الترا عراق - فريق التحرير
استبقت السلطات وحاشيتها من فصائل مسلحة احتجاجات الشبان المدوية بحملة "شيطنة"، لكنها لم تفلح في مواجهتها، فعمدت إلى العنف غير مسبوق، وفق منظمات مختصة ومشاهد موثقة، لكنها عادت بنتائج عكسية تمامًا لما تريده الجهات المسيطرة على الحكم.
طالت عمليات اختطاف وملاحقة واسعة ناشطين شاركوا في الاحتجاجات أو أعلنوا مساندتها فيما تنفي السلطات علاقتها بتلك العمليات
فمن مئات تظاهروا في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، قتل منهم شابان خلال الساعات الأولى، تحولت الاحتجاجات إلى موجة عارمة غاضبة، وتطورت معها أساليب العنف، لتصل إلى الاغتيالات والاختطاف والترويع، فضلًا عن ماكينة إعلامية لتصدير الاتهامات إلى المحتجين، أنيطت بالمتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة عبد الكريم خلف، والذي تحول إلى مادة دسمة لتندر العراقيين وسخريتهم عبر وسم "غرد مثل خلف"، عبر مواقع التواصل العراقية مؤخرًا.
ومن بغداد إلى محافظات الجنوب بل والأنبار غربًا، دارت مركبات سوداء، تختطف الناشطين المشاركين في التظاهرات أو المؤيدين لها فحسب. تقول السلطات إن من يرتكب تلك العمليات هي "جهات مجهولة"، وتبدي قلقها حيال ذلك كل يوم عبر بياناتها، لكن شهادات بعض الناشطين الذين أفرج عنهم مؤخرًا تؤكد أن السلطات هي من تقف خلفها.
جنوبي العاصمة، اختطفت الناشطة الشابة صبا المهداوي، ولم تفلح توسلات والدتها في إقناع الأجهزة الأمنية بالإفراج عن أشرطة المراقبة التي وثقت مشاهد الاختطاف، حيث اقتيدت إلى سيارة سوداء رباعية الدفع لا تحمل لوحات تسجيل، ثم اختفت في منطقة شرقي العاصمة، وفق شهادات ذويها.
اقرأ/ي أيضًا: مواجهة الاحتجاجات بحجب الإنترنت.. عراقيون يفقدون وظائفهم وخسائر فادحة!
مصير مشابه واجهه الناشط علي هاشم في العاصمة، فضلًا عن ناشطين كثر، جنوب البلاد، لا يزال أغلبهم مجهول المصير، فيما أفرج عن هاشم والمهداوي، يوم الأربعاء 13 تشرين الثاني/نوفمبر.
كل من مر بتلك التجربة، امتنع عن تقديم شهادته، كما هو الحال بالنسبة للناشط ميثم الحلو، بعد تهديدات شديدة تلقوها أثناء فترة الاحتجاز، وفق مصادر مقربة منهم، كما أجبر بعضهم على توقيع تعهدات بالكف عن المشاركة بالتظاهرات أو مساندتها أو التحريض على الاحتجاج، كما تشير منظمات دولية حقوقية.
لكن الناشط علي هاشم، كشف شيئًا من الغموض عن هوية الخاطفين ومركبتهم السوداء. قال هاشم في حديث متلفز، إن "جهة أمنية هي من اختطفته، وفق مذكرة اعتقال قضائية، بتهمة التحريض على العنف ضد القوات الأمنية التي تتولى مهمة تفريق المتظاهرين في بغداد".
كشفت شهادة الناشط علي هاشم أن جهة رسمية تقف وراء عمليات الاختطاف فيما وثقت مشاهدة مصورة حادثة اختطاف ضابط كبير عبر سيارات سوداء
ترتكب تلك القوات عمليات قتل مستمرة ضد المتظاهرين، وفق بيانات وإحصائيات رسمية، ويسقط أين ما حلت مئات الضحايا بالرصاص وقنابل الغاز، فيما لاتزال ساحة الخلاني شاهدة على تلك العمليات منذ أيام، بعد سقوط قتلى كثر حول جسور الشهداء والأحرار والسنك، لكن إعلام السلطة يتهم المتظاهرين بالعنف وتهديد حياة عناصر تلك القوات عبر "المنجنيق والدعابل".
يقول هاشم، إن "اعتقاله جرى قريبًا من ساحة التحرير، واحتجز عدة أيام تعرض خلالها لتحقيقات مستمرة ومتكررة، على مدى أربعة أيام، قبل أن تسمح له الجهة الأمنية بإجراء اتصال هاتفي واحد".
اشترطت تلك الجهة، أن لا يذكر هاشم أي شيء عن طبيعة اعتقاله أو مكانه خلال تلك المكالمة، فيما يقول إنه استثمرها للاتصال بأحد أصدقائه الذين لهم علاقات بمسؤولين نافذين بالدولة، بهدف التعجيل بإطلاق سراحه.
كما يقول إنه نجا بأعجوبة، إذا ترقى التهم التي وجهت إليه والتي تدور حول التحريض على ضرب القوات الأمنية بقناني المولوتوف و"المصيادات"، إلى الإرهاب، موضحًا أن إطلاق سراحه جرى وفق كفالة قانونية.
أما أسرة صبا المهداوي، فرفضت بشدة الإدلاء بأي تعليق عن ملابسات اختطافها، والتي يبدو أن ذات الجهة صاحبة السيارة السوداء تقف خلفها.
مشاهد مصورة كشفت عن تلك "المركبات المرعبة"، حيث وثقت حادثة اختطاف مدير المعهد العالي في وزارة الداخلية، اللواء ياسر عبد الجبار، إذ حوصرت سيارته في العاصمة، واقتيد إلى واحدة من ثلاث مركبات سوداء رباعية الدفع ثم اختفى.
اقرأ/ي أيضًا: منظمة العفو تكتشف "قنابل إيرانية" في رؤوس المتظاهرين العراقيين!
يقول مصدر أمني رفيع، إن الجهة المسؤولة عن تلك العمليات هي جهاز الأمن الوطني، الذي يديره رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، المقرب من طهران، وأحد أبرز من أطلق تهديدات بقمع التظاهرات والمساندين لها، في مؤتمر صحافي عقده مباشرة عقب عودته من واشنطن، وقال فيه إنه يعرف الأطراف المؤججة للاحتجاجات وسيلاحقها ويبطش بها "وفق القانون"، على حد تعبيره.
يقول مصدر إن جهاز الأمن الوطني بقيادة فالح الفياض يقف وراء عمليات الاختطاف التي تنكرها السلطة
يضيف المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أن "الفياض يستغل الجهاز لتنفيذ عمليات مراقبة وملاحقة المتظاهرين واعتقالهم، وفق مذكرات قبض، تصدر لاحقًا من القضاء، ويتم التعتيم تمامًا على تلك العمليات، لتجنب أي مساءلة قانونية في حال تم تعذيب المعتقلين أو قتلهم ربما".
وتشير شهادات إلى أن سيارة من ذات النوع، كان يستقلها أفراد مسلحون فتحوا نيرانهم نحو الناشط في الاحتجاجات، أمجد الدهامات، في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان، ليردوه قتيلًا، فيما أصيب زميله بجروح بالغة، على مسافة 500 متر فقط من مركز الشرطة الرئيسي في المدينة.
اقرأ/ي أيضًا:
مئذنة الخلاني تشهد "موقعة السنك".. صدور المتظاهرين تصد الرصاص عن التحرير!
رايتس ووتش: على الأمم المتحدة التركيز على مقتل المتظاهرين في العراق!