بسياراتهم التي تسير ببطء غالبًا، ثم تصطف قرب نهر دجلة هنا، أو فوق جسر هناك، يهرب العشاق من المضايقات والفضائح لقضاء مواعيدهم الغرامية، متنقلين بين شوارع العاصمة بحثًا عن الهدوء وقليل من الخصوصية، بعيدًا عن المطاعم والكافيهات المكلفة.
ينتظر العشّاق انجلاء أزمة الاختناقات المرورية عصرًا أو العطل الرسمية لبدء جولتهم بين أحياء العاصمة في سياراتهم
منذ ساعات الصباح الأولى ومع بدء اختناقها المروري، وقلة الأماكن العامّة والمساحات الخضراء، تبدو العاصمة بغداد مثل سوق صاخب، لا تهدأ الضوضاء فيه إلا مع منتصف الليل، وتعد على الأصابع أماكن الهدوء والتنزه العائلي فيها، بينما تنعدم الأماكن الملائمة للمواعيد العاطفية، وإن توفرت، فهي "ملغومة" برجال الأمن، الأمر الذي جعل السيارات مكانًا آمنًا لتلك المواعيد!.
"أزمة مكان"
استطلع "ألترا عراق" بعض آراء الشباب في العاصمة بغداد، حول الأماكن التي يفضّلونها لقضاء مواعيدهم العاطفية، فأتضح أن قسمًا كبيرًا منهم يفضّل قضاء الوقت داخل "السيّارة" متجولًا بشوارع بغداد، أو بركنها في شارع يسهل التحرّك منه، إن طلب أحد رجال الأمن ذلك، معلّلين السب بأن لا مكان عام يخلو من المضايقات المختلفة، لأي اثنين يقضيان بعض الوقت معًا.
اقرأ/ي أيضًا: عيد الحب "البيتي" في الموصل.. الحمدانية وحدها تحتفل
يقول الشاب "ع.أ"، الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب اجتماعية، إن "قلة الأماكن الترفيهية الهادئة في بغداد كانت تدفعني غالبًا لقضاء بعض الوقت مع خطيبتي في حديقة عامّة، حتى بت أتعرّض لمضايقات رجال الأمن تارة، والشباب الطائش تارةً أخرى"، مبينًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "رجال الأمن وطلبهم بطاقاتنا الشخصية وكثرة الأسئلة في كل مرّة، بات يحرجني من اللقاء في الحدائق العامّة، فضلًا عن خشيتي من الدخول بشجار مع بعض الشباب المتحرّش، الذين يجوبون الحدائق يوميًا، فانتهيت لتفضيلي اللقاء داخل سيارتي، أجوب الشوارع في المدن الهادئة".
فيما يرى الشاب "حسين محمد"، أن "وقوع أغلب الشباب ضحايا لتلك الحالات، أدّى لبروز مصطلح "أزمة مكان"، تعبيرًا منهم عن غياب الأماكن العامة الهادئة، التي تسمح بقضاء بعض الوقت هربًا من ضغوط العمل وضجيج الشوارع المزدحمة، من دون عراقيل أو منغصّات" مضيفًا أن "المصطلح صار نافذة للسخرية حيث ما إن تسأل الشاب عن أحواله يقول لك "أزمة مكان".
أضاف محمد لـ"ألترا عراق"، أن "السيارة وعلى صغر حجمها، باتت مكانًا آمنًا بالنسبة للكثيرين وأنا منهم، تجنبًا لتلك المضايقات، لحين حل "أزمة المكان" وتوفير أماكن عامّة مثالية تسمح بقضاء بعض الوقت فيها".
مصيدة العشاق!
تحتوي العاصمة بغداد على عدد من الأماكن العامّة المشهورة، وعلى قلّتها، صارت لقاءات العوائل العراقية فيها لقضاء الوقت، لا سيما أثناء المناسبات والأعياد، وأشهرها حدائق "أبي نواس" على ضفاف نهر دجلة، ومتنزه الزوراء، والجزيرة السياحية، شمالي العاصمة، والتي يتواجد فيها عناصر الأمن بكثافة، لاستقبالها آلاف الزوار سنويًا، لكنها تتحوّل إلى "مصائد" للعشاق خلال الأيام الخالية من المناسبات، وأعداد الزائرين القليلة.
قلّة الأماكن الترفيهية الهادئة في بغداد إضافة للمضايقات الأمنية التي يتعرضون لها في الحدائق العامّة تدفع الشباب لقضاء مواعيدهم في "السيارة"
يؤكد الشاب "م.س"، على أن "الجزيرة السياحية، ونادي الفروسية، شمالي ووسط بغداد، من أكثر الأماكن التي تشهدا ابتزازًا للشباب الذين يقضون بعض الوقت للترفيه عن النفس"، مبينًا أن "عناصر الأمن يجوبون المكان على اتساعه ليرصدوا من فيه، فيبادروا بالتوجه إلى أي اثنين وابتزازهم، أو مضايقتهم، بحجّة تطبيق القانون، ومنع الحالات غير الأخلاقية".
اقرأ/ي أيضًا: في عيد الحب.. المرجع اليعقوبي يطالب بتفعيل قانون "قدسية" النجف
أضاف في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنني "تعرضت لابتزار مالي بعد تهديدي بالاعتقال بسبب تجاوزي على الأخلاق العامّة، التي لم أكن أتجاوز منها شيئًا في أحد المتنزهات، وتم تركي بعد دفع المال، لكن بشق الأنفس"، لافتًا إلى أنه "منذ مدّة ليست بقصيرة لم ألتق مع حبيبتي إلا في السيارة، نجوب شوارع العاصمة، أو أرصف السيارة في مكان قليل الحركة، تجنبًا من مواجهة لغم أمني في إحدى الحدائق العامّة، التي باتت تشبه المصائد".
"التشهير" لا يأتي من أربعة أبواب
يرى "ح.ف" أن "أغلب الأفراد داخل المجتمع، ينظرون بعين الريبة للكثير من "الزمالات" البريئة، وحالات الارتباط العاطفي بين أي اثنين، وقد تدفع الغيرة وأصحاب النفوس المريضة إلى التشهير، الذي لا يكلّف سوى حساب وهمي بمواقع التواصل الاجتماعي سريعة الإنتشار والتصديق".
أضاف، أن "خيار اللقاء والتجوال في السيارة لأي اثنين، والذي لا يتعدى المزاح والملاطفة، يعطي مؤشرًا أكثر أمانًا للفتيات، فهي تركب سيارة، لا يمكن لأحد يبطن السوء رصدها أو اللحاق بها"، مبينًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الفتيات ولكثرة التشهير بمواقع التواصل الإجتماعي والقيود الاجتماعية الأخرى، أصبحن يفضلن اللقاء في سيارة على مكان عام محفوف بالمخاطر، إن لم تتضايق من رجل أمن فقد تلتقط لها صورة دون أن تعلم، لتجدها بمواقع التواصل ما يعرّضها إلى مسائلة عشائرية جسيمة".
الشرطة المجتمعية: لا نراقب أخلاق الآخرين
من جانبه يقول مدير الشرطة المجتمعية، العميد خالد المحنه لـ"ألترا عراق"، إن "هناك تعاريف مغلوطة عن الشرطة المجتمعية، فكثير من المواطنين يعتقدون أن الشرطة جهاز يراقب الآداب والأسرار، وهذا ليس دورنا"، موضحًا أن "أدوارنا عميقة جدًا، تتمثل بنزع الجريمة عن المجتمع وتحصين الفرد والبحث عن أسباب الظواهر السلبية للحد منها وليس كما يعتقد البعض، تقييد الحريات".
أدوار الشرطة المجتمعية تتمثل بنزع الجريمة عن المجتمع وتحصين الفرد وليس تقييد الحريات أو مراقبة أخلاق الآخرين
أشار المحنه إلى أن "عناصر الشرطة المجتمعية يبرز دورهم في المناسبات والاحتفالات الكبرى لمنع حالات التحرّش الجماعي، والتوعية من مخاطرها على المجتمع العراقي"، نافيًا أي دور لـ"عناصره في رصد الشباب بالأماكن العامة، أو مراقبة سلوك الأفراد وأخلاقهم، مستدركًا "قد تكون حالات التدخل من قبل رجال أمن آخرين تابعين لأجهزة أمنية أخرى".
اقرأ/ي أيضًا:
ظاهرة "العطواني" تثير شبهات "المثلية" في مدينة الصدر.. من هؤلاء وأين العروس؟