23-مايو-2020

آخر هموم العراقيّ أن يتلقّى دعوة زواج للمثليين (فيسبوك)

وقد يكون فهم الثقافة واستيعابها من الخارج عملية بالغة الصعوبة.. فمن المهم، من ناحية أن يتحاشى الدارس تطبيق مقاييسه الثقافية على شعوب تعيش في  ظروف وسياقات مختلفة كل الاختلاف.. أنتوني غدنز-علم الاجتماع

مرّة أخرى يُنظر للثقافة المشرقية بقيم الحداثة الغربية، ومرة أخرى ننظر لذاتنا بعيون الغير! كما لو أن هويتنا الثقافية أضحت رهينة لنقاط مرجعية خارج بنيتنا الاجتماعية وسلّم أولوياتها، وبالطبع لا تندرج حقوق المثليين ضمن مكوّنات الثقافة المشرقية. وهذا ما تجاهلته سفارة الاتحاد الأوروبي لترفع راية المثليين فوق سفارتها في العراق! وهي بهذا تجاوزت كل حدود العقلانية والمنطق، وستعرّض من ترغب بحمايتهم إلى الخطر الوشيك. والخطر الوشيك لا أعني به فضح المثليين والتنمّر عليهم وإنما استباحة حياتهم! فحينئذٍ ستندد منظمات المجتمع المدني التابعة لحقوق الإنسان بمقتل المثلين، هذا كل شيء! وما أسهل أن ترى في العراق جثّة مرمية على الطريق بحجة تهديد السلم الأهلي أو الخروج عن جادة الحق، فلا يفصلنا عن تاريخ التصفيات سوى وقت قريب.

 لا يوجد تفسير لرفع علم المثليين في بغداد، سوى ميل واضح للتمركز الثقافي وتجاهل الخصوصيات المحلية التي تقع خارج منظومة قيم الحداثة

لا أتكلم هنا عن هوية شخصية وإنما عن هوية جماعية، فبالتالي يجب ان تفهم الثقافة بموجب دلالتها الخاصة لا بدلالات الثقافة الأوربية وتمركزها على نفسها؛ أن لا تسقط معاييرها الثقافية على واقع يخالفها في كثير من الظواهر، فلا يوجد تفسير لهذه الخطوة، التي تتسم بالخفة، سوى ميل واضح للتمركز الثقافي وتجاهل الخصوصيات المحلية التي تقع خارج منظومة قيم الحداثة. الهوية هي نظرة الناس لأنفسهم وما يعتقدون أنه مهم في حياتهم. ومن هذا الجانب تتشكل أولويات الهوية- كما يقول غدنز- وهي: الجنوسة (الاختلافات الجنسية)، والتوجه الجنسي، والمنطلقات الأثنية، والطبقات الاجتماعية. بمعنى، لكل مجتمع معاييره الخاصة عن هذا السلّم، وبالطبع ستكون له نظرته الخاصة عن الجنس والفوارق الجنسية وتحديد السمات البارزة بين الجنسين، وعلى هذا الأساس ينظم القانون السلوك المقبول لدى الجنسين طبقًا لمعايير الثقافة السائدة وسلّم أولوياتها. بكلمة أخرى: طبقًا لهويته الثقافية.

اقرأ/ي أيضًا: في سابقة أولى.. "علم المثليين" يُرفع رسميًا في بغداد

 فلا يوجد في ثقافتنا الزواج المثليّ، فهو يعد، طبقًا لثقافتنا، من الطبائع الشاذّة والفاجرة وخروج عن سير الفطرة البشرية، وآخر هموم العراقيّ أن يتلقّى دعوة زواج للمثليين! وما من شعب في الدنيا يخلو من هذه الظواهر، لكن عن شرعنتها نتكلم والنظر إليها كظاهرة طبيعية في مجتمع مثل المجتمع العراقي، كما لو أن بغداد تماثل باريس!

لا تحدث مثل هذه الطفرات في المجتمعات التقليدية إلّا من خلال تفتيت التشكيلات الاجتماعية السابقة، أي عبور نمط المجتمع التقليدي لكي تضعف التقاليد الموروثة عبر الأجيال، والتي درجت على التعامل بها وأصبحت من صميم هويتها الثقافية. فحينما يساهم معنا الغرب مساهمة حقيقية وصادقة في تشييد البنى التحتية للحداثة، وعلى رأسها طبعًا الدولة الحديثة، فحينذاك ستغدو هذه الأطروحات مثار جدل، أقول مثار جدل وليست اغتيالات! فعلى الأقل، وربما بعد خمسة قرون أو أكثر، يتقبّل العراقيون فكرة المثليين، أو على الأقل وضعها ضمن السياقات النظرية فقط. لكن لماذا هذه الخفة؟! وحدههم الأوربيون، وبهذا الأسلوب المُستفز يعلمون الجواب.

هذا ما أفهمه من صوت العقل والمنطق، فحينما تروج لفكرة تٌعتبر مشكلة اجتماعية تستفز القيم الثقافية ومعايير السلوك في مجتمع تقليدي مثل المجتمع العراقي، فهذا يعني إنك إما غبي أو تتغابى، أو تتعمد ذلك. وأنت بهذا تعطي مشروعية لمبدأ العقوبة الذي تستخدمه الجماعات حينما تشعر أن قيمها ومعايير سلوكها عرضة للتهديد. ومن ثم ليس عليك سوى إدراج العراق في قائمة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان!

 لو كنت صادقًا في نزوعك الإنساني هذا فعليك أن تساهم وتشارك العراقيين في دولة المؤسسات العصرية، فهذه الأخيرة كابدت الآم مروّعة وتجارب مريرة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. لا أن تقفز بهم عدة قرون عبر محاكاة سطحية وفارغة من مضمونها للمجتمعات الغربية، لكن لو جد الجد فستكون في المؤخرة! ماذا سيفعل الاتحاد الأوروبي لو ازداد عدد اغتيال المثليين؟ لاشيء طبعًا، لأن العذر موجود، فلجنة حقوق الإنسان ليست سلطة تنفيذية، وليست معنية بعدد الضحايا، اللهم إلّا الشعور بالأسى والقلق. لكن أليس من المفروض الأخذ بنظر الاعتبار البيئة الثقافية ومدى قابليتها على تقبل قيم جديدة تستفز الموروث الثقافي؟ من هذا غيره نفهم أنها محاولة  سخيفة وأبعد ما تكون عن الحكمة والمنطق.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

موجة غضب بعد رفع "علم المثليين" في بغداد.. وأول تعليق رسمي

العراق "ينذر" البعثات الدبلوماسية بعد رفع "علم المثليين" في بغداد