08-يونيو-2018

تسبب الانفجار في مدينة الصدر بمقتل وإصابة العشرات (الأناضول)

سمع أهالي بغداد صوت انفجار مرعب في ليلة السابع من حزيران/ يونيو. معظمهم كانوا يقولون: هذا في منطقتنا، أو في المنطقة المحاذية لنا، بسبب شدّة الصوت وقوّته. تعوّد البغداديون على أصوات الانفجارات، وهي تحصد أرواح العشرات معها، وتترك أجسادًا مقطعة على إسفلت الشوارع في صيف العراق اللاهب. لكن الأنباء تعدّدت واختلفت بشأن هذا الانفجار، إلى أن توحدت الأقوال بأنه "كدس عتاد" كان مدفونًا في "حسينية"، ويحتوي على صواريخ ومواد متفجرة، كانت متروكة، وسط مدينة الصدر شرقي بغداد.

أسفر الانفجار في مدينة الصدر عن مقتل 18 شخصًا وإصابة أكثر من 90 آخرين، فيما تحوّلت بيوت كاملة إلى أنقاض

أسفر الانفجار عن مقتل 18 شخصًا وإصابة أكثر من 90 آخرين، فيما تحوّلت بيوت كاملة إلى أنقاض تخفي تحتها جثث القتلى والجرحى، كما وهُدمت أجزاء من مدرسة، مجاورة للحسينية التي كان السلاح مدفونًا داخلها، والذي يعود بحسب سكّان المنطقة لسرايا السلام، الفصيل المسلح، التابع لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر.

وتعتبر مدينة الصدر، المكتظة بالسكان، إحدى أكبر معاقل التيار الصدري في العراق. وتشهد أعمال عنف كثيرة، من هجمات إرهابية وسيارات مفخخة، لم تترك شوارعها وأسواقها منذ سقوط النظام البعثي في 2003.

سرايا السلام

تعتبر سرايا السلام، الفصيل المسلح، من أكبر الفصائل من ناحية العدد، والتي ساهمت في قتال داعش، نظرًا لكثرة أتباع مقتدى الصدر في العراق، خاصة في المناطق المتعددة التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش، أو المهددة منه، مثل سامراء، وغربي الثرثار وصحراء صلاح الدين باتجاه الأنبار. لكن ما يميزها عن باقي الفصائل، تنظيمها، وقربها من سنة العراق وباقي المكونات، إذ لا توجد علاقة طيّبة بين سنة العراق وفصائل الحشد الشعبي مثلًا، فضلًا عن غياب الوفاق والعلاقة غير المستقرة بين فصائل الحشد وقادته من جهة، ومقتدى الصدر من جهة أخرى، الذي وصفهم أكثر من مرة بـ"الميليشات الوقحة" نتيجة لتعدّد الانتهاكات التي حدثت مع أبناء المناطق المحرّرة، وكذلك لقربهم من إيران، كما يطالب الصدر باستقلالية القرار العراقي، ويدعو بشكل دائم إلى دمج العناصر المنضبطة من الحشد الشعبي في وزارتي الدفاع والداخلية. لكن الحشد يعارض هذا القرار ولم يقبل به لأسباب كثيرة.

اقرأ/ي أيضًا: معركة التكنوقراط في العراق.. المحاصصة توحد الأضداد

شكّلت سرايا السلام نقيضًا في سنوات القتال لهذه الميليشيات، من خلال علاقتها مع سنة المناطق المحررة، والذين وصلت ببعضهم الحال إلى أن يطالب ببقاء السرايا وعدم انسحابها من المناطق، فيما لو قرّر الصدر إبعاد عناصرها.

لكن السلاح الذي انفجر في مدينة الصدر مؤخرًا، والذي اتهمت به سرايا السلام، شكّل صدمة كبيرة لكل الذين كانوا يعقدون الآمال عليها، لكون زعيمها مقتدى الصدر يشدد على حصر السلاح في يد الدولة، ويبدي دائمًا استعداده لحل السرايا وتقديم سلاحها للجيش والشرطة، ويحاول الوقوف على مساحة واحدة من جميع المكوّنات العراقية.

تعتبر مدينة الصدر، المكتظة بالسكان، إحدى أكبر معاقل التيار الصدري في العراق

وشكك مراقبون بأن الحادثة كانت بفعل فاعل، خصوصًا وأن الأجواء العراقية تشهد صراعًا سياسيًا محمومًا بعد ظهور نتائج الانتخابات، وحصول تحالف سائرون، المدعوم من التيار الصدري على المرتبة الأولى بـ 54 مقعدًا، إضافة إلى أن التفجير زامن تفجيرًا آخر لـ"كدس عتاد" أيضَا في بحر النجف، تابع لكتائب الإمام علي.

لكن الكارثة الحقيقية، أنه لا يوجد أي مبرّر لإخفاء السلاح في المناطق الآمنة، والمكتظة بالسكان، سيّما وأن عدد سكان مدينة الصدر يربو عن الملايين، ومعظمهم من الفقراء والمسحوقين، والذين يسكنون في بيوت تصل مساحتها إلى 75 مترًا فقط، ويصل عدد الساكنين في هذه الأمتار القليلة إلى أكثر من 10 أشخاص. فضلًا عن وجود مناطق شاسعة يسيطر على أرضها المسلحون، كان من المفترض أن يضعوا سلاحهم هناك.

ووجه مقتدى الصدر، أتباعه بتشكيل لجنة تحقيق في ملابسات التفجير، فيما دعا أهالي المدينة لتفويت الفرصة على الأعداء. الأمر الذي عدّه الناس غير كافٍ، ولا يليق بحجم الأزمة وما سبّبته من ضحايا ومصابين، وبيوت مهدمة، وشوارع لا تزال بقع الدماء لاصقة فيها.

قصّة السلاح المنفلت

بدأ نجم الفصائل المسلحة يبرز بوضوح بعد 13 حزيران/يونيو 2014 بفتوى من المرجع الديني في النجف، علي السيستاني، والتي أسماها بـ"الجهاد الكفائي" في قتال داعش، إثر سقوط الموصل ومعها بعض المحافظات على أيدي التنظيم. وتُحصي بعض التقديرات أعداد الفصائل المسلحة بأنها تصل إلى 70 فصيلًا، كما تشير إلى أن عدد مقاتليها النظاميين يصل إلى 130 ألفًا.

تمتلك هذه الفصائل سلاحًا هائلًا يوازي السلاح الذي تمتلكه الدولة، ولم تخف بعض الفصائل في تصريحاتها بأنها "مدعومة من إيران في سلاحها"، وأن الأخيرة ساعدتها في الكثير من الأمور. لكن بعد انتهاء المعركة وانتصار العراق على داعش في كانون الأول/ديسمبر 2017، كان يفترض بحسب مراقبين حل الفتوى والحشد، من خلال دمج عناصره بالمؤسسة العسكرية الرسمية، لاحتواء طاقته القتالية التي تنامت بعد القتال المستمر مع تنظيم داعش. لكن مجلس النواب العراقي، أقر قانونًا في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 يقضي باعتبار الحشد الشعبي كيانًا قانونيًا بوصفه قوات رديفة ومساندة للقوات الأمنية العراقية، ثم لحقه بقانون آخر أصدره رئيس الوزراء، حيدر العبادي، في 9 آذار/مارس 2018، وهو مرسوم يقضي بحصول أفراد الحشد الشعبي على كل الحقوق والامتيازات التي يتمتّع بها أفراد المؤسسة العسكرية في العراق، وهو يعتبر إعلان رفض لمقتدى الصدر الذي كان يؤكد بشكل دائم على دمج الحشد الشعبي بالمؤسسات الرسمية.

سلاح الحشد الشعبي الآن مؤطر ضمن إطار قانوني، وهي قوانين يعدها مراقبون شرعنة لـ"السلاح الخارجي" لكون بعض فصائل الحشد، مدعومة من إيران، وتتمتع بعلاقة خاصة وجيدة معها، ولا تخفي هذه العلاقة أو تنأى عنها. ما يشير إلى صعوبة أن تنفذ الدولة إرادتها في حصر السلاح بمؤسساتها فقط، إضافة إلى أن أجنحة سياسية تكونت في البرلمان العراقي لهذه الفصائل.

ليست هذه المرة الأولى التي ينفجر فيها كدس عتاد في بغداد، تابع للفصائل المسلحة، والتي لا تحتاجه في منطقة مثل بغداد. ففي أيلول/ سبتمبر 2016، وقع تفجير شبيه، في منطقة العبيدي القريبة من مدينة الصدر أيضًا، حيث انفجر كدس للعتاد يعود لإحدى فصائل "الحشد الشعبي"، أسفر عن سقوط ضحايا وأضرار جسيمة في ثماني مناطق محيطة. فضلًا عن السيارات العسكرية التابعة لهذه الفصائل، والتي تنتشر في شوارع بغداد بشكل مستمر، ما يثير انتقادات كثيرة من متابعين، يعتبرون أن انتشار السيارات العسكرية ينبغي أن يكون محصورًا بوزارتي الدفاع والداخلية فقط، ومكان سيارات الفصائل هي في جبهات القتال فقط، لكن لا أحد يستطيع ردع هذه القوى المسلحة، ولا يستطيع المواطنون أن يسجلوا اعتراضهم عليها، لكونها تمس أمنهم اليومي، وقد تجلى الأمر عند حدوث انفجار مدينة الصدر، حيث لم يستطيع المواطنون المتضررون من الكدس إبداء آرائهم بحرية عند لقاء القنوات الفضائية معهم، والإشارة إلى مالك السلاح الحقيقي، إضافة إلى ظروف موضوعية وتاريخية كثيرة جعلت من منظر السلاح في المدن أمرًا طبيعيًا رغم آثاره الخطيرة والكارثية على كل المستويات.

سلاح العشائر

تسمع الإطلاقات النارية وأصوات الأسلحة الثقيلة بين فترة وأخرى في مدينة الصدر، وهي صراعات عشائرية يقتل فيها العشرات أحيانًا، والدولة غير قادرة على التدخّل في كثير من الأوقات لحل هذه النزاعات، وإنهائها بشكل يضمن سلامة المواطنين وأمنهم واستقرارهم في بيوتهم، وتبقى مفتوحة حتى حصول هدنة بين العشائر، أو اتفاق على وقف إطلاق النار!

اقرأ/ي أيضًا: آفاق حراك الصدريين.. فسحة لبناء عراق مدني!

لا يقتصر الأمر على المعارك العشائرية، دائمة الحدوث، فعندما يموت أحد شيوخ العشائر أو الوجهاء في هذه المناطق، تبدأ حفلة من إطلاق النار وفي شتى الأسلحة أثناء تشييعه، ما يؤدي إلى سقوط هذه الإطلاقات على رؤوس أهالي مدينة الصدر، نساء وأطفال وشيوخ وشباب، ويكون هنا القاتل مجهول، فالعشرات يطلقون النار حزنًا على المتوفى.

سوق السلاح في "مريدي"

مثلما يجلس بائعو الملابس وأصحاب المحال التجارية والمطاعم المشهورة، يجلس بائعو الأسلحة في سوق "مريدي" في مدينة الصدر أمام أكوام الأسلحة التي يعرضونها للبيع، وتصل إلى قذائف الهاون والقنابل اليدوية، ومختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وبحماية بعض المتنفذين. وقد حاولت الحكومة العراقية منع هذا البيع، ودخلت إلى السوق بقوة كبيرة لتفتيشه، لكنهم يعودون خفية ليمارسوا تجارتهم في بيع الأسلحة التي تتزود بها العشائر وبعض الفصائل.

سلاح الحشد الشعبي الآن مؤطر ضمن إطار قانوني، وهي قوانين يعدها مراقبون شرعنة لـ"السلاح الخارجي" 

يقف بائعو الأسلحة ويمر عبرهم الأطفال، كما يمر الشباب، من ذوي الأعمار المراهقة، والذين يتخوف البعض أنهم فيما لو مروا في خلاف معيّن سيلجأون إلى شراء هذه الأسلحة ويحاولون تفريغ طاقاتهم المخزونة، وهو جزء من الإفرازات الأخرى الخطيرة على مستوى العلاقة بين الفرد والدولة بشكل عام، والعلاقة بين أفراد المجتمع ككل.

مدينة الصدر.. صورة السلاح المنفلت

تبقى مدينة الصدر التي تعاني من جرح عميق بسبب الانفجار الأخير، صورة مؤلمة تعبر عن فوضى السلاح في العراق وانفلاته، واستخدامه السيء وسط الناس المدنيين، وعدم حصره بيد الدولة فقط. ولا يدرك بعض سكّان هذه المدينة وأتباع الأحزاب فيها، كما يرى متابعون، أنه لن يتحقق أي استقرار وأمان إذا لم يتحول هذا السلاح كله إلى الدولة، التي من حقها أن تحتكر "وسائل العنف الشرعي" كما هو معروف في الاصطلاح السياسي.

ويرى متابعون للشأن السياسي العراقي، أن مقتدى الصدر الآن مطالب بموقف جاد بعد الحادثة الأخيرة، خصوصًا وأنه عرف بمواقفه الداعمة لسلطة الدولة، ورئيس الوزراء حيدر العبادي أيضًا، مطالب بذات الموقف، فالحادثة الأخيرة ينبغي أن تكون فاتحة للعمل على إنهاء السلاح والعمل جديًا على تثبيت سلطة الدولة، وإلا فإن سجل الضحايا سيبقى مفتوحًا ما دام الكل يمتلك السلاح والكل قادر على استخدامه بشتى الطرق المتاحة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

احتمالات مقتدى الصدر الشاسعة.. هدم جدار المنطقة الخضراء أم الاعتصام أمامه؟

رهان التيار الصدري في العراق.. "سائرون" في غير طريق السعودية وإيران؟