17-فبراير-2019

في عزاء الأمير تحسين بك (فيسبوك)

في تاريخ 28 كانون الثاني/ يناير، توفي أمير الديانة الإيزيدية في العراق والعالم تحسين بك، بعد معاناة طويلة مع المرض. وقتها اعتقدنا نحن الإيزيديين، أن الأمر سيكون مقتصرًا علينا بالحزن والعزاء، وهي حالة تعنينا فقط دون الآخرين، لكن الحقيقة، أن وفاة الأمير تحسين بك اثبتت العكس، حيث أصبح الجميع معني به، ورأينا رسائل سلام متعدّدة بهذه المناسبة الأليمة علينا كعراقيين وايزيديين، وحتى في سوريا وتركيا كان العزاء مشرفًا.

الإيزيديون اعتقدوا أن العزاء بأميرهم سيكون مقتصرًا عليهم لكن الواقع أثبت العكس برسائل تضامنية مشرفة

الأمير تحسين بك رحل وجرى له عزاء يليق بمقامه كأمير ديانة تعد من أقدم الديانات في العراق والعالم، والتي كانت ضحية لعدد كبير من الإبادات، وخاصة من قبل التطرف الراديكالي الذي امتد من العثمانيين إلى داعش الذي حاول أن ينهي هذه الديانة "المعرّضة للانقراض".

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن نادية مراد الفائزة بنوبل للسلام 2018؟

كان عزاء الأمير تحسين بك في مدينة هانوفر الألمانية شهد حضور أكثر من 10 آلاف شخص على مدار ثلاثة أيام متتالية، وحضرته جهات تمثل عدّة ديانات وقوميات واثنيات مختلفة، جعلتنا نشعر بالأمان والسلام الذي يدعو إليه الدين الإيزيدي تجاه الآخرين، وجعلنا نعرف أننا لسنا مهمشين في هذا العالم ولو لمدة قصيرة أو مؤقتة.

استقبال الأمير في العراق من قبل رئيس جمهورية العراق، وممثل الحكومة العراقية، ورئيس حكومة إقليم كردستان، جعل الأمر أكثر أهمية بالنسبة لنا، لكن الأهم؛ كان استقبال الشعب العراقي لجنازة الأمير تحسين بك بشتى أطيافه وأديانه ومكوناته بطريقة يصح القول عليها إنها "ملكية"، أي جنازة أميرية بقيمة الأمير الراحل وشعبه.

المسلمون والمسيحيون وباقي الديانات، كان حضورهم إلى جنازة الأمير تحسين بك بقصر الإمارة في الشيخان، بالإضافة إلى إقامة مجالس عزاء في أماكن مختلفة من العالم، منها العاصمة العراقية بغداد، وأيضًا من قبل شيخ مشايخ الشمر في سوريا، وباقي الدول، ما هو إلا رسالة سلام للإيزيديين في كل العالم على أنهم ليسوا "مكروهين"، لا سيما بعد الجرح الذي تسبّبه الإرهاب الداعشي. هي رسائل حملت معانٍ تضامنية ووطنية، فضلًا عن أنها جعلت الإيزيدين أكثر ثقة في أنفسهم وفي من يجاورهم من الأديان والأعراق المختلفة في العراق.

يعبّر التضامن الذي حصل عن الدرس الذي تعلم الناس فيه من الأحداث والعذابات التي مرّت بالعراق والتي حمل أكثرها مشاريع "تقسيمية"

شرح التضامن الذي حصل حالة التعايش والتسامح الذي أخذه الناس من الأحداث والمآسي التي مرت علينا كعراقيين، حيث يعطي هذا التقارب في التعايش الديني والمذهبي والعرقي أمثلة حية بالإمكان أن ترسم لنا مستقبل زاهر إذا تحوّلت إلى إرادة سياسية وطنية. حيث يتجاور العربي مع الكردي، ويجلس الشيعي مع السني، والمسلم مع المسيحي والكاكائي والزرادشتي واليهودي العراقي في ضيافة الإيزيدي، يشاركونه أحزانه وآلامه بهذه البقعة التي لا خيار لنا فيها غير التعايش والسلام الضروري الدائم.

مع قدوم جنازة أمير الديانة الإيزيدية، كانت المساجد تكبر والكنائس تقرع أجراسها، الأمر الذي قل مثيله في الوقت الحالي بمنطقتنا، خاصة العراق، الذي لا يزال يعاني من آثار داعش والحروب الطائفية، وهذه إحدى الصور الجميلة التي أعقبت تلك الحروب، إذ لم ينجح الإرهاب في تنفيذ مخططاته وتخريب التعايش السلمي بين العراقيين.

لا عيش ولا استقرار إلا في وطن يحتوي الجميع ويحترم حقوق شعبه دون استثناء أو تمييز

صور التضامن والألفة هذه، نتمنى تكرارها بمناسبات مقبلة تكون سعيدة وليست حزينة، وتنتشل العراق من هذه الفروقات الطائفية التي صنعتها السياسة منذ 15 عامًا في مسار "التحاصص الطائفي" وسيطرة الأقوى فيه. ولا عيش ولا استقرار ولا أمان إلا في وطن يحتوي الجميع ويتساوى فيه الناس، ويحترم حقوق شعبه دون استثناء أو تمييز.  

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عراق "المحاصصة" الطائفية وسلطة ضد الدولة

كيف استغل بارزاني جنازة أمير الأيزيديين؟