09-أبريل-2020

عبد المجيد الخوئي (فيسبوك)

في 10 نيسان/أبريل 2003، أي بعد أربع وعشرين ساعة على سقوط نظام صدام حسين، قُتل السيد عبد المجيد الخوئي، ابن المرجع الشيعي الأعلى السيد الخوئي على بعد أمتار من ضريح الإمام علي في النجف، كان هذا الحادث صادمًا للكثيرين، وكأنه كان إيذانًا بأن عهد الدم والعنف قد بدأ، أثار الحادث الكثير من التداعيات والأسئلة، سواء عن الدوافع أو المنفذ. وبالعودة إلى ما جرى في إيران قبل سنة من الاغتيال يمكن أن يضعنا في صورة ما جرى في النجف.

ما جرى للخوئي في النجف بعد يوم واحد على سقوط نظام صدام حسين هو نفسه الذي جرى له من المعارضة العراقية في قم قبل سقوط النظام

في الثامن من كانون الثاني/يناير 2002 جاء المرحوم عبد المجيد الخوئي من لندن إلى مدينة قم الإيرانية ليلتقي بالعراقيين في أهم مهجر من مهاجرهم الكثيرة، أُعلن عن محاضرة له في مسجد الإمام الرضا الواقع وسط سوق العراقيين "الگزر خان"، وبحكم سكني في تلك المدينة كنت حاضرًا في تلك المحاضرة، كانت الشواهد وحركة القوات الأمريكية على الأرض تشيران إلى أن الولايات المتحدة عازمة بشكل جاد هذه المرة على إسقاط نظام صدام حسين، لذلك كانت مدينتا قم وطهران باعتبارهما مراكز مهمة لقوى المعارضة الإسلامية الشيعية  تستضيفان شخصيات من المعارضة العراقية التي تعمل خارج إيران "موفق الربيعي، نجيب الصالحي، أحمد الجلبي"، وغيرهم زاروا قم وطهران والتقوا بالعراقيين فيهما. لم يسبق لعبد المجيد أن زار إيران سوى زيارة واحدة خاطفة، وهذا بسبب العلاقة السيئة بين الخميني والخوئي، لذلك كانت صورته لدى العراقيين لا تتعدى كونه ابن مرجع الشيعة الأعلى، ويدير مؤسسات مالية ودينية ضخمة ولا تربطه بمشاق عيش العراقيين في إيران أي رابطة. التصورات سلبية عنه لا شك.

اقرأ/ي أيضًا: ذكرى غزو العراق.. هل منحت واشنطن خامنئي ما لم يحلم به الخميني؟

اختار عبد المجيد أن تكون قم مكانًا لمحاضرته، التي بدأت عقب صلاتي المغرب والعشاء، دخل المسجد وهو يحمل تاريخ عائلته وثقل اسم أبيه على مسامع الشيعة، تحدث عن ما أسماه "المجلس الشيعي العراقي" وهي مؤسسة سياسية يدعو لتأسيسها، تستند على فكرة  العمل على إنهاء التاريخ الطويل في إقصاء الشيعة عن السلطة وإعادة حقوقهم في القرار وإدارة الدولة. كانت المسافة الفاصلة بين "صورة" أو حياة عبد المجيد الخوئي و"حياة" الجالسين أمامه في المحاضرة كبيرة إلى حد أن الحديث عن مظلومية الشيعة بما يحمل من عاطفة كبيرة لم يكن يقوى على التقريب بينهما، حياة المهجر في إيران ضيقة إلى حدود بالغة القسوة، لم تكن سوى عسر شديد منذ أول أيامها، لذلك كانت طريقة عيشهم وانسداد أفقهم كافية لتجعل من الغضب والانفعال هما المسيطران على الأرواح، أما عبد المجيد، فهو رجل يعيش في عالم آخر، عالم المال والجاه والعلاقات الواسعة.

كان أغلب الحاضرين في المسجد من الشباب، وهؤلاء كانوا المثال الأبرز لما يمكن أن يكون عليه العراقي حين يجد نفسه غاضبًا ومتهورًا، كانوا بلا أمل ولا حلم سوى الهروب من جحيم إيران، تحدث الخوئي عن دعمه للعراقيين في مخيمات اللجوء، وكان هذا كافيًا بنظر الشباب لتحويل مسار المحاضرة من اللغة والعقل إلى العنف والعضلات، قاعة الصلاة أصبحت ساحة  غضب، وقف الشباب وهتفوا ضد الخوئي واتهموه بالكذب في ادعاءه بدعم سكان المخيمات، وانهالوا عليه بالسباب والشتيمة، لم يسعفه اسم أبيه، ولا عمامته السوداء، انتهت المحاضرة بتدخل قوى الأمن الإيراني.

 ربما خرج الخوئي من المسجد وهو يلوم نفسه. لأنه اختار الحديث الخطأ، في المكان الخطأ،  فضلا عن ذلك فهو غير مدعوم من أي قوة سياسية في إيران، بل ربما كانت الحقيقة عكس ذلك تمامًا، فالقوى السياسية ترفضه وتشك بنواياه وتتوجس خيفة منه، فهو قادر على سحب البساط منها بحكم علاقاته الوطيدة مع بريطانيا وأميركا، وقادر على أن يكون الرقم الأول أو الأهم لما بعد سقوط صدام، فهو يعمل بمفرده، ويراهن على أمواله وسعة وتشعب علاقاته مع دول وحكومات لها دور عالمي، ولم يكن بحاجة لتنظيم سياسي أو لوسيلة إعلام، وقد يرى كل ذلك مضيعة للوقت والجهد، لا يقدمان له شيئًا على الأرض قد يخدمه في جعل نفسه في الصدارة، فاسمه يكفي، وعلاقاته تزيد من ثقته بنفسه. وحين اقتحم معقل العراقيين في إيران لم يكن يدري أنه ضرب عش دبابير الأحزاب، اعرف تمامًا أن الحاضرين في المسجد كان جلهم قد خاض غمار السياسة بطريقة وأخرى ومنهم من لا زال على انتماءه السياسي، ولم "يتقاعد" شأن أغلب العراقيين في إيران، لم يكن جمهور الخوئي مستقلًا، لذلك تعامل معه بقسوة واستهانة.  

كرر الخوئي المشهد مرة ثانية في محاولة منه لاستعادة كرامته ولإثبات أن حدث مسجد الإمام الرضا لا يعبر عن العراقيين في إيران، بل هو فعل قامت به "أقلية " فقط. اختار أن تكون محاضرته الثانية في "رابطة الكتاب والمثقفين العراقيين في إيران" راهن هذه المرة على صوت المثقف ووعيه ورغبته بالحوار وليس بالعراك، هل كان رهانه في محله؟ كان ما لاقاه في رابطة المثقفين يشبه تمامًا ما جرى في المسجد، فعل المثقفون ما فعله المتدينون، كلاهما استخدما الغضب نفسه، فما أن بدأ المحاضرة حتى انهال عليه كرسي بلاستك جاء من أقصى القاعة وسقط أمام المنصة، تبعه كرسي ثاني، وثالث، وسط صراخ الحاضرين بدا المشهد فوضويًا، تدخل رجال الأمن الإيرانيين بالطريقة الهادئة نفسها التي تدخلوا فيها في مسجد الإمام الرضا، وكنا قد شاهدنا سيارات الأمن الإيرانية تقف قرب مبنى الرابطة قبل أن ندخلها، كانوا أكثر خبرة منا في معرفة ردود فعل العراقيين، تحوطاتهم الأمنية كانت تكشف ذلك، انتهت المحاضرتين ولم تصل فكرة الخوئي في "المجلس الشيعي العراقي" للعراقيين. لكنهما كشفتا أن الرجل مغضوب عليه.

عاش عبد المجيد الخوئي في خيال الشباب كرجل ثري ويتنعم بأموال الشيعة من الخمس والهبات

ما جرى للخوئي في النجف بعد يوم واحد على سقوط نظام صدام هو نفسه الذي جرى له في قم، هناك رغبة ما بالانتقام منه، جرى رسم صورته بطريقة شيطانية تخلط بين الحقيقة والوهم، ولم يعمل هو على تحسينها أو "أنسنتها"، عاش في خيال الشباب كرجل ثري ويتنعم بأموال الشيعة من الخمس والهبات، كان يراهن على صورته لدى الحكومات وقادة الدول وعلى علاقاته بهما، لذلك لم يقو على مواجهة العراقيين حين وجدوا أنفسهم "أحرارًا" في الانتقام منه.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

التاسع من نيسان.. يوم بُعث الإرهاب

مركز أبحاث الجيش الأمريكي: إيران هي المنتصر الوحيد في حرب العراق!