09-أكتوبر-2020

أعادت احتجاجات تشرين الأمل للجيل الجديد (Getty)

يتفرّعُ عن شجرة الطائفية في كلّ عام غصن جديد لتعليق أرجوحة جديدة لتسلية الأفكار والآراء، ومن يدفع هذه الأراجيح ويهزّها باستمرار هم أصحاب السلطة المتسببة بالفساد والخراب الراهن.

يبحث الخطاب الإعلامي السلطوي عن فئة شبابية يستهجنها الوعيُ الاجتماعي العربي والديني لينسحب هذا الاستهجان على المظاهرات كلّها

لعلَّ الأرجوحة الجديدة هذه كانت جاهزة منذ سنوات، ولكن ما كان ثمّة غصن جديد لتُعلَّق منه، وما كان ثمة أحد يُجلِس عليها الأفكار والعواطف ويهزّها ويدفع بها، إلا بعد أن توسع نطاق حركة الاحتجاج منذ تشرين 2019.

اقرأ/ي أيضًا: انتفاضة تشرين: الموت من أجل الحياة

بعد أن أشبع الخطابُ الطائفي الرأيَ العام بالاختلاف الديني والمذهبي نجده منذ فترة قد وضع المكبّرة والمجهر على اختلاف المَظهر والملبَس ونمط الحياة لدى فئة من (الأفراد /المواطنين/ النّاس). وكأن به يريد أن يخلق في الوعي الاجتماعي عنصريةً جديدة مشابهة لنظام الأبارتايد. عنصرية لا تستند لمفهوم العرق ولون البشرة بقدر ما تستند إلى اختلاف نمط العيش والمظهر.

 ما معنى أن يعيش الفرد مختلفًا عن الصورة المألوفة في المجتمع الواحد. وما معنى اختلاف طبيعة توجهات الفرد وأفكاره واهتماماته عن النمط المألوف؟

الفرد المختلف في مظهره ونمط عيشه وعقائده لا يخرج عن ثلاث حالات:

  • 1. إما أنه يؤمن بعقيدة أخرى، وفي مثل هذه الحالة لا يحق لنا محاسبته، ما لم يتطاول على حريّات الآخرين.
  • 2. أو أن مظهره الشاذ وغرابة أطواره وأفكاره الجديدة المختلفة عن الآخرين هو الصحيح، والمشكلة في سائر أفراد المجتمع. (مثل الأنبياء في المجتمعات المتخلفة). 
  • 3 . أو أن تنشأته لم تكن صحيحة، ولاقى إهمالًا كبيرًا من لدن المجتمع (بدءًا من الأسرة، ومرورًا بالنظام التعليمي مع غياب الجهات التي تعرّفه على هويته الاجتماعية والوطنية الصحيحة). 

أرى أن الأعم الأغلب من الحالات المغايرة للنمط الاجتماعي في العراق بين الجيل الجديد هي من الفئة الثالثة. ولكن النظام السياسي وجهازه الإعلامي بدلًا عن الاعتناء بهذه الفئة يشهر خطابه الطائفي ليوظف أدبيات دينية ومذهبية ويستثمر مظهر هؤلاء ونمط عيشهم لبث المزيد من الكراهية بين الفئات الاجتماعية، لأنَّ هؤلاء الشباب انضمّوا إلى صفوف المظاهرات! ولمّا كان الوعي الاجتماعي العراقي بهويته العربية والإسلامية لا يستسيغ حضور هذه الفئة الشبابية في الشارع فلا شكّ أنه سيرفض حضوره أيضًا في المظاهرات وفي أي نشاط اجتماعي واحتجاجي وديني وسياسي. ولأنَّ حضور العلماء والمثقفين والأستاذ الجامعي ورجال الدين والموظف الحكومي والكاسب والتاجر والطالب المدرسي والجامعي في صفوف المظاهرات لا يمكن رفضه بسهولة، لذا يبحث الخطاب الإعلامي السلطوي عن فئة شبابية يستهجنها الوعيُ الاجتماعي العربي والديني لينسحب هذا الاستهجان على المظاهرات كلّها، وبالتالي يُحسَب عالم الدين والمثقف وكلّ مواطن مشارك في المظاهرات ضمن فئة هؤلاء الشباب المختلفين.

ولكنَّ العقل المتجرد من الخطاب الطائفي والسلطوي حين يرى شبابًا مختلفين في الملبس والتفكير والاهتمامات، قبل أن يلومهم ويسخر منهم يوجّه اللومَ والسؤال للنظام السياسي وللنظام الاجتماعي وللنظام الأسري وللخطاب الديني، ماذا قدّم لهؤلاء الشباب؟ ماذا قدم النظام التعليمي في العراق منذ 2003 للجيل الجديد؟ لماذا أصبح الجيل الجديد يجهل تاريخ بلده ويجهل دكتاتورية النظام البائد؟ أليس هؤلاء مخرجات النظام التعليمي والتربوي بعد 2003؟ لماذا تغلب على سلوكيات بعض الشباب نزعة العنف واللامبالاة، ولماذا تصدر عن بعضهم تصرفات غير مهذبة في الأسرة والمدرسة والجامعة؟ ما سبب حنقهم على كلّ من حولهم؟ من الذي خلق فيهم هذا التبرم والحنق والتشاؤم من المجتمع ومن بلدهم؟ لماذا نستغرب من وقوف هؤلاء في مقدمة حركة الاحتجاجات؟ أليست الاحتجاجات ضد الفساد والخراب الذي سلب كلّ شيء حتّى الأمل؟

 يصرف المجتمع العراقي الديني سنويًا ملايين الدنانير (إن لم يكن ملايين الدولارات) على الخطابة الدينية وعلى مجالس الوعظ، أين نتائج التوعية الدينية؟ عبارة يرددها الخيّرون من روّاد المجالس والمواكب الحسينية كثيرًا: (سفرة الحسين واسعة) ويمكن توسيع نطاق هذه الفكرة ونقول: باب الله مفتوح للجميع. إذا كانت مأدبة الحسين واسعة وسفينته أوسع وأسرع فلماذا لا نفسح مجالًا لهؤلاء؟ هل يسأل المتصدون للشأن التعليمي والتربوي والديني أنفسهم لماذا الجيل الجديد أصبح منسلخًا عن هويته العراقية والاجتماعية؟ أليس الحسين جزء من الهوية العراقية؟ لماذا الخطاب الطائفي يتجاهل مثل هذه الأسئلة؟

لعلَّ حركة الاحتجاجات منذ تشرين 2019 أعادت لهذه الفئة من الجيل الجديد شيئًا من الأمل، ولكنّها لم تكن كافية ما لم نحاسب أنفسنا ونحن في مواقع المسؤولية، سواء أكانت هذه المسؤولية أسرية أو اجتماعية أو دينية أو ثقافية أو سياسية.

شجرة الطائفية وأغصانها المتفرعة في العراق تسلّي آراء كلّ من لا يفكر ولا يتأمّل

إذا كنّا نلوم هؤلاء الشباب لخروجهم عن الهوية الإسلامية فلا شك أننا نلوهم ونرفضهم حرصًا منّا على الهوية الاجتماعية والاسلامية. ولكن من يحرص على الهوية الإسلامية عليه ألا ينسى قول النَّبي (ص): كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. إذا كنا نرى هؤلاء الشباب على خطأ فنحن مساهمون في ارتكابهم الخطأ لإخفاقنا في أداء هذه المسؤولية بسبب شجرة الطائفية وأغصانها المتفرعة وأراجيحها المتدلية منها التي تسلّي آراء كلّ من لا يفكر ولا يتأمّل.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الأجيال الجديدة: لحظة في وجه الذاكرة!

بـ"الدماء والغباء".. ذكرى احتجاج تحول لانتفاضة