17-مايو-2022
نفط العراق

الترا عراق - فريق التحرير

أحبطت وزارة النفط العراقية ثلاث صفقات محتملة، العام الماضي، كان من شأنها أن تمنح الشركات الصينية مزيدًا من السيطرة على حقولها النفطية وتؤدي إلى نزوح شركات نفط دولية كبرى تريد بغداد استثمارها في اقتصادها المتعثر.

تبذل بغداد جهودًا لمنع هيمنة الصين على قطاع النفط العراقي عبر إقناع شركات عالمية بالبقاء في البلاد

ومنذ بداية عام 2021، خططت شركة "لوك أويل" الروسية وشركة النفط الأمريكية الكبرى "إكسون موبيل"، لبيع حصص في الحقول الرئيسية للشركات الصينية المدعومة من الدولة، لكن تدخل بغداد حال دون الأمر، وفق مسؤولين في وزارة النفط العراقية.

وقال أشخاص مطلعون على الأمر، وفق تقرير لـ "رويترز" ترجمه "الترا عراق"، إن بيع حصة لشركة صينية تديرها الدولة كان أيضًا أحد الخيارات العديدة التي تدرسها شركة بريتيش بتروليوم البريطانية، إلاّ أنّ المسؤولين أقنعوها بالبقاء في العراق في الوقت الحالي.

نفط

 

والصين هي أكبر مستثمر في العراق، إذ وكانت بغداد "أكبر مستفيد العام الماضي من مبادرة الحزام والطريق"، التي أطلقتها بكين وتلقت تمويلاً بقيمة 10.5 مليار دولار لمشروعات البنية التحتية بما في ذلك محطة لتوليد الكهرباء ومطار، بحسب التقرير.

ولكن عندما يتعلق الأمر بمزيد من الاستثمارات الصينية في حقول النفط الرئيسية، رسمت بغداد حدودًا مشددة.

وتشعر الحكومة العراقية والمسؤولون في الشركات التي تديرها الدولة، بالقلق من أنّ المزيد من توحيد الحقول في أيدي الشركات الصينية قد يسرع من نزوح شركات النفط الغربية، حسبما قال سبعة مسؤولين نفطيين عراقيين ومديرين تنفيذيين في شركات عاملة في العراق.

وبدعم من مسؤولي شركة النفط التي تديرها الدولة، أقنع وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار "لوك أويل"، العام الماضي، بالتراجع عن بيع حصة في أحد أكبر حقول البلاد، غرب القرنة 2، إلى شركة سينوبك الحكومية الصينية، حسبما قال ثلاثة أشخاص مطلعين على الأمر.

وقال الأشخاص، وفق "رويترز"، إنّ مسؤولين عراقيين تدخلوا أيضًا العام الماضي لمنع الشركات الصينية المدعومة من الدولة، من شراء حصة إكسون في غرب القرنة 1، وإقناع شركة بريتيش بتروليوم بالبقاء في العراق، بدلاً من تفريغ حصتها في حقل الرميلة النفطي العملاق إلى شركة صينية.

وتنتج الرميلة وغرب القرنة مجتمعتين نحو نصف الخام القادم من العراق الذي يعد خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم.

ولم ترد وزارة النفط العراقية على طلبات للتعليق على الصفقات أو دور الوزير في أي تدخلات.

وقال مسؤولان حكوميان، إنّ الحكومة قلقة من أنّ هيمنة الصين قد تجعل العراق أقل جاذبية للاستثمار من أماكن أخرى.

وقال بعض المسؤولين، إنّ "تعزيز علاقة الصين مع إيران ساعد موقعها في العراق بسبب نفوذ طهران السياسي والعسكري هناك، لكن وزارة النفط تشعر بالقلق من التنازل عن مزيد من السيطرة على الموارد الرئيسية للبلاد".

وقال مسؤول عراقي آخر، "لا نريد أن يوصف قطاع الطاقة العراقي بأنه قطاع طاقة تقوده الصين، وهذا الموقف متفق عليه بين الحكومة ووزارة النفط".

 

استراتيجية محفوفة بالمخاطر

وتأتي التدخلات بشأن مواقع بريتيش بتروليوم وإكسون ولوك أويل في العراق بعد شركة النفط البريطانية الكبرى شل، التي قررت في عام 2018 الانسحاب من حقل مجنون النفطي العراقي الشاسع.

وتمثل التدخلات أيضًا تحولاً في الموقف بعد فوز الشركات الصينية بمعظم صفقات الطاقة والعقود الممنوحة على مدى السنوات الأربع الماضية. وقال مسؤولو نفط عراقيون إن الشركات الصينية قبلت هوامش ربح أقل من معظم الشركات المنافسة.

2

 

بدورها، قالت الشركة الوطنية الصينية للنفط البحري المملوكة للدولة في بيان أرسل بالبريد الإلكتروني، "تمت صياغة جميع القواعد المتعلقة بالمناقصات بشكل مشترك من قبل الجانبين الصيني والعراقي وتم إجراؤها بموجب مبادئ شفافة وعادلة".

ومع ذلك، فإن التصدي لمزيد من الاستثمارات الصينية استراتيجية محفوفة بالمخاطر، حيث لا يوجد ما يضمن أن الآخرين سيصعدون، وتحتاج الحكومة إلى مليارات الدولارات لإعادة بناء الاقتصاد بعد هزيمة تنظيم "داعش".

وعلى مدى العقد الماضي، شكلت عائدات النفط 99% من صادرات العراق، و85% من ميزانية البلاد، و42% من ناتجها المحلي الإجمالي، وفقا للبنك الدولي.

وفي حين تدافعت شركات النفط الكبرى للوصول إلى حقول النفط العراقية الشاسعة بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، فإنها تركز بشكل متزايد على انتقال الطاقة واللعب الأكثر ربحية في أماكن أخرى. كما أنّهم يريدون شروطًا أفضل لتطوير الحقول، حسبما قال مسؤولون تنفيذيون في مجال النفط.

تبحث الشركات عالمية النفطية عن شروط أفضل لتطوير الحقول مقابل البقاء في البلاد

والصين من بين أكبر المشترين للنفط الخام العراقي، حيث بنت الشركات الحكومية الصينية موقعًا مهيمنًا في صناعة النفط.

ولكن عندما أخطرت "لوك أويل" الحكومة العراقية، الصيف الماضي، بأنّها تدرس بيع بعض حصتها في غرب القرنة 2 إلى "سينوبك"، تدخل وزير النفط، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر.

ولم يذكر من قبل أنّ "سينوبك" كانت المشتري المحتمل لحصة "لوك أويل". ولم ترد الشركة الصينية على طلب للتعليق.

ولتشجيع "لوك أويل" على البقاء، قدم العراق عرضًا محليًا، حسبما قال شخص لديه معرفة مباشرة، حيث وافقت بغداد بعد بضعة أشهر، أخيرًا، على خطة الشركة لتطوير حقل يعرف باسم بلوك 10، إذ اكتشفت الشركة الروسية خزانًا نفطيًا في عام 2017. وبعد ذلك، تخلت "لوك أويل" عن فكرة بيع حصتها في غرب القرنة 2، بحسب المصدر، فيما لم ترد لوك أويل على طلب للتعليق.

 

"بي بي وإكسون"

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تحدثت "بريتش بتروليوم" أيضًا مع الحكومة بشأن خياراتها - بما في ذلك مغادرة العراق تمامًا - قبل أن تستقر على تحويل حصتها في الرميلة إلى شركة مستقلة العام الماضي، حسبما قال شخصان مطلعان على الأمر.

وقال ممثلو المصادر، إنّ وزير النفط عبد الجبار قاد جهودًا لإقناع "بي بي" بعدم المغادرة، لأن الحكومة قلقة من أنّ شريكها في الحقل مؤسسة "البترول الوطنية الصينية"، سيشتري الحصة. وقالوا إنّ بغداد حريصة أيضّا على الاحتفاظ بمثل هذه الشركة الدولية الرائدة في مجال النفط في البلاد، فيما امتنعت الشركة البريطانية عن التعليق.

بالمقابل، عندما أشارت إكسون إلى نيتها مغادرة العراق في يناير 2021، أخبر المسؤولون الأمريكيون إكسون أنّهم غير راضين عن احتمال انسحاب أكبر شركة نفط أمريكية كبرى - لأسباب رددت المخاوف العراقية، وفق "رويترز".

وقال مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية، إنّ رحيل إكسون قد يخلق فراغًا للشركات الصينية لملئه، حسبما قال شخص مطلع على المحادثات.

3

 

ثم سأل المسؤولون الأمريكيون إكسون عما يتطلبه الأمر للبقاء في العراق، حسبما قال الشخص، رافضًا تقديم مزيد من التفاصيل.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية: "نحن نشارك بانتظام مع نظرائنا العراقيين في تعزيز بيئة مواتية لاستثمارات القطاع الخاص".

وقال أشخاص مطلعون على الأمر، إن إكسون وقعت اتفاقًا لبيع حصتها في غرب القرنة 1 إلى الشركة الوطنية الصينية للنفط البحري و"بتروجاينا"، الذراع المدرجة في قائمة شركة البترول الوطنية الصينية.

ولم ترد الشركتان على طلبات للتعليق على الصفقات.

وتقدر قيمة حصة إكسون بما يتراوح بين 350 مليون دولار و375 مليون دولار، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر.

لكن العراق يتمتع بحق النقض (الفيتو) على صفقات حقول النفط ولم يوافق على الصفقة.

وتقدمت إكسون بطلب للتحكيم لدى غرفة التجارة الدولية ضد شركة نفط البصرة، بحجة أنها اتبعت شروط عقدها الخاص بغرب القرنة 1، ولديها صفقة جيدة على الطاولة، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر.

ثم اتخذت وزارة النفط خطوة غير عادية بمحاولة التوسط في صفقة نيابة عن إكسون. وعرضت الوزارة حصة إكسون على شركات غربية أخرى بما في ذلك "شيفرون كورب"، لكن أحدًا لك يكن مهتمًا. وبدلاً من ترك الحصة تذهب إلى الشركات الصينية، قالت بغداد إن شركة النفط الوطنية العراقية التي تديرها الدولة ستأخذها بدلاً من ذلك، على الرغم من أنّ شركة النفط الوطنية العراقية ما تزال في طور الإحياء بعد توقفها لسنوات عديدة.

وقالت متحدثة باسم الشركة، "ستواصل (إكسون) العمل عن كثب وبشكل بناء للتوصل إلى حل عادل".

 

عقود الخدمات

وتعتمد صناعة النفط العراقية في الغالب على عقود الخدمات الفنية بين شركة نفط البصرة المدعومة من الدولة، والشركات الأجنبية التي يتم سداد تكاليفها، بالإضافة إلى رسوم لكل برميل لتطوير الحقول، بينما يحتفظ العراق بملكية الاحتياطيات.

وعادة ما تفضل شركات النفط الكبرى الصفقات التي تسمح بحصة في الأرباح بدلاً من رسوم محددة.

1

 

ومع ذلك، فإن الأولوية للشركات الصينية هي تحقيق إمدادات نفطية آمنة لتغذية الاقتصاد الصيني المتنامي، بدلاً من عوائد للمستثمرين، حسبما قال مسؤول تنفيذي صيني في مجال النفط لديه معرفة مباشرة بالاستثمارات العالمية لشركة CNPC.

بيد أن هناك بعض الدلائل على أن العراق يحاول أن يجعل شروطه أكثر جاذبية.

وعقدت شركة "توتال إنرجيز" الفرنسية، صفقة بقيمة 27 مليار دولار في أيلول/سبتمبر تضمنت دفع 40% من الإيرادات من حقل واحد في العراق. لكن الاتفاق تعثر بسبب خلافات بشأن شروطه، وما يزال بحاجة إلى موافقة بعض الوكالات الحكومية العراقية، حيث تقول "توتال" إنّها "ملتزمة تمامًا بالمشروع".

يشكك معنيون في قدرة العراق على تحسين شروط عمل الشركات النفطية العالمية ما يعني استمرار النزوح لصالح الصين

وقال مسؤول تنفيذي في شركة نفط إنّهم يشككون في أنّ العراق سيدخل شروطًا أكثر جاذبية. لكن محللين يقولون إنّه ما لم تتحسن بشكل كبير فمن الصعب تخيل أن العراق سيكون قادرًا على وقف النزوح مع تسارع وتيرة انتقال الطاقة.

"العديد من شركات الطاقة الكبرى تبحث في انبعاثات الكربون، وقدرتها على توليد تدفقات نقدية إذا كانت أسعار السلع الأساسية منخفضة، وتتطلع إلى تحسين العوائد"، يقول إيان ثوم مدير الأبحاث في شركة "وود ماكنزي" الاستشارية.

ومع تغير أولويات شركات الطاقة، فإن "الجاذبية النسبية للعراق تتغير".