25-فبراير-2019

منارة الحدباء في الموصل (AFP/Getty)

هي ليست فقط مزارات رجال صالحين ولا حتى أنبياء، وليست أماكن تراثية وتاريخية، ولا حتى مقابر وأسواق وحسب، لكن هي كل شيء من المدن التي كانت جزءًا لا يتجزأ من تاريخ العراق الطويل، فيها ملامح تعود إلى آلاف السنين، وملامح أخرى تعود إلى التاريخ الإسلامي، وأبنية تعود إلى بداية بناء الدولة العراقية الحديثة، إلى حد اجتياح تنظيم داعش لنينوى، حينها تغيّرت هذه الملامح لتكون ترابًا فوقه تراب بفعل التهديم المتعمد وما بعده القصف والإهمال.

في نينوى معالم آشورية وإسلامية تعود إلى آلاف السنين هُدمت ولم يبق منها إلا ذكريات وصور هنا وهناك

تحوّلت بعض ملامح المدينة وأنماطها التراثية إلى شوارع، وأخرى لم يتبق منها سوى الاطلال، القائمة تطول لتضم فنادق ومستشفيات وقناطر لمنازل تراثية ومبان ومكتبات ومتاحف ذهبت ولن تعود. 

اقرأ/ي أيضًا: خبز الموصل ورجالها.. صور تروي واقع المدينة المنكوبة بداية القرن الماضي

بعد أن فرض عناصر تنظيم "داعش" سلطتهم على الموصل، تدريجيًا وصلوا إلى العمران، وبدأت سلسلة التفجيرات والهدم والتجريف تتوالى عليه في صور ظهر بعضها بوسائل الإعلام في الوطن العربي والعالم.

أثناء هدم أحد عناصر داعش لما يعرف بالثور المجنح (تويتر)

أبرز ما تم جرفه كان المزارات الخاصّة بالأنبياء، ومعها أولياء وصالحين حسب المعتقدات المحلية التي يدين بها السكان، وبينها مزارات الأنبياء يونس وشيت وجرجيس، إضافة إلى قبر البنت وضريح زين العابدين بن علي، وأضرحة تعود للشبك والإيزديين والتركمان وسهل نينوى وسنجار وتلعفر.

وعلى مستوى الآثار دمر التنظيم عدّة بوابات تعود للعهد الآشوري، وتشكل بوابات سور نينوى التاريخي، وهي نركال والمسقى وادد وعين شمس، فيما شق السور وفتح "شارع الخلافة".

أما فيما يخص الأجزاء التراثية المعاصرة، قام بتغيير شكل سوق العتمة الذي سمي بهذا الاسم نسبة لعدم دخول الشمس إليه بسبب التسقيف الذي كان يغطيه ورفع تلك السقوف، فيما سقف سوق النبي المعروف بأنه سوق مفتوح من الأعلى، إضافة إلى تدمير القناطر القديمة والمنازل التراثية.

وعلى صعيد المتاحف، دمر التنظيم متحف نينوى الذي يضم الآثار الآشورية، ووصل الأمر إلى تدمير "لاماسو" الثور المجنح المشهور في نينوى والعالم بأسره، في حملة بعد شهر من سيطرته على الموصل في 2014.

دمر تنظيم داعش متحف نينوى الذي يضم الآثار الآشورية وقام بتدمير الثور المجنح أيضًا إضافة إلى تهديم البوابات التي تعود للعهد الآشوري

لم يكتف التنظيم بالأماكن الثقافية والتاريخية والأسواق، وإنما تسبب بتدمير فندق نينوى الشهير بالجانب الأيمن والمجمع الطبي الذي يضم خمسة مستشفيات ومراكز دعم وتأهيل طبية، ومبنى البلدية الذي يطل على نهر دجلة ومبنى المحافظة، وتسبب بخراب حديقة الشهداء ومبنى الأورزدي بعد أن استخدمه كمنصة إعدام للمثليين.

اقرأ/ي أيضًا: التهريب والأتاوات في الموصل..هل هو الانهيار مجددًا؟

ولربما الحدث الذي هز مشاعر الموصليين والعراقيين كان تفجير منارة الحدباء التي وضعها اليونسكو على قائمة التراث العالمي المهدّد بالخطر، يصل عمر المنارة إلى تسعة قرون حين بناها نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري.

وبين جميع تلك الأماكن العمرانية التي تسبب التنظيم بتفجيرها تطرح تساؤلات عن إمكانية أن تعود تلك الأبنية إلى سابق عهدها، وماهي نسب نجاحها أصلًا، وكيف يمكن أن ترتدي الأماكن حلتها الجديدة، وليس فيها حجر من التاريخ أو حتى تلك التي أصبحت شارعًا يمر الناس خلاله، مسافة ساعة كاملة، ويختصرها بدقائق.

ثلاث نقاط يمكنها إعادة جزء من المدمر

يقول عبدالستار الحبو، مدير المهندسين الأقدم في بلدية الموصل لـ"ألترا عراق"، إن "270 موقعًا أثريًا في نينوى قام التنظيم بتدميرها وتجريفها، إضافة إلى 12 ألف منزل تراثي، تضرّر 11 ألف منزل منها".

أضاف الحبو الذي كان يشغل منصب مدير بلدية الموصل في وقت التحرير، أن "كل تلك المباني يمكن إعادة أعمارها، ولكن المشكلة هي في الأموال والإدارة والتخطيط، وللأسف نحن نشاهد الآن عمليات تجريف تجري للمباني التي تضررت بشكل متوسط، وليس أعمارها بسبب أخطاء فعلية في إدارة الملف بعد التحرير".

"سوليدير الموصل"

تقول عضو مجلس النواب العراقي عن محافظة نينوى، ليال محمد علي لـ"ألترا عراق"، إن "هدف التنظيم كان محو كل الأماكن التي يمكن لنينوى أن تعتمد عليها في السياحة، أو الإفادة منها بالاستثمار، بعد أن يتم استعادة المحافظة منه، وحقيقة تم استعادة نينوى لكن لم تكن المحافظة كما كانت فوجهها الحقيقي تغيّر".

أضافت محمد علي، أنها "وضعت مقترحًا يضم تحويل الجزء التراثي الذي يعد واحدًا من أهم المناطق إلى منطقة استثمار شبيه بما أجري في بيروت بعد الحرب الأهلية، ويعرف الآن بـ"السوليدير"، مستدركة "لكن ليست هناك آذان صاغية لمثل تلك المشاريع، رغم أننا نعمل على ملف الاستثمار واستقطاب الاستثمار إلى المحافظة، ولكن لا يتم التعاون معنا على المستوى الحكومي".

موصليون: لا نستأمن أحد على ماضينا

يرى مواطنون موصليون، أن ليس بالإمكان إعادة ما دمر إلى ما كان عليه، حتى وأن صرفت الأموال الحكومية أو المنح الدولية، خاصة بعد وجود شواهد فعلية على ما قالوه، حيث يقول الناشط المدني يونس قيس لـ"ألترا عراق"، إن "التنظيم جرف ودمر، والحرب أنهت ما بدأه التنظيم من خلال تدمير المنازل التراثية والمكتبات والمزارات وكل شيء، مستدركًا "ولكن ليس هناك أية آمال بأن تعود المدينة لعهدها السابق، مرجعًا السبب إلى تعذر الحكومة بعدم وجود أموال.

وبيّن قيس، أنه "حتى إذا كانت هناك أموال، فلا توجد أياد أمينة تشرف على صرفها، مثل ما يجري مع مشروع إعادة أعمار المسجد النوري المعروف بالمنارة الحدباء، والذي منحت إحدى الدول أموالًا لإعادة أعماره منذ عدة أشهر ولم يبن أي حجر منه حتى الآن".

يعتقد الموصليون  أن آثارهم من الصعب أن تعاد خاصة في ظل الأعذار التي تطلقها الحكومة وعدم وجود أيادي أمينة لإعادة بنائها

لفت قيس إلى أنه "حتى الآثار التي عثر عليها في أسفل النبي يونس، بعد  تفجيره، تم إغلاق المنطقة وتركها، بينما كان من المفترض أن تلقى اهتمامًا أكبر ويتم فعليًا إخراجها وحفظها في مكان آمن في نينوى للإفادة منها، مبينًا أنه "لو سمح للناشطين والشباب المدنيين بالعمل على ذلك لتمكنوا من العمل على إعادة أعمار المدينة وآثارها وتراثها، أفضل من أن ينتهي كل شيء بمرور الزمن وكما نشهد الآن".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تحت الموصل القديمة.. هكذا تعامل جثث جنود البغدادي

قصّة "الجنس" مقابل الغذاء.. شهادة حية من مخيمات النزوح في نينوى