28-يونيو-2019

حمل السلاح وتجارته ليس مشكلة في محافظات الجنوب بقدر مشكلة تناول الخمر (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

قد يبدو الأمر غريبًا عند الحديث عن تأمين قنينة "بيرا" أو أجواء صناعة ليلة سمر في جنوب العراق، فكل شيء ممنوع تحت سطوة الحكومات المحلية والجهات المسيطرة بالرغم من كفالة الدستور للحريات الشخصية، حيث تمنع الحكومات المحلية في المحافظات بيع المشروبات الروحية، بالوقت الذي تشهد تلك المحافظات ارتفاعًا في المتاجرة بالمخدرات فضلًا عن الاستهلاك.

تمنع السلطات دخول المشروبات الروحية من خلال سلسلة إجراءات في السيطرات الخارجية وسط فوضى "قانونية" خاضعة لمزاج رجل الأمن، إذ أن القانون يسمح بالاستخدام الشخصي للخمور

 وتحاول السلطات الأمنية منع دخول المشروبات الروحية من خلال سلسلة إجراءات في السيطرات الخارجية وسط فوضى "قانونية" خاضعة لمزاج رجل الأمن، فالقانون العراقي يسمح بالاستخدام الشخصي فيما يمنع المتاجرة غير المجازة، في حين لا تمنح الدولة الإجازات، وبحسب مواطنين فأن "منتسبي الأجهزة الأمنية قد يسمحون بمرور الكميات الصغيرة وقد يمنعون ذلك"، فيما يعمد بعض رجال الأمن إلى "فضح وإهانة" من يمسكونه بكمّيات قليلة من الخمر أمام المارّة، حيث يقف الذي وُجد في سيارته قليل من الخمر في السيطرة وأمامه قناني الكحول وينظر الناس إليه وكأنه "إرهابيًا"، بينما يشكو شباب الجنوب من صعوبة الحصول على الخمر، بالإضافة إلى جلسات تناوله، بالوقت الذي يسافر كثيرون إلى العاصمة بغداد لقضاء ليلة "خمرية" آمنة، على حد وصفهم.

الرحلة إلى بغداد

تمثل العاصمة بغداد المصدر الرئيسي للكحول، وهي المكان الوحيد في البلاد عدا إقليم كردستان الذي تفتح فيه محلات بيع المشروبات الكحولية بشكل كبير، فيما يعترف عدد من التجار في المحافظات الجنوبية بـ"المتاجرة السرية" بالاعتماد على التهريب إلى محافظاتهم بعدّة طرق، ويتم البيع بذات الـ"السرية"، وتتعدّد آليات البيع والتوزيع حتى يستخدم بعضهم الـ"الدلفري" كما يقولون.

اقرأ/ي أيضًا: طريق الكحول إلى العراق.. تجارة تحكمها ميليشيات دينية وأحزاب سياسية

ويمتنع تاجر الكحول في أحدى محافظات وسط العراق، "ب، أ"، عن سرد تفاصيل دخول بضاعته من بغداد إلى المحافظة خوفًا من "انقطاع رزقه ومعرفة سر مهنته"، على حد تعبيره، فيما يشير في حديثه لـ"ألترا عراق" إلى أن "العملية لا تخلو من الخطورة لولا بعض التسهيلات التي توفرها "النقود"، بالإضافة إلى الابتكار والتطوير في إخفاء البضاعة، والصعوبة بالدرجة الأولى هي دخول البضاعة إلى أماكن الخزن التي نغيرها بمرور الوقت تحسبًا لأي مداهمة من القوات الأمنية في حالة تأخرنا في دفع الأموال التي يحدّدها مسؤول القاطع".

أضاف تاجر الكحول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن "سلسلة الاحتياطات التي نأخذها تؤثر على المبيعات، حيث نتعامل مع الثقاة ومن نعرفهم فقط، مبينًا "تردني اتصالات مختلفة، ولا أثق إلا بشخص واحد من بين خمسة، وهذا ما يدفعني إلى تغيير رقم هاتفي باستمرار، ويجب أن يكون الشخص المتصل مٌعرّفًا بالنسبة لي عن طريق شخص آخر"، لافتًا إلى أن "الخمر له جذور في المجتمع العراقي والمتاجرة به كانت مستمرة منذ زمن بعيد، مستدركًا "لكنها رهينة إجراءات السلطة، فيما تشهد المحافظات اليوم انتشار المخدارات، والتي تتنافى المتاجرة فيها مع المروءة والإنسانية لأنها تفتك بمن يتعاطاها وعوائلهم".

وبشأن العقوبات لمتاجري المشروبات الكحولية، يقول التاجر إن "صندوقي العرق والويسكي اللذين يحتويان كل منهما على 24 قنينة، وصندوق البيرة الذي يحتوي على 48 قنينة عقوبتها ثلاثة أشهر سجن، وما دون ذلك، فعقوبته شهر واحد"، لافتًا إلى أن "التكاليف المادية الإضافية في النقل والتسهيلات الأمنية هي من ترفع أسعار الكحول، فضلًا عن التأثير على تنوّع النوعيات والذي ينحسر في الرديئة للحصول على أرباح أكثر".

 في السياق، يقول "م خ" 23 سنة طالب جامعي إن "القيود التي تفرضها الحكومات المحلية هي محاولة لمسايرة المجتمع الذي ينطلق من التشريعات الدينية في التعامل مع الكحول، حيث يسجل الجميع ارتفاع مستوى الاستهلاك في المخدرات، والتجارب العالمية غنية في هذا الجانب، خاصة وإن هناك بلدان سمحت باستخدام نوع من المخدرات في محاولة لتدارك انتشارها"، مشيرًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، إلى أن "الإجراءات المتعبة لا تؤدي إلى تراجع نسبة متناولي الكحول، على العكس تدفعهم إلى المغامرة ومحاولة التجربة بظل وجود كبت مجتمعي على الحريات الشخصية، ومن الأفضل استنساخ تجربة محافظة الأنبار في السماح بفتح متجر لبيع المشروبات الكحولية بشكل أصولي وأمام أنظار الجميع وتحت حماية القوات الأمنية".

تاجر كحول في الجنوب: هناك عقوبات لمن يجدون عنده صناديق الخمر تصل إلى ثلاثة أشهر سجن وأقل فيما تشهد محافظاتنا انتشار المخدارات، والتي تتنافى المتاجرة فيها مع المروءة والإنسانية

أضاف الطالب الذي رفض الكشف عن اسمه، أن "الكثير من الشباب تدفعهم القيود المفروضة من القوات الأمنية للسفر إلى بغداد للترفيه والشرب بحرية أكبر، خاصة في مساء الخميس، ما يجعلهم تحت رحمة النصابين والمحتالين، فضلًا عن السخرية والمقالب التي تحصل لهم، حيث تزدحم النوادي الليلة بشباب المحافظات، وهذا ما معروف لدى الجميع إذ يحاول سكان العاصمة عدم الدخول بسبب الزحام والضجة".

جدل قانوني

بالوقت الذي تمتنع فيه الجهات الأمنية عن منح موافقات فتح محال بيع المشروبات الكحولية، لا يمنع القانون الاستخدام الشخصي من قبل المواطنين، لكن هذا السماح يظل رهينًا لمزاج منتسبي القوات الأمنية، بالإضافة إلى أن الكثير من المواطنين لا يخشون التبعات القانونية لمعرفتهم أن القاضي لا يعاقب على حيازة الكميات الصغيرة بقدر خشيتهم من النظرة المجتمعية عند ضبط الكحول في السيطرات الرئيسية والتشهير بهم أمام المارّة، سيما وأن المركبات تصطف بطابور طويل وبطيء عند التفتيش في مجتمع يخضع التقييم فيه للنظرة العشائرية والدينية.

اقرأ/ي أيضًا: خمر مجاني وفتيات: كم تدفع بارات بغداد وملاهيها للحشد والشرطة؟

في حديثه لـ"ألترا عراق"، يقول مصدر في إعلام شرطة واسط، إن "منع المتاجرة في المشروبات الروحية من قبل الحكومة المحلية لا يشمل كميات الاستخدام الشخصي، ما يجعل مصادرة المشروبات الشخصية من قبل القوات الأمنية في السيطرات هو تصرّف شخصي وغير مسؤول".

أضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلّق بوظيفته، أن "قيادة الشرطة تقف بالضد من هذه التصرفات الشخصية الخارجة عن السياقات القانونية المعمول بها في المحافظة، لافتًا إلى أنه "بإمكان أي مواطن أن يتعرّض لهذه الحالات الاتصال بقيادة الشرطة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين".

لكن رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة واسط صاحب الجليباوي قال إن "المحافظة تتمتع بخصوصية دينية وعشائرية تحتّم علينا منع المشروبات الكحولية بأي صيغة كانت سواء المتاجرة أو الاستخدام الشخصي".

أضاف الجليباوي في تصريح صحفي، أن "القوات الأمنية ضبطت كميات كبيرة من الخمور قادمة من بغداد باتجاه الجنوب، لافتًا إلى أنه "لا يوجد فرق بين المتاجرة والاستخدام الشخصي والقوات الأمنية تعمل على ضبط الخمر بغض النظر عن الكمية أو الغاية منها"، الأمر الذي يناقض ما يقوله المسؤولون عن احترام "الحريات الشخصية". 

إزاء ذلك يقول الشاب "م. ص" (27 سنة) إنه "في حال شيوع خبر شرب الشخص للخمر سيلازمه وصف "سكير" مدى حياته، والذي تترتب عليه آثار اجتماعية طوال حياته، ومن الشواهد قبل عامين بالتحديد تقدم شاب من الطبقة الوسطى لخطبة حبيبته، لكن أمتنع أهل البنت عن الموافقة لأنه يُشاع عنه شرب الخمر، دون التحقق من صحة الإشاعة".

أضاف "م. ص"، الذي يسكن أحد أقضية شمال محافظة واسط، أن "آلية توفير المشروب وترتيب جلسات سمر في القضاء لا يختلف كثيرًا عن باقي الأقضية والنواحي العراقية، مبينًا "يعاني شباب القضاء من صعوبة الحصول على المشروبات الكحولية، وأن كانت رديئة وتسبب بعض المشاكل الصحية، مستدركًا "لكنها غير متوفرة بسهولة، وتباع بأثمان باهضة بالنسبة للشباب الذين لا يمتلكون مصدر عيش ثابت".
لفت إلى أن "الشباب في القضاء يتجهون للأماكن النائية، مثل البساتين أو الأراضي الزراعية التي توجد في مناطق بعيدة عن المدينة أو الأماكن المهجورة، بالإضافة إلى ضفاف الأنهار، أي شيء لا يمر به الناس، ولا يمكن اكتشاف من يجلس به بسهولة، وعادةً ما يكون وقت جلوس الأصدقاء لتناول المشروبات الكحولية هو وقت الغروب، لينتهي مفعول المشروب قبل منتصف الليل ولا تظهر عليه أي آثار عند الرجوع إلى البيت".

رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة واسط صاحب الجليباوي: المحافظة تتمتع بخصوصية دينية وعشائرية تحتّم علينا منع المشروبات الكحولية بأي صيغة كانت سواء المتاجرة أو الاستخدام الشخصي

فيما يرى مراقبون أن منع الخمور بالرغم من كفالة الدستور للحريات الشخصية، هو يجري حتى تنتشر المخدرات في مناطق الجنوب وذلك بسبب هيمنة الكثير من الأحزاب التابعة إلى دول الجوار التي تدخل المخدرات إلى العراق، وقد أشار بعض السياسيين إلى هذه الحقيقة لكن دون أن يتخذ أي إجراء من قبل الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية.

كانت القوات الأمنية قد اعتقلت شخصًا يبيع مشروبات كحولية في قضاء العزيزية شمال محافظة واسط، حيث قال إعلام الشرطة في بيان تابعه "ألترا عراق"، أنه "تم القاء القبض على شخص يبيع مشروبات كحولية في محل لتصليح العجلات في قضاء العزيزية".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المشروبات الكحولية تصارع التقاليد والتطرّف في الموصل.. ما مصير "عرق بعشيقة"؟

من الترانزيت إلى الاستهلاك.. المخدّرات تتسلّل إلى حقائب طالبات العراق