26-أغسطس-2020

الأحزاب والفصائل المسلحة تنتظر إعلانًا بالانسحاب العسكري السريع من العراق (Getty)

في السياسة، لا يُقرأ لقاء حكومة دولة ما بأخرى (فقط) كما تقول البيانات الصحفية: "بحث الطرفان العلاقات الثنائية بين البلدين".. إنها عبارات لا ترتقي حتى للاستهلاك الإعلامي. فما تبحثه دولتان يَهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بصورة كبيرة أو صغيرة، دولة أو دول أخرى سواءً بالسلب والإيجاب.

لا يُريد ترامب الخروج من العراق على الطريقة الإيرانية، وتُريد طهران بجدية أن يفعل ذلك، أو أن يَسقط في انتخاباته القادمة بأي شكل

وإذ نشير إلى "طبيعية" هذه الحالة بين دول العالم، إلا أنها أكثر من ذلك في العراق، الذي بُني نظامه الطائفي بطريقة تُحتم على تحركاته أن تتقاطع وتشتبك مع مصالح دول أخرى، وبالتالي مع القوى الداخلية، في معادلة سرطانية ساهمت بتصلّب الدماء في جسد الدولة وموت ما يُسمى "المصلحة العليا" للدولة التي تُكتب زورًا وبهتانًا في بيانات الحكومات العراقية حين تلتقي نظيراتها.

اقرأ/ي أيضًا: التوتر غير المستقر.. حروب ما بعد سليماني

استنادًا إلى ذلك، لا يمكن لأي عاقل أن يعتبر زيارة الحكومة العراقية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لقاءَ دولةٍ بدولة فحسب. هي مرتبطة بالدول المجاورة وغير المجاورة للعراق، وعلى وجه الخصوص، الملف الإيراني الذي يسحب معه الملف الخليجي والإسرائيلي، وهكذا دواليك.

وقد زاد تأثير ذلك بعد حادثة اغتيال قاسم سليماني بطائرة أمريكية في بغداد، في أوضح نقاط الصراع بين واشنطن وطهران في المنطقة، والسؤال الذي طُرح ولا يزال يُطرح هو: هل ستكون الحادثة هي الأعلى في منحني الصراع، بمعنى أن المؤشر سينخفض تدريجيًا؟ أم أنها مجرد ارتفاع في المستوى البياني للصراع وقد يعقبه ارتفاع أكبر؟

أجبنا جزئيًا عن هذا السؤال فور حادثة المطار، وقلنا إن إيران تسعى لحفظ ماء الوجه ومحاولة الانتقام من دونالد ترامب في الداخل الأمريكي دون الدخول في حرب مع التحالف الدولي والأطراف الأوروبية.

وفي ذات المقال الذي سبق الرد الإيراني بقصف قاعدة عين الأسد، توقعنا أن يكون الرد أكثر حكمة مما يُسوّق له في إعلام الجبهة الإيرانية، واستشفينا أن "قواعد جديدة للحرب ستُفرض على الأرض، ربما هي استمرار لحروب الوكالة لكن بنسق أعلى".

ما أسميناه بـ"التوتر غير المستقر" تحقق منذ شهر كانون الثاني/يناير ولا زال مستمرًا. تشهد العاصمة وبقية المحافظات ضربات مكثفة لفصائل غير معروفة مسبقًا نحو السفارة الأمريكية ومعسكرات حيث تتواجد قواتها وأرتال عسكرية ذات صلة بشكل أو بآخر بالتحالف الدولي.

كانت الأحزاب والفصائل المسلحة المقربة من إيران ـ أو ربما هكذا ادّعت ـ  تنتظر إعلانًا بالانسحاب العسكري السريع من العراق. فطهران، تُريد نصرًا وسط الخسائر المتلاحقة، والفصائل تُريد نصرًا بعد ما تسببته انتفاضة تشرين لها من خسائر أيضًا. لكن الانسحاب السريع الذي صرح به ترامب كان على مدى ثلاث سنوات، وهو ما لا يُرضي بعض حلفاء إيران في العراق، خاصةً وإن جاء دون مقابل.

من خلال متابعة تصريحات الرئيس الأمريكي قبل أن يكون رئيسًا، وتوجهاته السياسية/العسكرية بعد دخوله البيت الأبيض، يُمكن للمرء أن يرى رغبته بوضوح في الخروج العسكري من المنطقة مقابل صفقات اقتصادية منها عسكرية؛ لكن الخروج الآن، من العراق تحديدًا، قد يصطدم بخطط المؤسسة الأمريكية سواءً البنتاغون أو الخارجية، والأهم من ذلك، سيُعتبر انتكاسةً له ونصرًا لإيران، أمام جمهوره والدول الحليفة في المنطقة.

إذن، لا يُريد ترامب الخروج من العراق على الطريقة الإيرانية، وتُريد طهران بجدية أن يفعل ذلك، أو أن يَسقط في انتخاباته القادمة بأي شكل، وإحدى الطرق المؤدية لذلك هي إيذاء قواته في العراق. نُذكّر أن قتل الجنود أو الموظفين الأمريكيين لم يكن ضمن قواعد الاشتباك قبل حادثة كركوك، حيث كان التوتر مستقرًا، ولم يحدث بعد اغتيال سليماني وحتى الآن.

من هنا فأن مرحلة "التوتر غير المستقر" مهددة، إذ أنها، وحتى اللحظة، وبالذات بعد زيارة الكاظمي لواشنطن، لم تأتِ بالنتيجة المرجوة، والخيارُ التصعيدي المُغاير واردٌ إذا ما أرادت إيران أن تحقق هدفها بشكل سريع قبل الانتخابات الأمريكية نهاية العام الجاري. وحينئذٍ، وفي هذه النقطة تحديدًا، لا يمكن لترامب أن يتسامح مع هذه الخطوة، فالرد القادم من البيت الأبيض على محاولة اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد كان حازمًا وحاسمًا لم يتوقعه أفضل الخبراء.

الخروج الأمريكي من العراق الآن قد يصطدم بخطط المؤسسة الأمريكية سواءً البنتاغون أو الخارجية، والأهم من ذلك، سيُعتبر انتكاسةً له ونصرًا لإيران

إذن، فالسؤال هو حول الخطوة القادمة للإيرانيين وحلفائهم ثم نوعها، والمعادلة التي قد تنتج من ذلك، أو التي يُمكن أن تُبقي الوضع على ما هو عليه وانتظار ما سيسفر عنه السباق الرئاسي، وربما يدفع الكاظمي شخصيًا الثمن، وهذا ما تطرقنا إليه في مقالة سابقة، وسنتوسع به لاحقًا، إن بَقينا.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

معادلةُ "التوتر المستقر" في الشرق المستعر

مركبة الحكومة والأحزاب وطريق حسان دياب