21-مارس-2022

تتوزع القرارات السياسية في العراق بين مخيالات طائفية وعرقية (فيسبوك)

لو سألت بعض الجماهير الشيعية الموالية لإيران عن موقفهم الواضح والصريح عن عملية القصف الصاروخي الأخيرة، سيجيب بشكل مباشر: لماذا لا تركزون على السيادة المخترقة من قبل المحتل الأمريكي وقد خرق السيادة يوم اغتال أحد الشخصيات الإيرانية والعراقية المهمة. ولو سألت بعض الجماهير السنية عن موقفهم الواضح والصريح عن عمليات القصف المستمرة للجيش التركي داخل الأراضي العراقية، سيجيب بشكل مباشر: إن خطورة تركيا لا تٌقرَن بالخطر الإيراني، وأن تركيا لا تتدخل بشكل سافر مثلما تتدخل إيران في الشأن السياسي العراقي، كما أنها لا تدعم فصائل مُسَلًّحَة تهدد السيادة العراقية، وتقوّض هيبة الدولة. ولو سألت الكرد عن موقفهم تجاه إسرائيل بشكل واضح وصريح، فمن المُرَجَّح أنهم سيتلعثمون، لكنّهم لا يتصرفون بنحو مماثل حول العدوان الإيراني السافر، أعني أنّهم سيجدون فسحة كافية للتنديد بالعدوان الإيراني.

العراق بلد محكوم بنخبة سياسية تتلعثم في تعريف الأمن الوطني والسيادة على أراضيه

ولو سألت القوى السياسية العراقية حول القصف الصاروخي الأخير، ستنقسم هذه القوى إلى مجموعتين: الأولى يصعب عليك فك طلاسم خطابها الاستكاري! فستغرقك بمجموعة من التعميمات التي لا تؤشر بوضوح على موقفها الصريح من إيران. أما المجموعة الثانية فستدين على استحياء وسرعان ما ينغلق الملف بلمح البصر أسوة بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء، كما لو أن هذه المواقف لا تختلف عن أي حادث سير مروري. ولو سألت الإيرانيين: لماذا لا تردون على الإسرائيليين بالقرب من مناطق نفوذهم؟ أفترض أن الرد سيأتي سريعًا، وهذا ما فعله أحد الإعلاميين الإيرانيين، أن العراق بلد لا يتمتع بالسيادة ومخترق من كل جوانبه. أي مثلما عبّر عنها الزميل "زيا وليد" بعنوان مقالته اللافت "الضربات على رأس إيران صواريخٌ في العراق". ويبدو أن القصف الصاروخي الإيراني جاء تتويجًا لهذه المزاعم.

اقرأ/ي أيضًا: الضرباتُ على رأس إيران صواريخٌ في العراق

يعلم الإيرانيون جيدًا أن الثأر لحادثة كرمنشاه بالقرب من مناطق نفوذ إسرائيل وروسيا سيغضب هؤلاء، وسيتعرضون لمزيد من الاستنزاف هناك، بل سيؤلمهم ويدميهم مثل هذا الموقف، فأيسر الأمور استعراض القوة على بلد لم يحسم أمر سيادته بعد. فغضب العراقيين أيسر حالًا بل لا يمكن أن يقاس بغضب الخصوم الحقيقيين، ذلك أن الضعيف لا مكان له في هذا العالم. ليس هذا فحسب بل أن العراق بلد محكوم بنخبة سياسية تتلعثم في تعريف الأمن الوطني والسيادة على أراضيه، ويتناول أبرز المفاهيم السياسية والأمنية ذات الحساسية الشديدة بطريقة عقائدية ساذجة. ماذا ننتظر من نخبة لم تزل حتى الآن تتخبط في تحديد هوية الدولة وتعاني من أكثر من مركز قرار، وتتوزع قرارتها السياسية بين مخيالات طائفية وعرقية، وينخرها الفساد السياسي والإداري، ولا توجد بينها شراكة حقيقية سوى بتوزيع المغانم، ولا توجد لها نوايا حقيقية ببناء نواة أمة مقتدرة يجمع بينها الوعي القومي المشترك، وأعني به وعي الوحدة؟

إنه لمن المحير والغريب أن تعلو صرخات الرأي العام العراقي حول مطالبته بردود جدية وحاسمة حول هذا الاختراق السافر للسيادة العراقية، بينما يأتي رد النخبة السياسية مُخَيّب للآمال.

وبالعودة للأسئلة أعلاه، ولو ربطناها بحصيلة الأجوبة الافتراضية التي أجبنا عليها، وقابلناها بالوقائع السياسية الراهنة، فسوف لا تكون هذه الأجوبة افتراضية على الإطلاق! بمعنى أننا سنخرج بخلاصة وافية وواقعية بتعريف يلقي الضوء على ما يحدث، وهو لا يوجد قرار سياسي موحد في الحكومة العراقية، ولا توجد هموم حقيقية على وحدة البلد، بل أن مفهوم السيادة يخضع لتفسيرات اعتباطية، تتشابك فيه تصورات مذهبية وعرقية عابرة للحدود كلٌ حسب مصلحته وسياقه التاريخي!

باعتباري "مواطن" عراقي يتحرّق شوقًا لوحدة بلده الوطنية، ويحلم بحلول واقعية لضمان أمنه وسيادته، أحلم ببناء ترسانة دفاعية صلبة، ومؤسسة عسكرية وطنية تمنع مثل هذه الاختراقات السافرة، لكنني تذكّرت قصة السور الصيني العظيم الذي كان يزعم الصينيون أنه خط دفاعي مهيب تجاه "البرابرة" لكنّهم اكتشفوا أن عظمة سور الصين لا تعوّض الروح الوطنية للفرد الصيني، ذلك أن حرّاس السور تعرضوا للرشوة. فالسيادة أولًا وآخرًا، وهذه لا تمنعها الحصون، بقدر ما تمنعها روح الانتماء المتأصّلة والمصير المشترك. ويبدو أن القائمين على الأمر لا يجمعهم هذا المصير. فلماذا لا تقصفنا إيران بجملة صواريخ بالستية انتقامًا لعناصرها الذين ضربهم العدو خارج أراضينا!

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

في السياسة: المتهم مذنب قبل إثبات إدانته!

أربعة حروب شيعية لتثبيت الحكم.. ما هي الخامسة؟