ألترا عراق ـ فريق التحرير
فجّرت خطوة وزير الثقافة حسن ناظم، تجاه الشاعر العراقي المغترب سعدي يوسف، جدليّة طالما تُثار في المجتمعات العربية والإسلامية، والعراقية على وجه الخصوص، والتي تتعلّق بتفصيلة "إمكانية الفصل بين قيمة المنتج الأدبي والشعري وبين الموقف السياسي وشخصيّة الأديب أو الشاعر".
وجه وزير الثقافة كتابًا إلى وزارة الخارجية تضمن طلبًا لزيارة الشاعر سعدي يوسف بسبب تدهور حالته الصحية
ناظم وجه كتابًا الى وزارة الخارجية-دائرة أوروبا، بوصفه وزيرًا للثقافة، تضمن طلبًا بتوجيه سفير العراق لدى لندن محمد جعفر الصدر، لزيارة الشاعر سعدي يوسف ممثلًا عن وزارة الثقافة، والعراق عمومًا، بفعل تدهور حالة الشاعر الصحية.
اقرأ/ي أيضًا: رؤى من سعدي يوسف وإليه
ووصف ناظم خلال تعليقه على كتابه الموجه إلى وزارة الخارجية، سعدي يوسف بأنه "آخر كبار شعراء العربية الأحياء، وأحد أهمّ شعراء العالم الأحياء، جمع عبقرية البصرة وفصاحة الكوفة، برزخ القدامة والحداثة، راكزٌ بجذورٍ تتشبّث بتربة العربية الأصيلة".
كتاب ناظم، واجه ردود فعل "عنيفة" من بعض الأوساط في الشارع العراقي، بفعل المواقف السلبيّة المتخذة تجاه الشاعر سعدي يوسف ووصفه بـ"الطائفي" بفعل مواقف وآراء اتخذها يوسف خصوصًا خلال فترة الحرب على تنظيم "داعش".
واستدعت ردود الفعل المترتبة على الكتاب، أن يجري النائب الأول لرئيس البرلمان حسن الكعبي، اتصالًا بوزير الثقافة ومطالبته بإلغاء كتابه الموجه إلى الخارجية، مستذكرًا قصيدة ليوسف "هاجم وأساء بها إلى النبي محمد" بحسب بيان الكعبي.
ردود الفعل الواسعة أجبرت وزير الثقافة حسن ناظم على أصدار توضيحًا وصفه البعض بـ"الحاسم"، إلا أنه يبقى ضمن جدليّة "إمكانية الفصل بين نتاج الأديب أو الشاعر وبين مواقفه الإنسانية".
وقال ناظم في إيضاحه المطوّل واطلع عليه "ألترا عراق"، إن "الآراء التي برزت بصدد طلبي رعاية الشاعر سعدي يوسف تباينت بين مؤيد ورافض، وهنا وددتُ أن أبيّن بعض المسائل"، مبينًا أن "هدفي من الكتاب أن أرسل رسالة إلى العراقيين، إلى العالم العربي، إلى العراقيين خاصة الذين يقولون دومًا إن بلدهم يخذلهم في الملمّات، رسالة أن دولة العراق الجديدة لا تتخلى عنهم رغم كلّ شيء، هدفي أبعد من العناية بسعدي، أبعد من رعاية مريض، أبعد من الآني الذي يحفّ بنا".
وأضاف ناظم: "كل ما قلتموه عن سعدي صحيح في مواقفه السيئة وتخاريفه في أرذل العمر التي لا تدخل في باب حرية التعبير، وقد كتبت مقالًا طويلاً نشرته قبل سنوات عن هذه المواقف السيئة والتخاريف وأدنتُهُ عليها، موقفي واضح في هذا منذ سنوات، كتبتُه كناقد للشعر وأستاذ جامعي. ولم يبق شاعر عراقي وناقد لم يُدنْه عليها".
واعتبر ناظم بأن "سعدي مات شاعرًا منذ سنوات، منذ التسعينيات لم يكتب قصيدة، وما يكتبه من نصوص هي أوعية لأحقاد وسموم ترتدّ عليه، دانه كما قلت على مواقفه مثقفون أنا بينهم وشعراء ورجال ثقافة، ولم يردّ على إساءاته رجل دولة من أولئك الذين اعتدى عليهم مثل المرحوم جلال طالباني وغيره، بل ردّ الفريق عبد الوهاب الساعدي إساءته بالإحسان وقال عنه ((الله يغفر له، ما أحسن التقدير، ومهما يكن عراقي ومحسوب علينا))، هذا سعدي الختام المأسوف عليه".
وأشار ناظم إلى أن تصرفه جاء "كوزير في دولة جديدة وليس كناقد للشعر، ما سيبقى من سعدي شيء واحد وهو الشاعر الكبير الذي حجز مكانه في تاريخنا الشعري ومعتمدنا الأدبي (المعتمد الأدبي مصطلح لما استقرّ من أدب عظيم في أمة معينة) منذ امرؤ القيس حتى السياب، هذا المكان الكبير لم أرد لدولة ما بعد 2003 أن تغفله وتسقط فيما سقطت فيه دولة البعث بإهمال الجواهري ومصطفى جمال الدين وأضرابهما، لمجرد عدم تحمّل التفاتة عناية بمريض، والدولة وشعب العراق وأنتم النخبة أولى بمثل هذه المواقف السامية التي يزخر بها تاريخنا وحكاياتنا، وتختزنها موسوعاتنا وسِيَرُ أئمتنا من ردّ الإساءة بالإحسان في موقف الضيق".
وأضاف: "إساءات سعدي كثيرة طالت إحداها السيد السيستاني وأحسب أن لو طُلب من المرجع رعايته مريضًا لرعاه، وقبله رعى النبي (ص) الشاعر كعب بن زهير بعد الهجاء الذي رمى به النبي (ص)، وغير هذه القصص كثير ممّا يبني أخلاق التسامح ويرقّيها على أخلاق النقمة والانتقام، وأحسب أن الدولة لو تحاسب على المواقف السيئة لكبار شعرائها لكان علينا أن نحطم تمثال الرصافي وسط بغداد لأن مواقفه الطائفية السيئة وكتابته عن النبي (ص) قذرة بكلّ معنى الكلمة، ولا تقلّ عن مواقف سعدي حقدًا. لكنه باق في ذاكرة العراق والعرب عملاقاً شعريًا أول من مجّده الجواهري بقصائد خالدة مدحًا في حياته ورثاء في مماته".
اشترك وزير الثقافة مع الهجمة التي طالت الشاعر سعدي يوسف ولمح إلى أنه "مخرف وطائفي" لكنه يقول إنه يبقى شاعرًا مهمًا
وتساءل: "هل تتذكرون موقف دولة البعث من الشاعر أبي نواس، حين أرادت إزالة تمثاله لأصله الأعجمي"، مضيفًا أن "أخطر شاعر موّه على العراقيين سمومه هو عبد الرزاق عبد الواحد، فقد قتل العراقيين مع صدام بقلمه، وظل نصيرًا لصدام حتى النفس الأخير، لكنه لم يسقط فيما سقط فيه سعدي من إساءات وتخاريف، بل كتب لنا قصيدة عن الإمام الحسين أنست الناس جرائمه الشعرية في القادسية".
اقرأ/ي أيضًا: سعدي يوسف في مديح ابن سلمان.. مآل ساخر لـ"الشيوعي الأخير"
وتابع ناظم أن "لسعدي يوسف 8 مجلدات من الشعر وعشرات الكتب الأخرى والترجمات، وله تأثير ضخم في الشعرية العربية، دعونا نصفح عن تخاريفه في أرذل العمر ونتمسك بكثير من مؤلفاته المبدعة، ونقول مثل تشرتشل في مقولته ((لو خيرونا بين التخلي عن كل مستعمراتنا، وبين مؤلفات شكسبير، لاحتفظنا بما تركه شكسبير))، ولدى سعدي إبداع كبير لا يُنسى، سيبقى بعد أن يزول ونزول وتزول تخاريفه وتُنسى".
وختم: "هدفي أبعد من العناية بسعدي، أبعد من رعاية مريض، أبعد من الآني الذي يحفّ بنا. تحية لكم جميعًا وأعتقد بأن آراءكم المتباينة تنطلق من مبدأ واحد لديكم هو الحرص على بلدنا وثقافتنا، كلّ من زاوية نظره".
اقرأ/ي أيضًا:
لا تفتح الباب للغرباء.. عن العلاقة المأساوية بين الشاعر وقارئه