20-سبتمبر-2019

كانت عمليات القتل تلك جزءًا من حملة للعقاب الجماعي، عرفت باسم "الأنفال" (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

 "لقد رأيت أمي تقتل أمام عيني. لم أستطع حمايتها. بعد ذلك رأيت شقيقتيَّ تقتلان أمام عيني". يتذكر تيمور عبد الله أحمد مساء أحد الأيام، في شهر أيار/مايو 1988، عندما كان يبلغ من العمر 12 عامًا، حين أُرغم هو وعشرات من الأطفال والنساء الآخرين، على النزول في حفرة صحراوية وأطلق جنود صدام حسين النار عليهم.

يتذكر أحمد، البالغ من العمر 43 عامًا، بالتفاصيل الدقيقة كيف قتل الرصاص والدته واثنتين من أخواته، ويقول: "أتذكر هذه اللحظة مرارًا. أفكر في الأمر عندما أذهب للنوم"

يقول أحمد: "مات قلبي مع أمي و شقيقتيَّ، في ذلك القبر"، بحسب تقرير نشرته بي بي سي، وتابعه "ألترا عراق".  ويتذكر أحمد، البالغ من العمر 43 عامًا، بالتفاصيل الدقيقة كيف قتل الرصاص والدته واثنتين من أخواته، ويقول: "أتذكر هذه اللحظة مرارًا. أفكر في الأمر عندما أذهب للنوم".

اقرأ/ي أيضًا: ماذا قال المحقق الأمريكي الذي استجوب صدام حسين؟

ويعتقد أن أخته الأخرى قتلت بالرصاص في حفرة مجاورة، فيما يسعى أحمد الآن لتطبيق العدالة على من قتلوا أسرته.

كانت عمليات القتل تلك جزءًا من حملة للعقاب الجماعي، عرفت باسم "الأنفال" من قبل الحكومة العراقية ضد العراقيين الكرد. وزعمت السلطات وقتها أنها كانت تخمد تمردًا، بحجة وقوف بعض الكرد مع الجانب الإيراني خلال الحرب الإيرانية العراقية، بين عامي 1980 و 1988.

 تيمور عبد الله أحمد طفلًا

وتقول هيومن رايتس ووتش إن "ما يصل إلى 100 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، لقوا حتفهم في عمليات تطهير عرقي ممنهجة، والتي تضمنت استخدام أسلحة كيميائية"، بينما تقدر مصادر كردية عدد الضحايا بأكثر من 180 ألف قتيل.

في ذلك الوقت، كان أحمد ووالدته وأخواته يعيشون في كولاجو، وهي قرية صغيرة نائية كان يقطنها نحو 110 أشخاص، وجميعهم من نفس العائلة الكبيرة.

ويقول أحمد "كان من الصعب العثور على قريتنا"، لكنه يقول إن الكرد، الذين كانوا يتعاونون مع نظام صدام حسين، أرشدوا القوات العراقية إلى هناك، في نيسان/أبريل عام 1988".

نجا أحمد بأعجوبة، وتظاهر بأنه ميت حتى غادر الجنود. ثم تمكن من الخروج من بين الجثث، والهروب في جنح الليل

ألقي القبض على سكان القرية، وقادتهم القوات العراقية إلى معسكر للجيش، حيث تم فصل الرجال عن النساء والأطفال. كانت تلك آخر مرة يرى أحمد فيها والده. وكان الأخير، عبد الله أحمد، يعمل في الزراعة مثل معظم أقرانه القرويين.

وبعد شهر، وُضع أحمد وآخرون في شاحنات ونقلوا إلى الجنوب.

اقرأ/ي أيضًا: صدام حسين.. الدكتاتور الذي يأبى الموت

ويقول: "عندما فتحت الأبواب، رأيت ثلاث حفر بجانب بعضها. رأيت جنديين عراقيين مسلحين ببنادق كلاشينكوف". وأُجبر النساء والأطفال، وبعضهم من بين ذراعي أمهاتهم، على الخروج من الشاحنات إلى الحفر.

"فجأة بدأ الجنود يطلقون النار علينا".

وأصابت رصاصة أحمد في ذراعه الأيسر. يقول: "أطلقوا الرصاص بالقرب من رأسي وكتفيَّ وساقيَّ. كانت الأرض بأكملها تهتز. كان المكان ممتلأ بالدماء. تلقيت رصاصتين أخريين في ظهري. كنت أنتظر موتي".

نجا أحمد بأعجوبة، وتظاهر بأنه ميت حتى غادر الجنود. ثم تمكن من الخروج من بين الجثث، والهروب في جنح الليل.

في النهاية وصل أحمد إلى خيمة عائلة بدوية اعتنت به، وبقي معهم لمدة ثلاث سنوات، حتى تواصل مع أحد أقاربه الباقين على قيد الحياة وعاد إلى كردستان، حيث كان لا يزال يتعين عليه الاختباء من السلطات.

في عام 1996 حصل على حق اللجوء في الولايات المتحدة، حيث يعيش الآن. وفي عام 2009، بعد الإطاحة بصدام حسين، عاد أحمد إلى العراق وعثر على موقع المذبحة.

 تيمور عبد الله أحمد

ويقول: "عندما رأيت القبور كنت أرتجف. كنت أبكي".

"لقد اتصلت بالحكومة العراقية، وقلت لهم إنني أرغب بإبلاغي بأي قرار يتعلق بالمقابر".

يريد أحمد لفت انتباه العالم إلى المذبحة. ويقول: "أريد أن تظهر الكاميرات جثث الأطفال الأبرياء، الذين كانوا يمسكون بأمهاتهم قبل إطلاق النار عليهم"

لكن في حزيران/يونيو من العام الجاري، بدأوا في حفر موقع المقبرة دون إخطاره. وتخطط السلطات لإعادة دفن الجثث في اقليم كردستان.

وحين علم أحمد من أصدقاء له بما كان يحدث، سافر للعراق جوًا من الولايات المتحدة، تم بالفعل انتشال أكثر من 170 جثة من الموقع، لكن أحمد يقول إن الأشخاص الذين أجروا عمليات استخراج الرفات، تركوا بعض عظام ومقتنيات الضحايا في الموقع.

اقرأ/ي أيضًا: استدعاء الدكتاتور صدام حسين.. الحاجة إلى البطل!

وينخرط أحمد الآن في مواجهة مع السلطات العراقية، واتخذ إجراءات قانونية لمنعهم من نبش القبر، الذي يعتقد أنه يحتوي على جثث والدته وشقيقتيه.

ويقول إنه فقط عندما يوافقون على القيام بالعمل بشكل صحيح و"باحترام"، وتلبية المطالب الأخرى، مثل محاكمة المسؤولين عن المذبحة، فإن عمليات استخراج الجثث حينها يجب أن تمضي قدمًا. ويريد أحمد لفت انتباه العالم إلى المذبحة. ويقول: "أريد أن تظهر الكاميرات جثث الأطفال الأبرياء، الذين كانوا يمسكون بأمهاتهم قبل إطلاق النار عليهم".

ويضيف: "ليس لدي حتى صورة لأمي وأخواتي. أريد التقاط صورة مع رفاتهم".

ويقول المسؤولون العراقيون إن الأمر متروك لسلطات اقليم كردستان، للاتصال بأقارب الضحايا، فيما يقول فؤاد عثمان طه، المتحدث باسم حكومة الإقليم، إنه يتعين فحص الرفات وإيجاد علامات على الهوية، قبل الاتصال بالأقارب"، مضيفًا "نجمع الأدلة ونرسلها إلى المحكمة الخاصة، المسؤولة عن محاكمة المذنبين".

يقول أحمد ليس لدي حتى صورة لأمي وأخواتي. أريد التقاط صورة مع رفاتهم

ويعتزم أحمد البقاء بالقرب من الموقع، حتى تُلبى مطالبه. ويقول: "أشعر أن الله أبقاني على قيد الحياة لسبب ما. لقد أوكل الله إلي مهمة كبيرة، وهي التحدث عن هؤلاء الأبرياء، الذين لم يعد بإمكانهم التحدث".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

صدام حسين.. الدكتاتور الذي يأبى الموت

عالم كونديرا.. أورويل وصدام حسين