27-سبتمبر-2019

تشكل الألغام والقنابل خطرًا كبيرًا على سكان الموصل وأغلبية سكان نينوى (Getty)

كان مصوران محليان برفقة ثلاثة أطفال قبل أكثر من عام في الموصل القديمة يجرون تقريرًا صحفيًا عن الأوضاع في المنطقة، حيث يلعب الأطفال وسط الدمار، طلب المصوران من الأطفال الدخول إلى باحة المسجد النوري التي لم تكن مطهرة من المخلفات الحربية بشكل كامل، لإنجاز القصة الصحفية.

ما تزال مخلفات تنظيم "داعش" تفتك بالمدنيين في الموصل وعموم محافظة نينوى على الرغم من مرور أكثر من عامين على تحرير المحافظة

وبينما كان الأطفال يلعبون امام الكاميرا انفجرت إحدى القنابل غير المنفلقة تحت الأطفال، مما أسفر عن إصابة اثنين ووفاة الثالث، لتسجل واحدة من أكثر القصص المؤلمة التي خلفتها بقايا الحرب في الموصل.

اقرأ/ي أيضًا: "اعتداء" على الجيش وقطع الطريق.. الحشد الشعبي "يجر" نينوى نحو "كارثة جديدة"!

تشكل الألغام والقنابل خطرًا كبيرًا على سكان الموصل، وأغلبية سكان نينوى، بعد أن نشرها تنظيم "داعش"، بشكل منتظم في مناطق الصد، لمنع تقدم القوات الأمنية المشتركة حينها.

يروي والد الطفل المتوفي أحمد كيف أن طفله توفي أمام أنظاره عندما كان يساعد صحفيين على إنجاز مهمتهم، ويقول إن "طفله كان صغيرًا ولا يمكن أن يميز القنبلة من اللعبة، والسبب في ذلك هو عدم وجود توعية حقيقية حيال المخلفات الحربية".

يؤكد أبو أحمد لـ "ألترا عراق"، أن "بقية أطفاله وأطفال جيرانه باتوا يخافون الحركة وحتى الكبار، فلا أحد يعرف متى ينفجر عليهم أي شيء تحت أنقاض المدينة القديمة، التي ما تزال مدفونة بالركام منذ انتهاء الحرب في 2017".

لم يكن الطفل أحمد وحده من قتل جراء القنابل غير المنفلقة والمتفجرات، فقد واجه أحد موظفي البلدية، مؤخرًا، ذات المصير حينما كان يهم برفع بعض الأنقاض في المنطقة القديمة.

"خط النار"!

أنشأ تنظيم "داعش" حين بات على يقين بقرب المعركة الأخيرة ضده في العراق، خط صد بدأ من بلدة مخمور لكن القوات الكردية التي كانت تساند القوات الأمنية قد انطلقت في تلك البلدة، واستعادتها مما دفع التنظيم لإنشاء خط صد ثاني في بلدتي الحمدانية وبرطلة وبعشيقة، من جهة وخط آخر في القيارة.

يعرقل وجود الألغام والعبوات الناسفة تحت ركام المناطق في نينوى عودة الأسر النازحة خاصة في المناطق التي حددها "داعش" كخط صد

يقول عضو مجلس محافظة نينوى حسن السبعاوي، إن "التنظيم عمد بعدما تقدمت القوات الأمنية وكسرت خطوط الصد الأمامية في الجبهة الشرقية، حيث الحمدانية وبرطلة وبعشيقة والجنوبية حيث القيارة، أنشأ خطًا أخيرًا للصد في تلعفر ومحيط سنجار وزمار وصولًا إلى الحدود السورية".

يضيف سبعاوي لـ "الترا عراق"، أن "خط الصد هو عبارة عن أراض ملغمة ومحكمة بشكل كبيرة ومخبأة، وهذه الخطوط كسرتها القوات الأمنية التي تمكنت من استعادة السيطرة على نينوى، لكن الألغام لا تزال موجودة تحت الأرض ولا يمكن إحصاؤها ولا يمكن معرفة أماكنها بشكل محدد حتى"، موضحًا أن "هناك منظمات دولية تعمل على الأمر، لكنها تحتاج إلى وقت قد يصل إلى سنوات لأنها تتحرك في المساحات التي يعتقد أن فيها الألغام بشكل حذر لرفعها، وهي سلسلة طويلة في المناطق المذكورة".

كما يشير، إلى أن "أمر الألغام أثر على عودة النازحين إلى مناطقهم وعودة الاستقرار، لأن الناس خصوصًا في أطراف نينوى خارج الموصل مركز المحافظة، لا يشعرون بالأمن ومن بينهم المزارعون، بسبب تلك الألغام"، لافتًا إلى أن "الموصل طالتها الحصة الأقل الألغام لأنها منطقة قتال كاملة، وليست خط صد، وهذا هو الفرق، لكنها كانت ضحية القنابل غير المنفلقة أيضًا".

وتقول منظمات دولية متعددة، تعمل على رفع الألغام، إن الأمور ليست بالسهلة، ومن بين تلك المنظمات مجموعة "danish demining"، والتي بدأت عملها في العراق منذ عام 1980 ولها مكاتب في أربيل ودهوك وكركوك والموصل وتكريت والبصرة.

اقرأ/ي أيضًا: عداء ومصالح على حساب الجيش والموصل.. ما الذي يربط الحشد بكردستان؟

تبين المنظمة في بيان لها، أن "عملها في دهوك وأربيل يختص بتوعية النازحين الذي قد يعودوا إلى مناطقهم في نينوى حول مخاطر الألغام وكيفية معرفتها وطلب المساعدة لرفعها هي وباقي المخلفات الحربية، وفي الشق الآخر، تعمل على تعليم من يستطيع أن يتدخل في الحالات الطارئة لوقف خطر الألغام".

فيما تقول منظمة "mag"، وهي من بين أكثر المنظمات نشاطًا بما يخص الألغام، إن "العراق وتحديدًا في الموصل وخلال الفترة بين شهر كانون الأول/ يناير وحتى حزيران/ يونيو، شهد تحديد أكثر من ستة ملايين متر مربع كمنطقة آمنة، وساعدت المنظمة أكثر من 146 ألف شخص في البقاء بأمان، وأقامت أكثر من 9 آلاف جلسة للتوعية بمخاطر الألغام”.

تشير المنظمة أيضًا، إلى أن "عملها الميداني تضمن تدمير 1396 لغمًا محلي الصنع، و365 لغمًا أرضيًا، و26 عبوة ناسفة و2257 قنبلة غير منفجرة، و20 قنبلة عنقودية"، مؤكدة أن "عملها قائم على التمويل الدولي من المانحين الأجانب ومن بينهم السويد وكندا والولايات المتحدة، ومنظمات الأمم المتحدة".

تعمل الكثير من المنظمات الدولية على رفع الألغام في الموصل لكن بشكل بطيء، فيما تشكو الأجهزة الأمنية من ضعف الدعم الذي يخصص لها بشأن الألغام

يقول أحمد حسين وهو موظف محلي رافق منظمات دولية في عملها لرفع الألغام لـ "ألترا عراق"، إن "عمل المنظمات ليس بالسهل، ففي منطقة محاذية للحمدانية ظل الموظفون الأجانب الذين يرفعون الألغام يعملون لمدة عام، وعلى الرغم من أنهم اكتشفوا الكثير منها، لكن العمل الحذر والبطيء لا يساعد في القضاء على تلك العبوات وتحتاج وقت أطول وجهد أكثر".

فيما أشار ضابط بالشرطة في الموصل لـ "ألترا عراق"، إلى أن "الخبراء المحليين في مجال الألغاء يفتقدون إلى الدعم، وعادة ما يكونون أكثر عرضة إلى الموت بسبب ذلك"، مبينًا أن "جهات مكافحة الألغام في إقليم كردستان قدمت دورات لضباط الشرطة والبيشمركة هناك، كما تم تقديم الاحتياجات اللازمة لهم، لكن نحن في الموصل لم يقدم لنا شيء ونعمل بالعادة ضمن جهودنا الشخصية والقليل من الدعم الدولي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

فريسته الشباب والسلطات "عاجزة".. "شبح جديد" يتسلل إلى الموصل عبر طريقين!

من الترحيل إلى "داعش".. الموصل وسامراء تحتفظان بـ"أسرار" يهود العراق