19-مارس-2019

القوات الأمنية أطاحت بعصابة تبيع المخدرات قرب إحدى المدارس (ألترا عراق)

يكتنف الغموض تجارة المخدرات في العراق، وسط محاولاتٍ صحفية لتتبع مصادرها ونسبة تفشيها في المجتمع، فيما تكتفي المؤسسة الرسمية بتلميحات عن وجود نسبٍ بسيطة، لكن حديث رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، عن دخول المخدرات إلى العراق من الأرجنتين عبر مدينة عرسال اللبنانية، أكد أن العراق انتقل من طريق عبور للمخدرات بين الشرق والغرب إلى سوق تصريف، وترتفع نسبة التعاطي في محافظات جنوب العراق، حيث لم يقتصر الأمر على الشباب بل دخل النساء وخاصة المراهقات إلى دائرة الاستهلاك.

العراق.. من العبور إلى الاستهلاك

إن الحديث عن كميات كبيرة من المخدرات وشبكات تهريب وترويج بهذا المستوى يُعتبر أمرًا جديدًا على العراق، خاصة وأنه طوال السنوات الماضية كان طريق عبور، وسط طقس معتدل بين المهربين والقوات الأمنية. 

حديث عبد المهدي عن دخول المخدرات إلى العراق من الأرجنتين يؤكد أن العراق انتقل من طريق عبور المخدرات إلى سوق تصريف!

إزاء ذلك يقول مصدر، إن "استراتيجية تجار المخدرات في العراق مرت بعدة مراحل  حسب الظروف، حيث كان التجار يُبعدون العراق عن الاستهلاك من أجل عدم لفت انتباه القوات الأمنية والحفاظ عليه كخط نقل سالك بين الشرق والغرب"، لافتًا إلى أن "جهات متنفذة كانت تؤمّن عبور كمّيات كبيرة من المخدرات، فيما عملت ذات الجهات على تحويل مناطق نفوذها إلى مناطق استهلاك، وصنعت بيئة مناسبة من خلال فرض القيود على المشروبات الروحية".

اقرأ/ي أيضًا: المخدرات من الأرجنتين!.. ماذا عن "ساهون" إيران؟: عبد المهدي يثير سخرية عارمة

أضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، لـ"ألترا عراق"، أن "ارتفاع نسب البطالة والفقر أدّى إلى نمو طبقة متعاطية بدأت في استخدام الحبوب التقليدية مثل الترامادول والفاليوم، ما أدى إلى تدفق كميات من "الحشيشة" التقليدية والتي لاقت رواجًا لرخص ثمنها وسهولة تعاطيها وتروجيها" مشيرًا إلى أن "المنافسة بين التجار تتخذ الآن شكلًا مغايرًا، حيث دخلت المخدرات المُنتجة مختبريًا مثل الكريستال والهيروين كمنافس قوي للمخدرات التقليدية، بالإضافة إلى منافذ الدخول وآليات الترويج والتوزيع وسط منع "غير قانوني" لتداول الخمور".

"كريستال" في حقائب المراهقات

وفقًا للمنظومة الاجتماعية في جنوب العراق تُعامل المرأة ضمن إطار محدّد يقلّل من فرص الاتصال بالغرباء ومن الاختلاط بالجنس الآخر، ما يبعدها عن المناطق الخطرة في خارطة العرف الاجتماعي، لكن هذا لم يمنع من وصول "المخدرات" إليهن.

ولم تتوقع نور هادي، مديرة ثانوية للبنات في جنوب العراق، وهي تقوم بجولتها الروتينية لتفتيش القاعات الدراسية وحقائب الطالبات بحثًا عن مساحيق تجميل وهواتف نقّالة، أن تعثر في حقيبة طالبتها المتفوقة على ما لم تشاهده من قبل، كيس صغير داخله حبيبات بيضاء، حاولت التعرف عليه ظنًا منها أنه ابتكار جديد في عالم التجميل، لكن زينب صاحبة الحقيبة انهارت باكية.

وتقول هادي، إنني "شعرت بالصدمة لحظة بكاء زينب، مبينة "حاولت تهدئتها وسحبها إلى الإدارة لاستطلع الأمر، مشيرة إلى أنه "لم اتخيّل أن تكون طالبة السادس العلمي المثابرة مدمنة منذ أشهر، مع مجموعة من زميلاتها، ومن خلال شبكة ترويج وتعاطي منتشرة في المدارس وكثيرًا ما تكون الكافتيريا هي المصدر".

مديرة ثانوية: لم اتخيّل أن تكون الطالبة المثابرة مدمنة مخدّرات مع مجموعة من زميلاتها منذ أشهر

أضافت هادي في حديثها لـ"ألترا عراق"، أن "زينب روت لي أنها تتعاطى الكريستال منذ فترة، حيث وصفته لها صديقتها كمثبط للتوتر والقلق ويساعد على تحسين المزاج، خاصّة وأنها تقرأ يوميًا لأكثر من 13 ساعة"، لافتةً إلى أنها "لم تكن الوحيدة في المدرسة فهناك أكثر من عشر طالبات من مجموعة 100 في السادس الاعدادي يتعاطين المخدرات".

اقرأ/ي أيضًا: عصابة تبيع مخدرات للتلاميذ قرب مدرسة في الحبانية!

تابعت هادي، أنه "عند الحديث مع صديقاتي المدرسات في عدد من مدارس المحافظة أخبرني أن الأمر ليس غريبًا وهنالك الكثير من الطالبات ضبطن وهن يتعاطين المخدرات"، مشيرةً إلى أن "ضبط الطالبات وهن يتعاطين يضع الإدارة في حيرة فكثير ما يرفض الأهل رواية أن تكون بنتهم مدمنة وأن إخبار الشرطة تترتب عليه آثار اجتماعية معقدة قد تؤدي إلى ضياع مستقبل الطالبة".

"فيسبوك" موزّعًا!

وبشأن آلية التوزيع والتواصل مع المروجين، يقول مهند وهو طالب مرحلة أخيرة في كلية الصيدلة، إنه "توجد صعوبة في الحصول على المادة المخدرة بسبب تخفي الموزعين، وصعوبة الوصول إليهم، فضلًا عن ملاحقة الأجهزة الأمنية لهم، لكن "فيسبوك"، أعطاهم مساحة آمنة في الترويح والتوصيل، مبينًا "يجري هذا من خلال جروبات لبيع الممنوعات، حيث يتم الاتفاق على النوع والسعر، ثم الاتفاق على التسليم عبر طريقة سرية مصحوبة بالحذر الشديد، وربما يتغيّر موعد التسليم مرّات عدة"، لافتًا إلى أن "غالبًا ما يكون التسليم في المقاهي والكوفي شوبات أو بعض الأماكن العامّة البعيدة عن الأعين، وخلال دقائق لتبادل البضاعة والأموال".

أضاف مهند في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الحصول على كمية من الكريستال في محافظة البصرة أسهل بكثير من تأمين قنينة ويسكي، فالقوات الأمنية تفرض إجراءات معقدة لمنع دخول المشروبات الروحية إلى المحافظة، حيث تُفتش المركبات في مدخل المحافظة بشكل دقيق وباستخدام الـ"كي 9" ، بالإضافة إلى حملاتها على البائعة المتخفين"، لافتًا إلى أن "الأمر لا يختلف كثيرًا في بقية المحافظات فيما تتاح في العاصمة بغداد".
أوضح مهند، أنه "بعد إدراكي أنني مدمن حاولت البحث عن طريقة للعلاج، لكن للأسف، لم أجد، حيث يوجد ضعف الإمكانات العلاجية المتوفرة في المحافظة وهي بدائية، فضلًا عن نظرة الاحتقار والإهمال للمدمن، دون البحث عن أسباب إدمانه، جعل الكثير لا يفكر في العلاج ويستمر على الإدمان، مشيرًا إلى أن "القانون يحاسب المتعاطي بدل محاولة علاجه، فيما تنتشر المخدرات بشكل واسع في السجون وبأسعار مضاعفة، فضلًا عن سجنهم بشكل جماعي مما يساعد على انتشارها بين السجناء".

فيما يرى الباحث الاجتماعي حسن العلي، أن "دولًا تمتلك إمكانات متقدمة على المستوى الأمني والاجتماعي فشلت في منع المخدرات، خاصة وأن التجّار يوصلون البضاعة من أي مكان ممكن ويعملون على إقامة الشبكات اللازمة، لكنها وضعت حلولًا خفّفت من انتشارها".

طالب: الحصول على "الكريستال" في البصرة أسهل بكثير من تأمين قنينة "ويسكي" حيث أن القوات الأمنية تفرض إجراءات معقدة على المشروبات الروحية على عكس "المخدرات" 

أضاف العلي في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الحكومة العراقية غير قادرة على تفكيك شبكات التوصيل، وعليها القيام بمعالجات للحد من انتشار هذه الآفة، كتقنين أنواع أقل خطورة مثل الماريجوانا كما فعلت بعض الولايات الأمريكية، بالإضافة إلى التوقف عن شن الحملات –غير القانونية - لملاحقة متاجر الكحول".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

العراق.. حرب النفط والمخدرات في البصرة

ارتفاع نسبة متعاطي المخدرات في كردستان.. هذا هو النوع الأخطر