لم تعد الحياة طبيعية كما أرادها رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي في إحدى خطاباته، فليل بغداد لم يعد آمنًا وطرقها صارت موحشة تتربص فيها عيون عناصر الأجهزة الاستخبارية وأفراد الرصد للجماعات المسلحة، وتراقب كل من تبدو عليه هيئة التظاهر بالإضافة إلى ناشطين محددين، بعد نحو ثلاثة أشهر على انطلاق الاحتجاجات التي صار الوضع فيها مساحة مفتوحة للخطف والاغتيالات والتغييب القسري.
الحياة الطبيعية
عملت الحكومة على تهيئة جميع العوامل التي من شأنها جعل الحياة "طبيعية" في بغداد، فغيرت خطة تأمين الاحتجاج من حيث القطوعات المؤدية إلى ساحة التحرير، عما كانت تعتمده في الاحتجاجات السابقة، وشنت حملات قمع كبيرة عندما توسع الاحتجاج باتجاه منطقة الشورجة التجارية.
بالإضافة إلى أجواء الرعب في العاصمة والمحافظات.. لكن الحياة لم تعد طبيعية منذ أن اعتلى القنّاص أسطح المباني وبدأ يغتال الشباب
لكن "حياتنا لم تعد طبيعية منذ اعتلى القناص أسطح البيانات وأخذ يغتال الشباب"، هكذا يصف حسن عباس أحد المتظاهرين في جسر السنك الوضع، قائلًا إن "عبدالمهدي خرج يطالب بعودة الحياة الطبيعية عقب حفلة الموت التي أقامتها القوات الأمنية بعد 25 تشرين الأول/أكتوبر، وكأن الحياة قبلها كانت طبيعية، فمنذ القنص والملاحقات الهادئة التي نفذتها جهات مجهولة دخل الناس في دوامة القلق والرعب".
اقرأ/ي أيضًا: من "القنّاص" إلى مرشح الحكومة.. القصة الكاملة لتحركات إيران ضد احتجاجات العراق
يضيف عباس في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "الكثيرين يحاولون أن يصوروا خروج الناس لقضاء حاجاتهم الأساسية باعتباره الحياة الطبيعية لهم"، مستدركًا: "لكن الحقيقة أن الخوف يسيطر على حركتهم ويحاولون اختزالها، خاصة فيما يتعلق بالمناطق المحيطة بساحات الاحتجاج"، لافتًا إلى أن "القوات الأمنية تفرض إجراءات شديدة في جانب الكرخ في محاولة لمنع أي احتجاجات أو مؤازرة، حيث تعتقل أي شخص يدعو إلى تجمع".
ليل ما بعد الأول من تشرين
منذ أكثر من 3 سنوات يعيش سكان بغداد ليلًا مختلف بعد أن رفع رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي حظر التجوال، والذي أعاد للمدينة روحها التي فقدتها بعد الاحتلال الأميركي 2003، حيث بدأت العوائل تتجول وتتبضع في ساعات متأخرة من الليل، لكن الليل بات مخيفًا ولا يختلف عن الأيام الأولى بعد الاحتلال، بعد أن أخذت سيارات الدفع الرباعي بلا لوحات تتجول في الشوارع بعد الجولة الأولى من الانتفاضة فيما دخلت الدراجات النارية على خط تنفيذ الاغتيالات، بحسب مواطنين.
تنتشر شبكات الرصد والمراقبة داخل ساحة التحرير، فيما تتولى مجاميع مهمة ملاحقة الأهداف خارج الساحة، بحسب أحد المتظاهرين، الذي يقول إن "المحتجين يدركون أن عناصر الاستخبارات يتوزعون عند الخيام ويصورون الجميع، خاصة بعد حديث خبير أمني مقرّب من الفصائل الإيرانية عن وجود نحو 3 آلاف عنصر أمني في الساحة"، لافتًا إلى أن "الأمر كان مقتصرًا في الأيام الأولى على تصوير النشطاء ومقدمي الدعم اللوجستي"، مستدركًا: "لكن بعد إقالة عبد المهدي تحولوا إلى الخطف والاغتيالات"، مشيرًا إلى أنهم "يؤدون عملهم بطريقة بدائية، ملابسهم وهيئتهم تميزهم بشكل واضح أنهم رجال أمن".
يرى "م.ن" وهو من ناشطي الاحتجاجات البارزين، أن "القوات الأمنية تبدي تراخيًا كبيرًا تجاه حماية ساحات الاحتجاج والنشطاء من خلال سماحها بشكل واضح للمسلحين بالتجول ودخول أي مكان بأسلحتهم وسياراتهم المظللة وبلا أرقام، بالإضافة إلى عدم جديتها في متابعة حالات الاختطاف، والكثير منها لا تحتاج إلى جهد كبير، مبينًا أنها "تعرف في بعض الأحيان الجهات الخاطفة وتتحفظ على فضحها، لتمارس فيما بعد مهمة ساعي البريد في إيصال المختطف إلى منزله بعد التوسط وإطلاق سراحه".
لا تصنعوا رمزًا
عشرات حالات الاختطاف والتغييب تعرض لها محتجون ونشطاء خلال الفترة الماضية، ولم تظهر تلك العمليات آليات الاختيار بشكل واضح، لكن العامل المشترك بين الضحايا أنهم لم يكونوا معروفين، فيما أطلق سراح بعضهم بعد ضغط إعلامي.
مصدر لـ"ألترا عراق": تقارير يومية ترفع بشكل دوري عن جميع تفاصيل الاحتجاجات والنشطاء فيها، وتعرض الخيارات المتاحة للتعامل معهم، سواء كان بالاغتيال أو الخطف أو خيارات أخرى
توكل مهام متابعة كل منطقة وتعقب ناشطيها إلى الجماعة المسلحة النشطة والمسيطرة فيها، بحسب "م.خ" الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، والذي يقول إن "هناك تباينًا واضحًا في أداء كل مجموعة مسلحة ويتعلق الأمر بمدى جديتهم في المواجهة وإيمانهم بعقائدية عملهم، فيما تعمل بعض الجماعات على الحفاظ على مكاسبها وعدم الانخراط بشكل يخلف سخط الشارع عليهم".
اقرأ/ي أيضًا: رعب "السيارة السوداء".. من يختطف الناشطين المتظاهرين ويغيبهم؟!
يضيف "م.خ" وهو من المطلعين على عمل المجاميع المسلحة، أن "تقارير يومية ترفع بشكل مباشر ودوري عن جميع التفاصيل المتعلّقة بالاحتجاجات والنشطاء فيها، بالإضافة إلى الأهداف والمجاميع المحددة وفقًا لها، وتعرض الخيارات المتاحة لمعالجتهم سواء كان الاغتيال أو الخطف أو خيارات أخرى".
لا تصنعوا رمزًا، هكذا يرد أحد قادة الفصائل على رفاقه عندما يقدمون اقتراحًا بشأن اغتيال أو اختطاف ناشط معروف أو إعلامي، بحسب "م.خ"، والذي يقول إن "مقتل صفاء السراي بالرغم من كونه لم يكن اغتيالًا مدبرًا، مثّل صدمة كبيرة لدوائر القرار في تلك المجاميع، حيث أجبرتهم الحملة الإعلامية التي غطت مقتله على إعادة تقديراتهم بشأن طرق التعامل مع النشطاء، وعدم تحولهم إلى رموز يزيدون من الزخم و التحشيد للانتفاضة".
اقرأ/ي أيضًا:
إخفاء النشطاء في العراق.. تبادل أدوار القمع!
إرهاب النشطاء وترويعهم.. ماذا تعرف عن مسلسل الهجرة العراقية الثالثة؟