09-يونيو-2019

قد يؤدي موقف العراق إلى انسحاب الرياض من مبادراتها تجاه بغداد (Getty)

لم تكن الرياض تتوقع ربما موقفًا عراقيًا صارمًا كما حدث في مكة، بعد سلسلة مبادرات حاولت من خلالها جذب بغداد، في ظل سعي الأخيرة إلى "علاقات متوازنة" مع الجميع وفق تصريحات أبرز المسؤولين، فعادت خائبة من جديد لصالح إيران "عدوها اللدود" في المنطقة، ما قد يدفعها إلى التراجع عن بعض خطواتها ومشاريعها في البلاد.

"خطط" المسؤولون في بغداد لموقف قمة مكة قبل أشهر من انعقادها في إطار سياسية" التزام الحياد" 

تحفظ العراق على البيان يأتي من محاولات للنأي بالنفس عن الأزمة الأمريكية – الإيرانية ودفع شبح الحرب بينهما والتي قد يكون العراق أكبر ساحاتها، لكنه بالمقابل قد يحسب انحيازيًا لطهران، التي يؤكد مسؤولها أن حكومة بغداد "جزء من جبهة المقاومة ضد واشنطن"، وهو ما يزعج حلفاء الأخيرة في الخليج وأبرزهم السعودية، التي خصصت القمة لمناقشة خطر إيران وتجاهلت أزمات أخرى أكبر وأعقد من بينها القضية الفلسطينية وحرب اليمن وأزمة سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: صراع السعودية وإيران في العراق.. لعبة محصلتها صفر

كان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أكد، تأييده موقف الوفد العراقي وتحفّظه على البيان، معللًا ذلك بأنّ بلاده لا تريد أن تكون مع محور ضدّ آخر. فيما كشف مسؤول في الحكومة أن الموقف كان مخططًا له منذ أشهر.

يقول المسؤول الذي طلب عدم كشف اسمه لـ "الترا عراق"، إن "اتفاقًا تمّ بين الرئاسات الثلاث منذ شهر في بغداد، على إبعاد العراق قدر الإمكان عن المحاور، وجرى بذل جهود داخلية نحو الفصائل مسلحة وخارجية بهذا الإطار، وموقف الرئيس برهم صالح في مكة كان من ضمن صلب الاتفاق".

أضاف المسؤول، أن "اتصالات جرت بين مسؤولين عراقيين وسعوديين في الأيام الماضية لتوضيح الموقف وإزالة اللبس الحاصل، إلا أنّ مسؤولًا سعوديًا بارزًا أوصل رسالة تفيد بأنّ نظام بلاده منزعج جدًا من الموقف العراقي، وأنه يعتبره منحازًا لإيران، وأصيب بخيبة أمل من الحكومة العراقية، وأنّ الرياض كانت تتوقّع من بغداد موقفاً أفضل من هذا، خصوصًا مع سلسلة المبادرات أحادية الجانب في الفترة الماضية".

ولم يستبعد المسؤول، انتكاسة بعض الاتفاقيات والبرامج والمشاريع التي قدّمتها السعودية للعراق هذا العام والذي سبقه، كملعب الملك سلمان في بغداد، ومراكز غسل الكلى في المحافظات العراقية، ورفع حصة العراق من مقاعد الحج، ودعم الجامعات، واتفاقية إعادة فتح المنافذ البرية بين البلدين، وتدشين القنصلية السعودية في النجف.

"تجاهلت" قمة مكة قضايا العرب الأبرز والأهم من بينها ملفات فلسطين واليمن وسوريا وركزت على "استعداء" إيران

كما رأى، أن "التكهنات بشأن مستقبل العلاقات بين بغداد ورياض ستتضح مطلع الشهر المقبل، وهو موعد مباشرة السعودية ببرامج مشتركة مع العراق بينها المنافذ الحدودية وتفعيلها، واجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة، وتقديم مِنح لوزارة الصحة والتعليم والتربية وملفات أخرى".

داخليًا، تتفق معظم الأطراف والقوى السياسية على ضرورة الابتعاد عن المحاور في الأزمة على المستوى العلني على أقل تقدير، مع الحرص على علاقات جيدة بجميع الأطراف ومن بينها السعودية. ويقول النائب حمد الركابي، إن البلاد حريصة على توازن العلاقات مع الدول العربية ومحيطها، وأن الحكومة العراقية أكدت أكثر من مرة أنها لن تكون ضمن سياسية المحاور، عربًا عن أمله باستمرار الدعم العربي لبغداد في ظل الحاجة الماسة لإعادة الإعمار.

اقرأ/ي أيضًا: "نشاط استخباري" سعودي في بغداد.. 3 آلاف شريحة هاتف نقال!

من جانبه، قال رئيس مركز أفق للدراسات والتحليل السياسي، جمعة العطواني، في تصريح صحافي، إن "البيان الختامي لقمة مكة لم يصغ وفق قناعات الأغلبية، إن لم يكن جميع الدول العربية، وأنه كان معدًا سلفًا ووزع على الرؤساء خلال الجلسة"، مضيفًا أن "بيان قمة مكة لم يتضمن الإشكاليات التي تواجه الأمة العربية، في حين ركز على استعداء إيران، ولم يتطرق إلى قضية العرب الأولى، وهي قضية فلسطين".

كما رأى، أن "البيان يمثل حالة توتر واستعداء، في الوقت الذي تحتاج شعوب المنطقة فيه إلى التهدئة"، لافتًا إلى أن "البيان تجاهل مأساة الشعب اليمني والسوري والبحريني، إضافة لمسألة ضم الجولان"، فيما بين أن "العراق تحفظ على نص البيان لأنه يريد أن يراعي الحالة الوسطية في علاقاته مع جميع دول الجوار".

بالمقابل، لم تخف السعودية انزعاجها من موقف بغداد، حيث قال صدقة بن يحيى فاضل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وعضو مجلس الشورى السعودي السابق، في تصريح متلفز له، إن "الأمة العربية والإسلامية تواجه تحديات تفاقمت مؤخرًا من خلال وجود حشود عسكرية هائلة تمهد لقيام حرب تكون ضحيتها أجزاء كبيرة من الأمة العربية وتدمير إيران في نفس الوقت".

لا يستبعد أن تشهد العلاقات العراقية - السعودية "انتكاسة" بعد موقف العراق الذي عدته الرياض مساندًا لطهران

وأكد فاضل، أن "ما جاء على لسان الرئيس العراقي برهم صالح، مقبول نوعًا ما"، لكنه استنكر عدم مشاركة الوفد العراقي في صياغة البيان الختامي باعتباره عضوًا، فيما تباينت الردود والتفاعل مع موقف بغداد عبر مواقع التواصل بين مؤيد لتجنب المحاور وزج البلاد في نار حرب مدمرة، وبين متخوفين من تأثر العلاقات العراقية الخليجية التي تحسنت مؤخرًا، ما قد يؤثر بشكل مباشر على استقرار البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هل تفوقت إيران على السعودية في حرب السيطرة على الشرق الأوسط؟

جذور السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.. الخليج وإيران نموذجًا