نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرًا عن أخلاقيات التصوير في نقل معاناة الآخرين وما يطلق عليه بـ"عدوان الكاميرا"، والذي تحدثت عنه الناقدة الأمريكية سوزان سونتاج قبل وفاتها، وكتبت عن جريمة انتشار صور مُعتقلي أبو غريب وعدم مراعاة مشاعرهم، فيما سلّطت الضوء على الأسباب التي اختلقها البنتاغون لغزو العراق، وكيف أن الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن، يستغرب من بشاعة "الصور" في العراق، ولم يستغرب من الانتهاكات أو يكترث لها.
"ألترا عراق" ترجم هذا التقرير عن الصحيفة البريطانية، ننقله لكم دون تصرف في السطور أدناه:
شكّلت الناقدة الأمريكية سوزان سونتاج فهمنا لمكانة الكاميرا في الثقافة، والتي واصلت شحذها في الأيام الأخيرة قبل موتها بعد الغزو الأمريكي للعراق.
الجنود الأمريكان الذين ظهروا وهم يعذبون السجناء من العراق عن طريق ربطهم بالسلاسل على الجدران، يمكن القول إنهم كانوا يستمتعون بتعذيب العراقيين
"هناك عدوان ضمني في كل استخدام للكاميرا" .. سوزان سونتاج عام 1993.
في عام 2004، بدأت الناقدة سوزان سونتاج تكشف الصور المرعبة التي ظهرت من سجن "أبو غريب" في العراق. وكانت سوزان قد تلقت تشخيصًا لسرطان الدم في نهاية شهر آذار/ مارس من ذلك العام، عن عمر يناهز 71 عامًا، وبعد إصابتها بالسرطان مرتين من قبل، عرفت أن المعاناة التي قد تترتب على هذا المرض ستسمر سواء عالجتها أم لم تتم معالجتها.
كانت سوزان مثلها مثل معظم الناس في أنحاء العالم، تنظر إلى الصور التي خرجت من أبو غريب حيث كان هذا أحد سجون صدام حسين المعروفة، ومن ثم تحوّل تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية أثناء احتلال العراق.
أظهرت الصور الجنود الأمريكان وهم يعذبون السجناء من العراق عن طريق ربطهم بالسلاسل على الجدران، وإجبارهم على الظهور في مواقف مهينة عن طريق تعريتهم، ويمكن القول إن الجنود الأمريكيين كانوا يستمتعون بتعذيب العراقيين.
الصور التي نُشرت في ذلك الوقت لم تكن سرية، تم إرسالها إلى الأصدقاء عن طريق الجنود ونشروها على الإنترنت.
أداة جديدة بالنسبة للجميع في العراق في ذلك الوقت: هاتف محمول يضم كاميرا، هذه التكنولوجيا الحديثة.
بالعودة إلى بداية حياة سونتاج عندما كانت تبلغ من العمر 12 عامًا، في إحدى المكتبات في كاليفورنيا، صادفت صورًا لمحرقة اليهود، وقالت إنها اللحظة التي قسمت حياتها إلى قسمين منذ ذلك الحين، وفي كتاب تلو الآخر حاولت أن تفهم كيف أن الصور وخاصة صور المعاناة والحرب التي تعكس الواقع، وكيف تم تزويرها أو تحويلها إلى سلعة.
"هل كان من المناسب التقاط صور لمعاناة الآخرين؟"، وعندما ظهرت مثل هذه الصور هل كان من الغريب أن ننظر إليها؟"، هذا ما قالته سوزان.
حاول العديد من المسؤولين تغيير الحقائق حول "أبو غريب" حيث كتب الرئيس بوش أن "الخبر صدمه وشعر بالاشمئزاز من الصور"، كما لو أن الخطأ يكمن في الصور فقط، وليس في الانتهاكات نفسها!
فيما يتعلق بتعذيب الآخرين وطوال حياتها المهنية، أظهرت مخاطر تضليل الأشياء عن معناها الحقيقي.
بدأت حرب العراق باستعارات سيئة، وقالت كوندوليزا رايس، مستشارة الأمن القومي للرئيس جورج دبليو بوش "لا ينبغي أن نسمح لغياب الأدلة الدامغة بوجود أسلحة دمار شامل، بأن يعطي صدام فرصة الحصول على أسلحة نووية ونسمح بحدوث كارثة متمثلة بضربة نووية في هذه الحالة".
في إنجلترا، كان بداية "الملف الخادع" الذي أظهر أن العراق كان يخبئ أسلحة محظورة، على حد تعبير المستشار الرسمي لجورج دبليو بوش في بريطانيا، وبدأت الفترة التي سبقت الحرب في 2002.
تشير التقديرات إلى وفاة ما بين 465000 و 1.2 مليون عراقي في هذه الحرب، وحاول العديد من المسؤولين تغيير الحقائق حيث كتب الرئيس بوش أن "الخبر صدمه وشعر بالاشمئزاز من الصور"، كما كتبت سونتاج، كما لو أن الخطأ أو الرعب يكمن في الصور فقط، وليس في الانتهاكات نفسها.
أصبح أولئك المحتجزون في سجون الولايات المتحدة "معتقلين" وليس سجناء، لأن الأخيرة قد تشير إلى أنهم يتمتعون بالحقوق التي يمنحها القانون الدولي وقوانين جميع البلدان المتحضرة للمسجون.
هذه كانت الحرب العالمية على الإرهاب التي لا نهاية لها، والتي نفسها تم فيها الغزو المبرر تمامًا لأفغانستان والحماقة غير المرغوبة في العراق بموجب مرسوم صادر عن البنتاغون - والتي أدت إلى إضفاء طابع شيطاني على أي شخص ضدّ إدارة بوش وإضفاء الطابع الإنساني على بوش.
قالت سوزان هناك عدوان ضمني في كل استخدام للكاميرا في صور "أبو غريب" التي صنعها أشخاص سجلوا التعذيب وجميع الانتهاكات الأخرى
دخلت الكاميرا قبل سنوات، ووصفتها سوزان بأنها "سلاح مفترس" وقالت "هناك عدوان ضمني في كل استخدام للكاميرا في صور أبو غريب التي صنعها أشخاص سجلوا التعذيب وجميع الانتهاكات الأخرى".
جعلت الكاميرا جميع الأحداث حقيقية غير قابلة للتضليل بين الصورة والواقع، وهكذا كان لا بدّ من جعل الصورة سلاحًا إيجابيًا، وكتبت سوزان "الصور لن تختفي، هذه هي طبيعة العالم الرقمي الذي نعيش فيه.. في السابق كانت هناك كلمات فقط، من السهل التستر عليها، والآن في العصر الرقمي اللانهائي أسهل بكثير أن لا ننسى".
بعد وقت قصير من نشر المقال، وبعد وفاة سونتاج، أشعلت الصور جدلاً حادًا حيث كانت الأسئلة حول أخلاقيات التصوير الفوتوغرافي، وكيفية عدم مراعاة آلام الآخرين، ومنها جرائم الجيش الأمريكي أثناء غزو العراق.