12-سبتمبر-2019

تحولت بعض المدن المحررة من معقل للجماعات السنية المتطرفة إلى "موالية" للحشد الشعبي (فيسبوك)

يسكن محافظات الوسط والغرب وصولًا إلى الشمال خليط من القوميات والطوائف أغلبهم من العرب السنة، مدنهم خضعت لاحتلال تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" لسنوات، وتحررت بجهود مقاتلين من الجيش والشرطة ودعم كبير ومؤثر من الحشد الشعبي، وهو القوة الموازية التي تشكلت بأمر المرجعية الدينية الشيعية ومنحتها الحكومة شرعية قانونية.

تشهد العديد من المدن المحررة ذات الغالبية السنية إقامة "طقوس شيعية" غير معتادة سابقًا كمواكب العزاء والطبخ وغيرها

انسحب الجيش وغالبية المقاتلين التقلديين في القطاعات العسكرية، لكن تلك الحشود ظلت تفرض سيطرتها على المدن السنية أو كما تسمى بالمحررة، منذ أكثر من عامين، ونتج عن وجود المقاتلين في الحشد الشعبي "الشيعي" موالين ومناصرين ومنضوين من العرب السنة. 

اقرأ/ي أيضًا: طقوس العزاء الحسيني.. "ارتباط روحي" تعكره السياسة والفوضى

في سامراء والموصل تتبلور الصورة اليوم، حيث باتت المدينتان ذات الغالبية السنية الساحقة، بفعل الواقع، مواليتين للحشد الشعبي القوة الضاربة على الأرض، والمتمكنة ليس من الملف الأمني فقط بل السياسي والاقتصادي.

عند الدخول إلى سامراء، ستشاهد رايات سوداء وأخرى حمراء تظهر مدى تغلغل القضية الحسينية التي يتبناها الشيعية، في هذه المدينة التي كانت معقلًا لعتاة المتطرفين السنة في القاعدة و "داعش"، أو بالأحرى كانت مسقط رأس زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي.

لكن الأمر في سامراء قد يكون مختلفًا عنه في الموصل، في سامراء توجد مزارات للشيعة الإثني عشرية لكن في الموصل تبدو الأمور أكثر تعقيدًا حيث لا يوجد ما يهيئ لإقامة تلك الطقوس الدينية.

يقول رجل دين موصلي، فضل عدم الكشف عن اسمه، حيث يعد نفسه مجددًا ومنفتحًا، سنيًا صوفيًا، يرفض الفكر المتطرف ويسعى لتمتين الأواصر بين المذاهب الإسلامية، إن "سياسات الجماعات الإرهابية وقبلها منع نظام صدام حسين للشعائر الحسينية تسبب في ابتعاد الموصل وسكانها المسالمين عن أهل البيت، الذين أوصى بهم الرسول الكريم، وهم أساس قصة عاشوراء".

يضيف، أن "الموصل أصبحت بعد التحرير، كما لا يخفى على الجميع، أكثر انفتاحًا على محيطها، ولربما هو رد الجميل بإقامة المواكب التي تقدم الطعام وتستقبل المعزين بالإمام الحسين في ذكرى استشهاده قبل أكثر 1300 عام"، لكن رجل الدين أكد لـ "ألترا عراق"، أن "من يقيم تلك المواكب ليس موصلي المولد والانتماء، وإنما عرب سنة من الأطراف قدموا إلى الموصل بعد التحرير، وآخرين من الشبك في سهل نينوى أو التركمان في تلعفر وسهل نينوى، حيث يقمون مجالسهم في أماكن محددة في مدخل الموصل الشرقي والمجموعة الثقافية".

كما يبين، أن "البعض منهم محابين وآخرين موالين بالعقيدة أصلًا، والأمر طبيعي، كما يراه البعض وأنا منهم، لأن المدينة يجب أن تكون منفتحة على الجميع، لكن على أن تؤدي تكون تلك المناسبات إلى الإضرار بمصالح الناس، وللأسف فأن الأمر منذ ثلاث سنوات سبب الضرر للناس، من خلال قطع الطرق الرئيسية وفرض حظر للتجوال في طريق الموصل أربيل الأكثر حركة، وغيرها من الأمور التي تنعكس سلبًا".

لكن ما يجري ليس بتلك البساطة، حيث ترى أطراف كثيرة في الموصل، أن الطقوس الحسينية وغيرها من الممارسات التي يقوم بها الحشد الشعبي، تدخل ضمن محاولات "فرض التشيع".

تختلف الآراء والمواقف حول الطقوس الجديدة على المدن المحررة بين مرحب وآخرين يرون فيها "محاولات لفرض التشيع"

يقول أستاذ جامعي في كلية القانون والسياسية في جامعة الموصل، إن "تنظيم داعش كان يعلم أن بقاءه لن يدوم كثيرًا في الموصل، فقام وسرق ونفذ وقتل بسرعة فائقة وفي ظل فوضى عارمة، والأمر نفسه يتجدد الآن بوجود غرباء يحاولون فرض فكرهم ويمارسون عقائدهم بسرعة وفوضى لأنهم يعتقدون أن بقاءهم لن يطول".

يضيف الأستاذ الجامعي، الذي رفض كشف اسمه هو الآخر، لـ "ألترا عراق"، أن "ثقافة المواكب ليست موصلية، بل هي محاولة للتقرب من الحشد الشعبي بشكل واضح، فهو الذي يسيطر على الأمن والسياسية والاقتصاد في نينوى وليس في الموصل وحدها"، مبينًا أن "أصحاب المواكب من العرب السنة في أطراف الموصل، سيحصلون لاحقًا على ما يريدون من مشاريع وهمية وأموال طائلة بدعوى أن لهم الأفضلية لأنهم قريبين من مصادر صنع القرار في المحافظة، ولكن كل ذلك سيتلاشى، فمن الصعب تطبيق فكر وطقوس في مدينة غالبية سكانها ينتظمون في المدارس والمؤسسات التعليمية ويتحركون بسهولة في المحيط بكردستان وسوريا وتركيا القريبة منهم، وعلى اطلاع أكثر من غيرهم في المدن المحررة الأخرى".

بالعودة إلى سامراء في محافظة صلاح الدين والتي تضم أحد أهم العتبات الدينية لدى الشيعة، حيث اختفى آخر الأئمة، وفق الروايات الدينية للمذهب الجعفري، فإن المدينة ذات الغالبية السنية، تخضع اليوم لسيطرة الحشد الشعبي، وتحديدًا "سرايا السلام"، إضافة إلى سلطة العتبة العسكرية التي ترتبط بمجلس الوزراء والمرجعية الشيعية في النجف.

اقرأ/ي أيضًا: "أداة للنضال" تلهم الملايين حول العالم.. كيف ينظر الغرب إلى عاشوراء؟

يقول مسؤول محلي في المدينة، إن "الجميع في سامراء يرضخ لسلطة الحشد الشعبي والعتبة"، مبينًا في حديث لـ "الترا عراق" أن "سامراء قد تبدو أفضل من المدن الأخرى في المحيط حيث لم تخضع لتنظيم داعش، ولكنها مسلوبة القرار".

يشير المسؤول المحلي، إلى أن "المدينة اندمجت سريعًا مع الطقوس الدينية للشيعية، لأنها في الأساس كانت تستقبل الزائرين الشيعة منذ مئات السنين، وهو ما يجعل الأمور أكثر سهولة الآن من الموصل، لأن السامرائيين في الأساس يعتزون بالمرقد الموجود عندهم"، مؤكدًا أن "الانزعاج من سلب القرار السياسي والأمني في المدينة لا يرتبط بالمظاهر الدينية، حيث إن غالبية الطقوس تتم في مدخل سامراء الجنوبي وصولًا الى مركز المدينة التاريخية، وغالبية الأحياء الشرقية والغربية والشمالية بعيدة عن تلك المظاهر، لذلك فأن الأمور تسير بشكل طبيعي حتى وإن كانت تزداد عامًا بعد آخر".

يرى السياسي من نينوى عماد باجلان بدوره، أن "الطقوس التي تقام في سامراء والموصل وصولًا الى تكريت وقد نشهدها في الأنبار قريبًا، هي محاباة تجري بالإكراه، للسلطة التنفيذية التي تسيطر على مقدرات المحافظات المحررة، وهم الحشد الشعبي والجميع يعرف ذلك".

يرى سياسي أن طقوس العزاء الحسيني التي تجري في المناطق المحررة هي "محاباة" بالإكراه للحشد الشعبي الذي يفرض سيطرته على تلك المناطق

يقول باجلان لـ "ألترا عراق"، أن "سهل نينوى معروف بمكوناته من شبك وتركمان شيعية ومسيحيين وعرب سنة وكرد، ومن الطبيعي أن تقام فيه المواكب، ولكن أن تقام المواكب في الموصل وسامراء، فهي محاولة للتغيير الأيديولوجي لعقول السكان، وهذا الأمر حتى وإن تم بشكل واضح الآن لكنه بالحقيقة لم يجدي نفعًا، فتغيير على هذا المستوى يتطلب وقتًا طويلًا جدًا، ولكن هناك من يريد أن يحابي الحشد لأسباب مالية أو في محاولة للحصول على مكاسب".

يضيف، أن "الأمور قد تتغير ويخرج الحشد ولن يعود هناك ولاء في داخل المدن للولي الفقية، خصوصًا أن السنة كفكر، هم أكثر تشددًا وتطرفًا لعقائدهم من الشيعة"، موضحًا أن "الأمور الآن قد تكون واقعة لأن السنة مضطربون بسبب خروجهم من احتلال داعش، ولكن الأمور سرعان ما ستعود إلى نصابها، لأن تلك المدن لأهلها وليست لغيرهم".

 

اقرأ/ي أيضًا:

محرّم في بعده الاجتماعي.. "القيمة" في مواجهة الطائفية!

طقوس عاشوراء.. الاكتفاء بـ"اللطم" ونسيان الحقوق!