24-يناير-2023

العراقيون خارج الحسابات (فيسبوك)

يتذرع الأمريكان هذه الأيام بالحفاظ على ثروة العراق المنهوبة، والتي تتمّ سرقتها في وضح النهار منذ سنين، عبر تهريب العملة الصعبة لخارج الحدود مقابل فواتير مزورة بحجة الاستيراد. علمًا أنّ الأمريكان، وفي هذا البلد المستباح، كانوا على علم بهذه العمليات المجنونة منذ سنين، ولم يحركوا ساكنًا في حينها، كون التوقيتات الأمريكية لم تكن متزامنة مع مؤشرات خطيرة تهدد مصلحة الولايات المتحدة. فمن هذه الناحية يبقى ملف تهريب العملة في ذمة التوقيتات المناسبة للأمريكان.

توقيتات القوى العظمى لا ترتبط بمصائر البلدان الهامشية ومصالحها الوطنية

أما اليوم فقد دخلت إيران على خط النار بشكل مباشر وخطير عبر تزويدها لروسيا بطائرات مسيرة ذات فاعلية كبيرة، ومن جملة العمليات العقابية المستمرة على إيران، أنه "اتضح" لصنّاع القرار الأمريكي مقدار الخروق الواسعة للجانب الإيراني، ومنها، مثلما يقول الأمريكان، تدفق الدولار الأمريكي من داخل الحدود العراقية ليصل بسلام إلى جيوب الإيرانيين وحلفائهم في المنطقة، حسب تعبير المسؤولين الأمريكيين. وعليه ينبغي اتخاذ إجراءات صارمة من خلال الضغط على الحكومة العراقية، عبر امتثال النظام المصرفي العراقي للائحة القوانين المصرفية للبنك الفيدرالي الأمريكي، ومنع تهريب العملة الذي يحدث أمام مرأى ومسمع الأمريكان منذ سنين كما ذكرنا. حتى أن قضية الاعتمادات المستندية المزورة لم تكن تلاقي صعوبة من قبل محترفيها؛ حيث تخرج الأموال المهربة، ثم تأتي فواتيرها بعد فترة طويلة ما يساعد على تسهيل إجراءات التزوير بشكل سلسل، بمعنى يمكن شراء كميات فارغة لقاء مبالغ ضخمة يذهب معظمها لغسيل الأموال.

على أي حال،  كل هذا وغيره كان يحصل بعلم الفيدرالي الأمريكي. لكن، مثلما قلنا، وهنا بيت القصيد، إن توقيتات القوى العظمى لا ترتبط بمصائر البلدان الهامشية ومصالحها الوطنية، خصوصًا البلدان ذات النخب السياسية الفاسدة، والمصرّة بعناد عجيب على إفراغ ثروات بلدانها بالنزاعات المحلية والحروب العبثية.

 وبالمثل، مثلما للقوى العظمى توقيتاتها الخاصة، فللنخب "السياسية" الفاسدة توقيتاتها أيضًا. إذ هي بكل تأكيد توقيتات خارج زمن العراقيين وأحوالهم المعيشية، ولا تراعي فيها مصير الناس ومستقبل الأجيال القادمة. يمكن لأي لص سياسي( شريطة أن يكون لصًا صغيرًا) أن يسرق أموالًا طائلة، ثم عبر تسويات وصفقات خفية يجري إرجاع بعض سرقاته مقابل إطلاق سراحه، فهو "أمين السر"، و"الدفّان" المحترف، والمأمون على ثروات "الكبار"، وبخلاف ذلك ما على هذا اللص الصغير سوى تحريك قطع الدموينو ليتساقط الجميع.

من يريد أن يغامر بهذه الطريقة الانتحارية؟ إذًا ينبغي أن تبقى "سلاسل التوريد" الخفية لسرقة ثروات البلد تجري بيسر وسهولة. ومن ثم ما على "السياسيين" من حرج أن يخرجوا ويتباكوا على الشعب العراقي وإدانة السياسات الأمريكية الجائرة، ومحاولتهم إيقاف عجلة التنمية في العراق.

ما الخلاصة النافعة للفرد العراقي أمام هذا الكابوس الجاثم؟ لا شيء سوى توقيتات دولية، كما ذكرنا، ينتظر فيها العراقيون بفارغ الصبر أن تشملهم الصدفة الكونية بواحدة من هذه التوقيتات، لكي تتزامن مع تحسين نوعية حياتهم. ومن حسن الصدف أن تزامن غضب الأمريكان على الإيرانيين مع ملف العملة المهربة. بتعبير أدق: كانت هذه السنوات الطويلة هي مرحلة لمراكمة الملفات وإخراجها من الجيب حسب التوقيت الأمريكي.

ما شأن الأمريكان بنهب ثروة العراق؟ لا شيء على الإطلاق، بيد أن ملف الدولار أُثير مؤخرًا على خلفية تورط الإيرانيين بالحرب الروسية الأوكرانية. يمكن أن يعطينا ملف التوقيتات تفسيرًا عامًا حول سكوت الأمريكان عن الطبقة السياسية الفاسدة وتراخيهم عن إثارة ملفات حساسة يمكنها أن تطيح بكبار المسؤولين، فكل شيء يعتمد على التوقيت المناسب الذي يخضع لرؤية صناع القرار للقوى العالمية المهيمنة. ربما ننتظر توقيتات أخرى تتزامن مع مصالح الأمن القومي الأمريكي لتُثار من خلاله ملفات الفساد الكبرى.

ملف الحرس الثوري الإيراني يخضع لنقاشات مطولة لإدراجه ضمن لائحة الأمريكان، وربما سيعرّض كل من يتعاطف معه للمساءلة القانونية، وتبدأ حرب الملفات من جديد، ثم تُعَنوَن لاحقًا لسواد عيون العراقيين الذين لم يحصلوا في هذه السنين العجاف سوى الانتخاب والموت.