بدا رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي وكأنه أكثر ارتياحًا، أو قل أخف توتّرًا بتعبير أدق، خلال الأيام التي تلت إعلانه موعد الانتخابات المبكرة. توّج مرحلة القلق منذ توليه رئاسة مجلس الوزراء ـ وذلك انطباعٌ على أية حال ـ في خطاب أو خطابين وجههما للشعب بعد حادثة ساحة التحرير 26 تموز/يوليو واستشهاد متظاهرين على يد قوات أمنية.
نَقَل الكاظمي النقاش إلى الأحزاب التي أخذت تتسابق على موعد الانتخابات وتوزيع الصلاحيات وشرح الآليات الدستورية لحل مجلس النواب
في حالة من الإحباط واضحة على وجهه وصوته، توعد بكشف نتائج التحقيق خلال 72 ساعة، ثم أعقبه بخطاب تحديد موعد الانتخابات. ولكي لا ندخل في قراءة الحركات وBody Language والتحليلات النفسية الناتجة من انطباعات ليس إلا، يُمكن القول إن الإعلان عن النتائج وحبس ضابط برتبة رائد ومراتب أخرى ـ وهو إجراء كما ذكرنا سابقًا غير كافٍ ما لم يُعاد التحقيق بالمتسبب الرئيس في مثل هذه الحالات ـ وتحديد موعد الانتخابات المبكرة، أزال حملًا من كاهله وألقاه في مركب القوى السياسية.
اقرأ/ي أيضًا: بين "الصوريّة" و"الأبكر".. شبكة علاقات السلاح تهدد الانتخابات
تفاخر ـ والحديث عن الكاظمي ـ بإجراءاته السريعة ضد مرتكبي الجريمة، وهي، على بساطتها، جديدة. وكمن ينتقم من الجميع، وبعد استعراضه لنتائج التحقيق والضغوط التي يتعرض لها منذ جلس في منصبه، حَدَّد ـ بطريقة درامية بعض الشيء ـ موعدًا للانتخابات المبكرة التي طالب بها المتظاهرون في انتفاضة تشرين. نَقَل النقاش إلى الأحزاب التي أخذت تتسابق على موعد الانتخابات وتوزيع الصلاحيات وشرح الآليات الدستورية لحل مجلس النواب، وتأكيدها ـ القانوني ربما ـ بمسؤوليتها المباشرة عن إجراء الانتخابات المبكرة من بوابة حل البرلمان.
ترك الكاظمي صراخ المعترضين والمؤيدين، المستعجلين (حقًا أو مزايدةً) والمتأنين، وراح يتحدث عن شكل العاصمة بغداد وقضايا المتظاهرين وأحوال مدينة الناصرية، ودخل إلى خلية مساعدات لبنان بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت بوصفه أحد المشاركين مع أطراف دولية في حملة إغاثة بيروت.
قد تغفر الكتلُ له ذلك دون هجمات مرتدة سريعة، خاصةً وهو مكتوف اليد في مسألة الانتخابات تحديدًا للناحية العملية، رغم أننا دخلنا في لعبة الانتخابات المبكرة مبكرًا، وبإمكانها ـ أي الكتل ـ اللعب بورقة قانون الانتخابات والمماطلة بتشريعه دون ذرائع شتّى؛ لكن أجندة الكاظمي حملت زيارة الولايات المتحدة ولقاء رئيسها ترامب، وأصبح من الروتين اليومي استهداف الوجود الأمريكي الدبلوماسي والعسكري في العراق، إذ تصاعدت حدّة الهجمات على سفارة واشنطن والأرتال العسكرية التابعة لقوات التحالف، والمعسكرات المشتركة بين الأخيرة والقوات العراقية.
هي رسائل عاجلة يُراد لها أن تَدخل عنوةً حقيبة الكاظمي المتجهة نحو الولايات المتحدة؛ لكنها رسائلَ مزعجة تقتحم أجندته رغم نكرانه حملَها، وتعرقل طريق حكومته في ترتيب الأوراق، اجتماعيًا، واقتصاديًا، وصحيًا، وأمنيًا، فضلًا عن عنوانها الرئيس: الصراع الخارجي في العراق.
تبدو القوى السياسية التي بدأت تتوجس من تحركات الكاظمي مرتاحةً لهذا الاضطراب المستمر الناتج عن الملفات المذكورة وقَلاقِلها، فازدياد شعبيته يقترن بالضرورة مع تهديدِه لنفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري.
بالتزامن مع تصاعد وتيرة استهداف القوات الأمريكية والتحالف الدولي، والتي وصلت إلى أربع أو خمس عمليات خلال ثمانٍ وأربعين ساعة فقط، واستمرت لأيام عبر صواريخ الكاتويشا والعبوات المتسلسلة، تتفاقم حدّة التظاهرات الفئوية المتعلقة بالبطالة والتعيينات لتزيد أحمالًا إضافية على مركبة الحكومة. ومع عدم توفر السيولة المالية واشتراطات صندوق النقد الدولي والتوجه نحو الاقتراض، قد تخرج هذه المركبة عن مسارها.
هنا مربط الفرس، فأجندة الكتل "السياسية البحتة" تتقاطع وتتشابك مع مسار الحكومة بعكس القوى البارزة عسكريًا، والتي لا تخشى من انفلات الأوضاع في البلاد. للناحية النظرية فقط، سيجر إسقاط الحكومة بفعلٍ جماهيريٍ أو ما شابه، مراكب القوى السياسية معه، وربما تتخيل القوى السياسية الموازية التي ترتكز على الوجود العسكري أنها بمنأى عن ذلك؛ لذا فأنها تُركّز على التصعيد، والتصعيد فحسب، حتى باتجاه/مع المتظاهرين (أعداء أمس) ضد الحكومة، دون حسابات دقيقة وشاملة لما يتعلق بالنظام.
بالإمكان أن تؤدي طريقة "الدق على الحديد" المتبعة من القوى المسلحة عبر العمليات العسكرية لإجبار الطرف الأمريكي ـ الحكومي على الخضوع لإرادتها، لانقلاب الحديد على المطرقة
إن قوة السلاح تعطي حامله المزيد من الاندفاع (Power) نحو الأهداف المصيرية إلى حدٍ يُضعف من أهمية الحسابات لما قد تخلّفه الوسائل من ارتدادات عنيفة على مستوى البلاد والمنطقة.
في الحديث عن الاحتمالات، بالإمكان أن تخرج التظاهرات الفئوية عن مسارها كما حصل في تشرين. بالإمكان أن تؤدي طريقة "الدق على الحديد" المتبعة من القوى المسلحة عبر العمليات العسكرية لإجبار الطرف الأمريكي ـ الحكومي على الخضوع لإرادتها، لانقلاب الحديد على المطرقة. بالإمكان ـ في بلاد المفاجئات ـ أن يؤدي حدثٌ من نوع ما إلى تكرار سيناريو بيروت، وظني أنه سيُحدِث ردّة انفجارية في العراق بطريقة الانفجار ذاته في لبنان وليس ردة الفعل الشعبية عليه. فاستقالة/إقالة الكاظمي على طريقة حسان دياب لن تحل المشكلة أو تُطفئ النار آنذاك.
اقرأ/ي أيضًا:
بعد تحديد موعد الانتخابات المبكرة.. ما هي سيناريوهات العمل السياسي للمحتجين؟