11-أبريل-2023
التقاط الصورة

تخطو التشريعات في العراق نحو تقييد الحريات وليس العكس  (Getty)

ساهم التطور التكنولوجي والتقنيات الحديثة المتسارعة في مجال  التواصل والتصوير والنشر إلى ازدياد مساحة التطفل على خصوصيات الأفراد، وجعل الحياة الشخصية مادة خصبة لهواة جمع المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المقابل، لم تواكب التشريعات هذا التطور في توفير الحماية القانونية لحق الإنسان في الخصوصية، بل ظلّت النصوص فقيرة متناثرة هنا وهناك، وتعالج عموميات لم تعد تناسب ازدياد صور انتهاك الخصوصية الآن.

يتم نشر صور المتهمين الأحداث أحيانًا وهم في مراكز التوقيف أو الاحتجاز رغم أن التشريعات تمنع هذا الأمر مطلقًا

وما نريد الحديث عنه في هذا المقال هو (الحق في الصورة) هذا الحق الذي أصبح انشغالًا مهمًا في مجالي العلوم الاجتماعية والقانونية، والذي اعتبر من الحقوق اللصيقة بشخصية الفرد، كالحق في الاسم واللقب، أي حق الفرد في أن يُترك وشأنه. الحق في الصورة يعني "حق الإنسان في عدم التقاط صورة له دون موافقته، وإمكانية رفض بث أو نشر هذه الصورة أو استغلالها دون أذنه والاعتراض على استخدام الصورة لأغراض دعائية أو إعلانية بهدف الترويج لسلع معينة". هذا الحق الذي يعطي لصاحبه سلطة منع الغير من نشر صورته. 

تناول المشرع العراقي الحق في الخصوصية في  المادة 17 من دستور2005 حيث تنص على أن "لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين والآداب العامة"، كما أشار ثانيًا إلى أن "حرمة المساكن مصونة ولا يجوز دخولها أو تفتيشها أو التعرض لها إلا بقرار قضائي ووفقًا للقانون".

ونجد أن المشرع  حدد صورًا لحق الخصوصية، وهي حرمة السكن وحرية المراسلات فقط، وهذه النصوص لا تعالج جريمة التقاط صورة للشخص دون إذنه ونشرها سواء في مكان عام أو خاص 
إذا كان بوضع لا يرغب برؤيته من قبل أي احد.

ونصت المادة (438) من قانون العقوبات على أن "يعاقب  بالحبس مدة لا تزيد على سنة_وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين". 

  • 1 – من نشر بإحدى طرق العلانية أخبارًا أو صورًا أو تعليقات تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد ولو كانت صحيحة إذا كان من شأن نشرها الإساءة إليهم.

بموجب هذه المادة، فإن التجريم يقع على سلوك النشر فقط، أما التقاط صورة أو التسجيل دون علم وموافقة صاحب الصورة، فلم يعالج هذا الأمر، بل أكثر من هذا، اشترط في المعاقبة على النشر أو قيد الصورة المحمية هو أن يكون النشر من شأنه أن يسبب إساءة إلى من تم نشر صورهم، وهذا يعني أن النشر من دون  إساءة إليهم لا يعتبر جريمة معاقب عليها، ولو كان النشر دون موافقة صريحة أو ضمنية من الذين تم نشر صورهم.

بسبب هذا النقص التشريعي من جانب ومخالفة النصوص القانونية أو التعليمات الموجودة أحيانًا حتى من قبل موظفي الدولة، صرنا نشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي صور المتهمين الأحداث، وهم في مراكز التوقيف أو الاحتجاز، رغم أن التشريعات تمنع بصورة مطلقة أن يُعلن عن اسم الحدث أو عنوانه أو تصويره، أو أي شيء يؤدي إلى معرفة هويته، لأن النشر يؤثر تأثيرًا كبيرًا على مستقبله ودفعه إلى الجنوح أكثر عندما يرى صورته انتشرت بشكل كبير، وهذا يعرقل عملية تأهيله وإعادته إلى المجتمع فردًا صالحًا. كذلك انتشرت دون ضابط أو أي أدنى مراعاة للكرامة الإنسانية صور ضحايا الجرائم، سواء كانت جرائم العنف الأسري أو جرائم الاغتصاب أو هتك العرض. فتستثمر الصفحات الالكترونية بمعاناة الضحايا لرفع نسب مشاهداتها بسبب غياب الرقابة وإهمال المعالجة، فضاعت حقوق الضحايا  في ألا يسمحوا برؤية مأساتهم معروضة في وسائل الإعلام. إذ أن الصورة تمثل أداة للعنف وتضخيم آثار الحوادث المؤلمة، ولم تسلم  جثث الضحايا لمختلف الحوادث من الانتهاك بالنشر. إنه سلوك مشين جدًا ومؤلم لذوي الضحايا، خاصة إذا كانت الجثة بوضع مهين أو مأساوي. 

بعد كل ماذكرناه، لا يفوتنا أن نعرض تصور البعض النابع في الحقيقة من الحاجة في التصوير دون إذن أو موافقة، كوسيلة لحماية أنفسهم وعوائلهم، عندما يواجهون أي اعتداء، فيوثقون هذا الاعتداء بالتسجيل والنشر. هذه الضرورة انتشرت في المجتمع نتيجة مشاركة الأعراف العشائرية للقانون في سيادته التي يفترض أن ينفرد بها! وانتقائية تطبيق القانون في أحيان أخرى. لكن هذا خلط في حقيقته، ومن السذاجة اعتباره سببًا لأن يبقى هذا الحق غير مقنن وعرضة للانتهاك باستمرار دون تنظيم، ففي الحالة الأولى نكون بصدد  حالة الدفاع الشرعي عن النفس، فيكون التصوير دون إذن وسيلة حماية لرد اعتداء، والدفاع الشرعي حق يبيحه القانون ويحرض عليه، أما الحق في موضوع المقال، فهو انتهاك الغير واعتداء عليه. 

تخطو التشريعات في العراق نحو تقييد الحريات وليس العكس 

والآن في وضع المنظومة التشريعية التي تفتقر إلى نصوص تعالج وتنظم استخدام هذا الحق وبيان صور الاعتداء عليه، كذلك الحال بالنسبة إلى قرارات المحاكم واجتهادات القضاء، يكمن الحل في رأينا في التفاتة بسيطة إلى نص المادة (438) وتعديلها، بحيث تشمل نشاط الالتقاط والتسجيل والنشر أيضًا، وتنظيم الحق في الصورة تدريجيًا، حيث تُصبح المادة بعد تعديلها: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين: من التقط أو سَجل أو نَشر بإحدى طرق العلانية أخبارًا أو صورًا أو تعليقات تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد في مكان خاص ولو كانت صحيحة بدون موافقة صاحبها). بعد هذه المعالجة نرى أن تُنفِذ وزراة الداخلية حملة لمكافحة المحتوى الذي ينتهك حقوق الآخرين على غرار الحملة التي شنتها لما سمي بـ"مكافحة المحتوى الهابط" الذي انتهكت فيه حريات الأفراد وإن كانت حملة بنوايا حسنة!

في النهاية؛ حقيقة أتمنى أن تتغير، وهي في الغالب تكون سمة تشريعاتنا أنها تخطو نحو تقييد الحريات والحقوق، وتبقى بلا حماية حقيقية.