".

مع تصاعد هذه الأخبار والاحتجاجات الدولية تقترب حكومة إقليم كردستان العراق، من إنهاء مشروع حفر خندق، بدأته منذ عام، يبدأ من الحدود العراقية السورية في الغرب، وصولًا إلى الحدود العراقية الإيرانية شرقًا، بشكل يضمن في نهاية المطاف إلى رسم واضح للحدود يضم محافظة كركوك إلى الإقليم، منهيًا، جدلًا حولها، دام لسنوات.

دولة كردستان التي ستمتد بين العراق وسوريا، وربما تشمل أجزاء من تركيا، وربما من إيران أيضًا، يتم العمل عليها بهدوء شديد منذ الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق، وقد يستمر بضع سنوات قليلة أخرى، ولكنها في النهاية ستولد وستضرب أمريكا وروسيا وأوروبا عرض الحائط بالمعارضة الشرسة لأردوغان وحكومته لها، على الأقل من الناحية الظاهرية، فهذه الدولة هي محط تأييد القوى الكبرى في العالم دون نسيان مدى التحفز الإسرائيلي لهذا المشروع، ولكن ترتيب حدودها يحتاج للزمن والكل يعلم أن حدود خارطة "لافروف- كيري" مرسومة بالدم، وجراحها لن تلتئم أبدًا.

من هنا يجب أن نعي جيدًا التصريح الأخير لرئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، حيث قال في مقابلته مع صحيفة غارديان البريطانية: "إن المجتمع الدولي بدأ يوافق على أن العراق وسوريا على وجه التحديد لن يكونا موحدين أبدًا، وأن التعايش الإجباري في المنطقة قد أثبت فشله.. وأن قادة العالم قد توصلوا، كل بينه وبين نفسه، إلى أن عهد سايكس-بيكو قد انتهى.. وإن أعلنوا عن هذه القناعة أو لم يعلنوا، أو وافقوا عليها أم لم يوافقوا، فإن هذه هي الحقيقة على الأرض.. إن استقلال دولة كردستان الذي ظل محور الطموحات الكردية لعقود وعارضه "بشراسة الجيران الذين تساورهم الشكوك" أصبح أقرب من أي وقت مضى".

يظن، وليس كل الظن إثم، أن أمريكا لا تريد من كل هذا التفتيت الجغرافي والديمغرافي الجاري بشكل ممنهج ومدروس جيدًا في العراق وسوريا نهاية المطاف إلا تأسيس "دولة كردستان"، وتثبيت أركانها لتكون ذراعها الطولى في العمق الأسيوي، هناك حيث أرض الثروات البكر، فدولة كردستان القادمة ستكون إحدى أقوى الدول في العالم بحلول عام 2025، وفقًا للجغرافيا والثروات الرابضة عليها.

اقرأ/ي أيضًا:

مقدمات كردية لا بد منها

التعليم باللغة الكردية