28-فبراير-2019

نزاع طائفي جديد بسبب مراقد وعتبات الموصل القديمة (Getty)

تشكل المراقد والمساجد الدينية التي تعرضت لخراب جراء الحرب ضد تنظيم "داعش" في مدينة الموصل مشكلة حقيقية، تنذر بنزاع  بين الأوقاف الدينية، وسط دعوات من الموصليين لتجميدها في المرحلة الحالية، خوفًا من إذكاء صراع طائفي أو ديني جديد.

تثير المراقد والمساجد في الموصل القديمة خلافات كبيرة بين الوقفين السني والشيعي تنذر بصراع طائفي في المدينة المدمرة 

تضم الموصل آلاف المراقد والمساجد التي كانت جميعها تتبع إداريًا وزارة الأوقاف قبل عام 2003، ثم وزعت بعد ذلك على شكل طائفي أو ديني بين الأوقاف السني، الشيعي والمسيحي، مع خلافات خاصة بين الوقفين السني والشيعي بشأن تبعية العديد من المزارات والمساجد في المدينة.

عتبات الموصل القديمة.. صراع طائفي جديد!

آخر تلك الخلافات كشفت عنها كتب رسمية تبادلها الوقفان، خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث طالب الوقف الشيعي وفقًا لها، نظيره السني بإيقاف أعمال إعادة إعمار المراقد والمزارات الدينية في المدينة القديمة بالموصل، لحين حسم عائديتها، لكن بالمقابل فإن الوقف السني يؤكد أن عائدية جميع العتبات والمزارات والمساجد في الموصل القديمة له.

كتاب الوقف الشيعي في نينوى
رد الوقف السني في نينوى

أوقف الخلاف فعليًا أعمال صيانة المراكز الدينية في الموصل القديمة، وفق قرار من إدارة المحافظة بانتظار فك الالتباس بين الوقفين، ولقاء رئيس الوزراء بهما الأسبوع القادم، وفق ما كشفه الوقف السني لـ "الترا عراق".

اقرأ/ي أيضًا: هدمها "جنود البغدادي" ولن تعود.. معالم اختفت من نينوى

حيث قال أبو بكر كنعان، مسؤول الوقف السني في نينوى، إن "الوقف الشيعي أرسل كتبًا لنا بتواريخ بداية العام الجاري، تدعو إلى إيقاف أعمال الصيانة والإعمار لـ17 مسجدًا ومرقدًا، مدعيًا تبعيتها له"، مؤكدًا أن "الوقف السني في نينوى يمتلك وثائق وكتب وسندات توضح أن تلك الأملاك تعود لنا، وفعليًا خاطبنا الوقف بذلك، واجتمعنا مع المحافظ نوفل العاكوب ومجلس المحافظة في نينوى، التي أوقفت بدورها جميع أعمال الصيانة والإعمار بانتظار لقاء مع رئيس الوزراء، ومن ثم فك الالتباس بين الوقفين في المزارات والمساجد".

بين كنعان أيضًا، أن "جميع المزارات والمساجد الواقعة في المنطقة القديمة تعود للوقف السني، وحتى السكان الذين كانوا يترددون عليها هم من أهل السنة الذين يشكلون كامل سكان المنطقة القديمة، لذلك فأن الأمر فيه نوع من الالتباس، حيث لا توجد أي تبعية للوقف الشيعي هناك، وهذا الأمر منذ زمن النظام السابق حيث كانت جميع الأوقاف تعود لوزارة الأوقاف قبل حلها".

الشيعي يريد مرقد ابن الحنفية!

من جانبه رد ديوان الوقف الشيعي في بيان عممه لوسائل الإعلام، على اتهامات الوقف السني بـ "محاولته الاستيلاء على أملاك الغير دون وجه حق".

قال الوقف، إن "العقار 4/196 محلة النبي شيت يعود إلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية المنحلة، وغيرها من العقارات، غير محسومة العائدية، ومن حق الوقف الشيعي استئجارها أو استثمارها"، مؤكدًا "أصولية إجراءاته وقانونيتها".

بين الوقف، أن تلك الإجراءات جاءت "حسب الضوابط وبما يضمن مصلحة الوقف ويخدم أهلنا في محافظة نينوى عمومًا، ووفقا لتعليمات وقرارات مجلس الوزراء السارية لحين حسم هذه الأراضي والعقارات من قبل لجان العزل والتفكيك".

طالب الوقف الشيعي بإيقاف عمليات الإعمار التي يجريها نظيره السني للمراقد في المدينة القديمة بالموصل وتحديدًا مرقد الإمام علي الأصغر بن محمد الحنفية

وكان كتاب الوقف الشيعي، الصادر بتاريخ 10 كانون الثاني/ يناير، قد طالب الوقف السني بإيقاف أعمال الترميم في المزارات التابعة له، ثم أتبعه بكتاب في 18 شباط/فبراير يؤكد ما جاء في الكتاب الأول، ويدعو إلى عدم صيانة مرقد الإمام علي الأصغر بن محمد الحنيفة في محلة الجامع الكبير بالموصل القديمة غربي المدينة، بالتحديد.

فعليا، شهدت بعض مساجد مدينة الموصل، منذ نهاية الشهر الماضي، حركة إعمار، بعضها بأوامر من الوقف السني، لكن لم تظهر للعيان حركة مشابهة في المزار المذكور في كتاب الوقف الشيعي، أو مبان تعود لمزارات أو مراقد دينية ليست للوقف السني، ربما بسبب حجم الخراب وتداخل المباني فيما بعضها، بعد انهيار أجزاء كبيرة منها.

المنازل أهم.. أم المساجد؟

في هذا السياق يقول الناشط المدني الموصلي محمد عبد العزيز لـ "الترا عراق"، إن "الوقف السني ومتطوعين بدأوا، منذ انتهاء الحرب، حركةً لإعادة إعمار المساجد في المنطقة القديمة من الموصل، وهي المنطقة التي شهدت الدمار الأكبر، مقابل غياب مساعي وعمليات إعادة بناء المنازل المدمرة"، عادًا أن "الأولوية يجب أن تمنح لعمليات إعمار منازل المدنيين"، لضمان عودة سكان المدينة القديمة إليها، قبل الشروع بعمليات إعمار المراقد والعتبات الدينية.

أضاف عبدالعزيز، أن "الخلاف حول التبعية الذي يدور عقب إعمار المساجد، خطوة غير صحيحة تسبق عودة الحياة أصلًا، وتستهلك الموارد المالية للجهات الحكومية"، فيما رأى أن "الموضوع أخذ بعدًا طائفيًا وكاد يذكي نزاعًا بين الأوقاف، وهو ما قد ينعكس على الشارع في المحافظة الذي يتكون من خليط قومي وطائفي معقد".

أما رجل الدين سلام خالد فقال لـ "الترا عراق"، إن "عودة الآذان والأذكار هي رسالة بأن الحياة قد عادت، فأهلًا بالجميع، ويجب أن يؤخذ الأمر بصورة ثانية بالنسبة لسكان الموصل وحتى الأوقاف، فلا شيء يمكنه أن يعطل عجلة الحياة، أو يعيد الموصل إلى مظهر الخراب السابق".

تحذيرات من جر المدينة المنكوبة إلى صراع طائفي جديد بسبب الخلاف حول عائدية المراقد الدينية ودعوات إلى منح الأولوية لإعمار منازل المدنيين

واستغرب رجل الدين، من المعترضين على انفاق الأموال لإعادة إعمار المساجد والعتبات واعتبارها أمولًا "مهدورة"، مؤكدًا أن "تلك الأموال تأتي غالبًا، من متبرعين ولا تعود للدولة"، فيما رأى أن "تلك هي رغبة الناس، فلو أرادوا إعمار المنازل قبل المساجد لفعلوا"، على حد تعبيره.

اقرأ/ي أيضًا: قصّة "الجنس" مقابل الغذاء.. شهادة حية من مخيمات النزوح في نينوى

بين خالد أيضًا، أن "الناس يعلمون حقيقة أن إعمار المساجد هو ضربة لفكر داعش والمتطرفين، الذين كانوا يرفضون أي فكرة للتصوف والسير على نهج السلف الصالح، من المتصوفين الذين يدين الكثير من أهل الموصل بالولاء لهم"، منبهًا إلى أن "الكثير من أهل الموصل ينحدرون من نسل بيت الرسول ويدينون بالولاء لآل البيت".

ودعا رجل الدين الموصلي، إلى "وقف الخلافات بين الأوقاف حول تبعية المراكز الدينية، ودمج تلك الاوقاف بمؤسسة واحدة للحفاظ على النسيج الاجتماعي، ليس فقط في الموصل ونينوى بل في عموم العراق".

 

اقرأ/ي أيضًا:

خبز الموصل ورجالها.. صور تروي واقع المدينة المنكوبة بداية القرن الماضي

ماكدونالدز يهدد القلية.. علامات مزورة تغزو الموصل وتجني أرباحًا طائلة