16-أبريل-2020

ما يزال قانون العنف الأسري لم يقر للآن (Getty)

"كان والدي شديد القسوة، يرفض أن تكمل بناته تعلميهن، وهمه الوحيد أن يشتغلن معه في الأرض وألا يتجاوزن حدود القرية"، تقول مريم، معبرة عن حال كثير من الفتيات بعيدًا عن العاصمة.

يرفض الكثير من الآباء في المناطق البعيدة عن العاصمة أن يكمل الفتيات تعليمهن

عاشت مريم (26عامًا)، معلّمة لغة عربية، مع أسرتها في  منطقة اللطيفية، إحدى النواحي التابعة للعاصمة بغداد الواقعة على بعد 35 كيلو مترًا جنوبًا، تجني حقول المحاصيل الزراعية، وتقطفها مع والدتها، ولكن دفعتها مغامرة جارتها التي تغلبت على سيطرة والدها، واتجهت للعاصمة بغداد لتكمل دراستها الجامعية، وتمتهن المحاماة.

"يأمرنا ويحاسبنا بقسوة"

كان والد مريم يوزع عليهن المهام اليومية لإشغالهن عن دروسهن، وإعداد واجباتهن اليومية، ويأمرهن "بتمليس" الأواني الفخارية من أجل إعادة بيعها، بالإضافة إلى تنظيف حظيرة الغنم والبقر والرعي بالقطيع في الحقول، ومساعدة والدتهن في تربية الصغار.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة المرأة.. البداية من الأنظمة

تجهش بالبكاء، وتقول: "علاقتنا بوالدي كانت شبيهة بعلاقة العامل برب عمله، كان يحاسبنا على أتفه الأمور، ويُميّزُ بيننا وبين أشقائنا الذكور بسبب الصورة النمطية المكرسة عن المرأة في القرى المُحافظة"، تتنهّد مريم، وتكمل: "كنَّا لا نعرف شيئًا عن الدنيا، كنا نحسّ أن أنفسنا عالة عليها".

علاقة مريم بجارتها التي كانت تسافر للعاصمة بغداد لاستكمال تعليمها، دفع بها إلى إعادة التفكير في ظروفها، وجعلها تتمسّك باستكمال دراستها هي الأخرى، حيث توضح في حديثها لـ"ألترا عراق"، أنه "حصلت على البكالوريا بشق الأنفس، وسجلت في كلية التربية بمساعدة صديقتي وبخطة جرت بيننا، دون أن أُبلغ والدي لأنه كان سيمنعني بقوة، ورحلت دون أن أودعه ولا حتى أهلي".

تضيف مريم: "كل شيء في المدينة لا يشبه الحياة القاسية التي كنت أعيشها في قريتنا، حتى طريقة حديثهم تختلف عن طريقة حديثنا، حينها بدأت دوائر أحلامي تتسع تدريجيًا، بعد أن أصابني اليأس في وقت سابق، وظننت في وقت من الأوقات أنها غير قابلة للتجسيد، خاصة وأن شقيقتي الكبرى كانت تقنعني في كل مرة بأن ما أحلم به ضرب من الجنون، ويجب أن أتحلَّى بالعقل".

"أبي لم يبتسم لنا يومًا"

أما حنان، فتاة تعدت الثلاثين من العمر، من إحدى القرى بمحافظة ديالى (54 كيلو متر شمال العاصمة)، لم يكن والدها يسمح لها ولشقيقتها بالخروج بعيدًا عن القرية، منذ أن كانتا في العاشرة، حتى أنه رفض فكرة مواصلة تعليمهما، وكبرتا على الالتزام بالفروض الدينية.

  تروي حنان قصتها لـ"ألترا عراق": "لا أتذكر أيامًا وليالي ضحكنا فيها ولعبنا مع والدي، كانت ملامح الانفعال والغضب تسيطر دائمًا على وجهه، لا يتركنا نخطو خطوة واحدة خارج البيت، حتى لزيارة الجران، حرمني أنا وشقيقاتي الأربع من مواصلة تعليمنا، دون أن يبالي بطموحاتنا وأحلامنا".

وعن يومياتها، تقول: "كنا نقضي اليوم في الرعي، الزراعة في الحقول، الاعتناء بأشجار الفواكه وطهي الخبز في فرن من الطين، وبقينا على هذه الحالة إلى أن بلغت سنة العشرين، حينها تقدم شاب لخطبتي، فوافق والدي عليه دون يستشيرني، وعشت مع زوجي نفس الظروف التي عشتها مع والدي وإخوتي الرجال".

وكان زوج حنان مثل والدها، يتبنى نفس النظرة النمطية للمرأة، فكان يمنع عنها التلفاز، أو الإنترنت والهاتف، بالإضافة للتعنيف الجسدي والنفسي، حاولت أن تهرب ولكن محاولاتها لم تنجح، ثم عادت في النهاية تكمل حياتها مع أسرتها، كما تقول.

"فشل متكرر لمحاولات الهرب"

 أزهار، شابة أخرى في العشرينيات من عمرها، من محافظة الأنبار (43 كيلو مترًا غربًا عن العاصمة بغداد)، عانت من القيود التي فرضها عليها والدها، كان يمنعها من الخروج من المنزل، فيما يفرض عليها مهامًا منزلية شاقة، ولا يدعمها لا ماديًا ولا معنويًا، كما أنه عارض فكرة مواصلتها الدراسة بعد حصولها على شهادة البكالوريا، لدرجة أنها فكرت في الانتحار مرارًا بعد فشل محاولاتها المتكررة في الفرار للبحث عن حياة أخرى، كما تروي قصتها لـ"ألترا عراق".

ناشطة: هناك مناطق لا زالت متأثرة بالفكر الاجتماعي القديم، ولا زالت تنظر إلى المرأة النظرة النمطية الظالمة

تعلق الناشطة الحقوقية والباحثة في شؤون الأسرة، أمل عبد الرحمن: "المجتمع العراقي مقسم إلى قطاعات، قطاع متأثر بالحضارة المعاصرة والعولمة في بغداد أو إقليم كردستان، وهناك مناطق لا زالت متأثرة بالفكر الاجتماعي القديم، ولا زالت تنظر إلى المرأة النظرة النمطية الظالمة كما يحصل في المحافظات الجنوبية أو الغربية".

اقرأ/ي أيضًا: المرأة العراقية أمام "استحقاقات" الاستبداد.. حلقات من تاريخ لم يتوقف

تضيف عبد الرحمن لـ"ألترا عراق"، أنه "على الرغم من أن المرأة العراقية تحصلت على الكثير من الحقوق والمزايا، ووصلت إلى مناصب عليا في الدولة الدولة، وتحظى بنسبة تمثيل في المؤسسات التشريعية، لكن لا زالت تعاني من الأفكار المتعصبة في بعض المناطق المحافظة، خاصة في القرى والأرياف، رغم سنّ قوانين لحمايتها من مختلف أشكال العنف، منها تعديل قانون الأسرة، تعديل قانون العقوبات في شقه المتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة، وحمايتها من التحرش الجنسي واللفظي في الأماكن العمومية والعمل".

وتلفت أمل، إلى النظر إلى غياب قنوات للاتصال، والتواصل بين النساء في العديد من القرى والأرياف العراقية و"العالم الخارجي"، مما يجعلهن في "معاناة متواصلة، وغياب أدنى شروط الحياة، فلا تعليم، فقط جهل وحرمان".

وتوجز الناشطة الحقوقية والباحثة في شؤون الأسرة، حياة المرأة في العديد من القرى بمختلف مناطق العراق، قائلة: "لا تزال رهينة العادات والتقاليد البالية التي تحرمها حتى من اختيار من تكمل معه حياتها، فهي تزوج من طرف بعض الآباء بالغصب والإكراه، لتطلق في غالب الأحيان، وتعود لبيت أسرتها برفقة أطفالهن بعد أن ذاقت الويل".

وفي ظهيرة الجمعة 8 آذار/مارس خرجت تظاهرات حاشدة في مختلف المحافظات العراقية بمناسبة يوم المرأة العالمي، فيما كانت المطالب بتحسين واقع المرأة في العراق وحمايتها من الظلم والتعنيف الذي تتعرض له في العائلة أو الشارع، ودارت أغلب المطالبات في فلك قانون الحماية من العنف الأسري، القانون الذي ما زال مشروعًا فقط في أدراج البرلمان العراقي منذ 2015 دون جدية في إقراره.

ويواجه القانون "صدودًا نيابيًا" حسب تعبير الناشطة في مجال حقوق الإنسان هناء إدوار، كصدود بعض النواب عن الاعتراف بوجود حالات عنف أسري في المجتمع.

وتنص الفقرة الرابعة من المادة 29 من الدستور العراقي على منع كل أشكال العنف والتعسف تجاه الأطفال في الأسرة والمدرسة والمجتمع، في حين تنص المادة 41/1 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على عدم وجود جريمة إذا وقع الفعل استعمالًا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالًا للحق: (تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعًا أو قانونًا أو عرفًا). أي أن أفعال الضرب والعنف التي يمارسها الزوج تجاه زوجته والآباء تجاه أبنائهم استنادًا إلى المادة المذكورة تعد من قبيل استعمال الحق الذي يعد بدوره سببًا من أسباب الإباحة، والتي بمقتضاها لا يمكن مساءلة الزوج أو الأبوين جزائيًا ولا مدنيًا عما يقع من اعتداء ما داموا قد استخدموا حقهم المنصوص عليه قانونًا بموجب المادة المذكورة أعلاه.

يواجه قانون العنف الأسري "صدودًا نيابيًا" حسب تعبير الناشطة في مجال حقوق الإنسان هناء إدوار

واشتراط القانون أن يكون التأديب في حدود المقرر "عرفًا وشرعًا وقانونًا" يعني أنه إذا أطلقنا حدود السماح العرفي طبقًا للمادة القانونية فإن التصرف العشائري يعد ضمن حدود العرف، قانون يراه حقوقيون ضعيفًا ويفسح المجال لأعمال عنف بحق الأطفال والنساء بذرائع عرفية عديدة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

تمثيل المرأة العراقية ومشاركتها السياسية.. رهينة الإقصاء!

المرأة العراقية في الاحتجاجات.. مسعفة ومتظاهرة ومهدّدة