27-فبراير-2023
الحريات

هيئة الإعلام والاتصالات تبرر وحديث عن عودة للديكتاتورية (فيسبوك)

تسببت لائحة مسربة صادرة عن هيئة الإعلام والاتصالات بعنوان لائحة تنظيم المحتوى الرقمي، بإثارة جدل واسع لدى عراقيين رأوا أنها تحتوي على فقرات تحد من حرية التعبير والرأي، فيما وصفها مراقبون وصحفيون بأنها "قانون دكتاتوري جديد" في العراق. 

قالت هيئة الإعلام والاتصالات إنّ لائحة تنظيم المحتوى الرقمي لا تزال قيد المراجعة لأنها غير رسمية

ووفقًا لنص اللائحة المسربة، فإنّ الهدف منها جاء لتنظيم المحتوى الرقمي في العراق، فضلًا عن التثقيف والترسيخ وتعزيز الاستخدام الرقمي في جميع المجالات عبر التعاون مع الجهات الرسمية، فيما تضمنت اللائحة أصدار أحكامًا بحق المخالفين لضوابطها كـ"التعهد وحذف المحتوى وإحالة الملف على القضاء في بعض الأحيان، إضافة إلى إمكانية فرض غرامات مالية تبدأ من 500 ألف دينار وتصل إلى 5 ملايين دينار".

كما ضمت اللائحة العديد من الأحكام التي رأى قانونيون أنها "فضفاضة"، أبرزها "عدم الإساءة للدولة أو السلطات العامة أو الأشخاص في العراق، فضلًا عن منع بث الأخبار والشائعات الكاذبة التي تستهدف إسقاط النظام الديمقراطي أو الأمن القومي".

غضب عارم

وعبر محامون وناشطون عن غضبهم بشأن مسودة اللائحة المسربة، معتبرين أنها "عبارة عن قانون جديد لتكميم الأفواه والقضاء على حرية التعبير في العراق". 

وبحسب حديثهم المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ "القانون جاء بهدف حماية الرموز والشخصيات السياسية من الإساءة لهم عبر جميع المنصات، مشيرين إلى أنّ "اللائحة احتوت على فقرات ملغومة وغير مفهومة ولا تمت للدستور العراقي بصلة". 

ورأى صحفيون وناشطون أنّ اللائحة المسربة هي عبارة عن "معركة ضد حرية التعبير وبداية لقانون ديكتاتوري"، داعين هيئة الإعلام والاتصالات إلى "إعادة النظر باللائحة والعمل على تنظيم مسودة جديدة تتماشى مع حرية التعبير التي نص عليها الدستور العراقي".

لائحة غير نهائية

وتبرر هيئة الإعلام والاتصالات، بأنّ لائحة تنظيم المحتوى الرقمي التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام العراقي هي عبارة عن "مسودة" قدمت من قبل بعض الأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني "كمقترح لا أكثر"، هذا ما أكده المتحدث الرسمي باسم هيئة الاعلام والاتصالات حيدر نجم.

ويقول المتحدث الرسمي باسم هيئة الإعلام والاتصالات، حيدر نجم، إنّ "هذه اللائحة المسربة، لا تزال قيد المراجعة لأنها غير رسمية"، مبينًا أنّ "كل اللوائح التي تصدر من هيئة الاتصالات هي تنظيمية وليست تقييدية للحريات".

وأضاف نجم لـ"ألترا  عراق"، أنها "جاءت تلبية لطلبات العائلات العراقية بتشذيب المحتوى المسيء، مضيفًا أنّ "الهيئة كانت بصدد دراسة هذا المقترح وتطويره وهي ليست لائحة متبناة في هذه اللحظة".

وتعمل هيئة الإعلام والاتصالات حاليًا ـ والكلام لنجم ـ على "إعداد لائحة رصينة جديدة لا تتعارض مع حرية التعبير والرأي"، مؤكدًا أنّ "الهيئة ملتزمة ببنود الدستور والحرية العامة وفتح الفضاء الديمقراطي للجميع، وأن طابع اللائحة الجديدة هو اجتماعي وليس سياسيًا".

ويختم نجم حديثه قائلًا إن "اللائحة ستعالج العديد من الأمور التي تدخل ضمن مخاوف العائلة العراقية"، موضحًا أنّ "الهيئة أحصت وجود قرابة 17 جريمة ومخالفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الرقمي".

وتتزامن هذه اللائحة مع حملة وزارة الداخلية العراقية لمتابعة المحتويات على مواقع التواصل الاجتماعي ومعالجة "المحتوى الهابط"، حسب وصفها، فيما قضت المحاكم خلال الفترة الماضية بحبس البعض من صناع المحتوى بمدة تتراوح ما بين 3 أشهر إلى العامين.

الداخلية
أثناء حملة قالت الداخلية إنها للتوعية بشأن التبليغ على المحتوى الهابط

 

وبشأن هذه الحملة، أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، عن قلقه إزاء الاعتقالات والأحكام بالسجن التي صدرت بحق عدد من صنّاع المحتوى العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن حملة مكافحة "المحتوى الهابط".

قانون دكتاتوري

أمير الدعمي وهو خبير قانوني، يقول إنّ "النسخة المسربة من قانون المحتوى الرقمي الصادر عن هيئة الإعلام والاتصالات فيها ترسيخ للدكتاتورية وتكميم الأفواه وحرية التعبير".

وفي حديث لـ "ألترا عراق"، يرى الدعمي، أنّ هذا القانون يناقض ويتقاطع مع الدستور العراقي في جميع فقراته، مبينًا أنّ "أغلب المواد الموجودة في مسودة القانون المسربة قابلة للتأويل وغير مفهومة وهي تحتاج إلى توضيح صريح".

ووفقًا لكلام الدعمي، فإنّ جميع العراقيين متهمين بما ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أن "القانون لا يضع معايير خاصة للنشر"، مضيفًا أنّ "القانون في حال تشريعه من قبل مجلس النواب سيتسبب بأزمة كبيرة لدى الشارع".

ولاقت بنود وفقرات ومواد المسودة المسربة انتقادات واسعة، وكانت المادة السابعة أكثرها جدلًا، والتي نصّت على "عدم إفشاء أو تسريب الوثائق الرسمية أو ما يدور في الاجتماعات الرسمية السرية إلا بإذن خاص منها".

وحول هذه المادة من القانون، يرى الدعمي أنها "تحتاج إلى دراسة بشكل أعمق، كونها تعارض المادة 38 من الدستور العراقي"، لافتًا إلى أنّ "القانون لا يصلح ولا يطبق أي مبادئ لحرية التعبير والرأي في البلاد".

وتنص المادة 38 من الدستور العراقي الدائم لسنة 2005، على تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:

  • أولًا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.

  • ثانيًا: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.

  • ثالثًا: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.

دفاع قانوني عن اللائحة

لكنّ حديث الخبير القانون علي التميمي، جاء مغايرًا لما قاله الدعمي، قائلًا إنّ "هذه اللائحة مستمدة من مواد في الدستور العراقي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق العهد الدولي وتتكون من 35 مادة وهي بمثابة تعليمات تعمل على تنظيم وحماية حقوق الملكية الفكرية وحماية المجتمع من المستوى الهابط وحماية الطفولة والمرأة وفئات المجتمع الأخرى"، مشيرًا إلى أنها "استندت إلى قانون هيئة الاعلام والاتصالات 65 لسنة 2004 القسم الأول والخامس".

وأضاف التميمي لـ"ألترا عراق"، أنّ "اللائحة عملت على جمع مواد مبعثرة في قانون العقوبات وقوانين أخرى وهي جيدة كبديل مؤقت عن قانون الجرائم الالكترونية، ومن هذه الجرائم الابتزاز الالكتروني والسب والقذف وازدراء الأديان والجرائم الأمنية".

رأى صحفيون أن لائحة تنظيم المحتوى الرقمي المسربة جاءت لحماية ما يسمى بـ"الرموز السياسية" 

ويرى الخبير القانوني أنّ هذه اللائحة ستساعد في "تشذيب وتهذيب ما ينشر، فلا شيء سائب أو دون نظام وقواعد مع وجود الإنذارات والتنبيه الذي نصت عليه اللائحة في حالة المخالفة وضرورة إزالتها"، موضحًا أنّ "اللائحة تنص على أهمية الحصول على الموافقات لإنشاء المحتويات الرقمية من أجل فرض الرقابة على ما ينشر مع وجود غرامات تصل إلى مليون دينار على المخالفين". 

ويستطرد التميمي، في حديثه قائلًا إنّ "اللائحة تهدف إلى الحد من الجرائم والمستوى الهابط وحماية الملكية الفكرية والاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي وحماية شرائح المجتمع". 

لائحة ملغمة

وبينما وصف رئيس مرصد الحريات الصحفية زياد العجيلي، لائحة تنظيم المحتوى الرقمي المسربة بـ"الملغمة"، قال إنها "تحتوي على فقرات تعود لقوانين عديدة أبرزها (العقوبات، قانون مكافحة الإرهاب، قانون المنشورات، قانون البغاء لعام 1988 وغيرها)"، موضحًا أنّ "القانون هو عبارة عن حماية للرموز السياسية".

وتحتوي اللائحة على 36 مادة و17 فصلًا، بحسب العجيلي الذي قال إنها "عبارة عن قانون يجمع بين الأنظمة الديمقراطية وأنظمة حزب البعث، مبينًا أنّ "القانون في الظاهر يدعم حرية التعبير ويقدم الحماية للصحفيين والمحامين والعديد من الجهات الأخرى إلا أنه يدس فقرات قانونية سامة".

تنظيم المحتوى الرقمي

 

وتمنع اللائحة ـ والكلام للعجيلي ـ إنشاء حساب على مواقع التواصل الاجتماعي دون أخذ موافقة مسبقة من قبل هيئة الإعلام والاتصالات، مبينًا أنّ "الصفحات التي تمتلك معجبين يزيدون عن 25 ألف شخص مجبرين على دفع رسوم مقدارها 50 ألف دينار سنويًا ويزيد حسب أعداد المتابعين".   

ويعتبر رئيس مرصد الحريات الصحفية، بأنّ القانون يستهدف بالدرجة الرئيسة الصحفيين، لافتًا إلى وجود "مساع حقيقية لتمرير هذه اللائحة بشكل رسمي من قبل هيئة الإعلام والاتصالات وإرسالها لمجلس النواب للتصويت عليها".

رأى رئيس مرصد الحريات الصحفية أن لائحة تنظيم المحتوى الرقمي تضمنت فقرات قانونية سامة 

وفي شأن ليس بعيدًا، منعت هيئة الإعلام والاتصالات، يوم السبت الماضي، بث مسلسل معاوية وفيلم "أبو لؤلؤة"، بحجة أنهما يثيران النعرات الطائفية، فيما استجابت قناتي "MBC عراق"، و"الشعائر" لتوجيه الهيئة بعدم بث أي أعمال فنية تتناول موضوعات تاريخية جدلية، ومنها المسلسلان المذكوران.