21-سبتمبر-2022
حملة الشهادات

تعيينات مجلس الخدمة الاتحادي في الميزان (فيسبوك)

في ظل سعي مؤسسات الحكومة العراقية إلى لملمة أجيال من الطاقات والخبرات التي أُهدرت بفعل تعاقب الأزمات على المجتمع، ومحاولة إنقاذ المؤسسات بالاستفادة من خبرات تلك العقول في بناء الدولة وتصحيح مسار المؤسسات؛ لا زال العراق  في غيبوبة الفوضى التنظيمية التي لازمت عرقلة أي خطة للتصحيح.

كشف تأسيس مجلس الخدمة الاتحادية عن ضعف قدرة الوزارات على إدارة مؤسسات الدولة بعد 2003

إن محاولة الإدارة الحكومية وضع إصلاحات للاستفادة من المتميزين الأوائل وحملة الشهادات العليا بزجهم ضمن المؤسسات وفق قانون تشغيل حملة الشهادات العليا رقم 59 لسنة 2017م, وقانون 67 الذي يشمل الطلبة الثلاثة الأوائل، يعد خطة تطويرية مهمة افتقدها العراق لعقود من الزمن، أوقعت المؤسسات الاجتماعية بين أيدي الأمية, والأمية المقنعة، ممن تسلقوا إلى المؤسسات بتأثير تزكيات الأحزاب وفساد الأنظمة السياسية المتعاقبة.

تعيينات مجلس الخدمة الاتحادي في الميزان

على خطى ذلك، اتجهت الدولة العراقية صوب استحداث مجلس لإدارة عمليات التوظيف أُطلق عليه (مجلس الخدمة الاتحادي)، في خطوة لتحقيق النزاهة والموضوعية في عملية التوظيف وتجاوز سيطرة الأحزاب السياسية على الوزارات، وبلا شك لم يخلو ذلك الإجراء من تعقيدات وتدخلات سياسية، إلى جانب معوقات تنظيمية خاملة كشفت وهن الوزارات المتعاقبة وضعف قدرتها على إدارة مؤسسات الدولة طيلة مدد حكم الأحزاب الديمقراطية بعد عام 2003.

من أبرز تلك التعقيدات، هي مراوغة المؤسسات ومطاولتها في إرسال الاحتياجات الوظيفية إلى مجلس الخدمة الاتحادي كوسيلة ضغط ورفض ضمني، ورغبة غير صريحة من الوزارات ومؤسساتها من أجل إدارة داخلية لتلك الوظائف، بما يخدم أهداف الحزب ومصالحه السياسية؛ إلى جانب انعدام الدقة والضبط التام لبيانات الخريجين من كلتا الفئتين, إذ برزت العديد من الأخطاء التنظيمية والتقنية.

إن عدد حملة الشهادات (دبلوم عالي، ماجستير، دكتوراه) بلغ 33,861 شخصًا، وعدد حملة الشهادات المستبعدين وفق آلية التقاطع الوظيفي (دبلوم عالي، ماجستير، دكتوراه) بلغ 45,690 شخصًا، يضاف إليه عدد الثلاثة الأوائل (دبلوم ، بكالوريوس) وقد بلغ 39,051 شخصًا، وعدد المستبعدين منهم (دبلوم، بكالوريوس) بلغ 24،421 شخصًا.

تراوغ مؤسسات الدولة في إرسال الاحتياجات الوظيفية رغبة بإدارة داخلية لمصلحة الحزب ومصالحه السياسية

بناءً على تركيز مؤسس علم الاجتماع الحديث العالم الأمريكي روبرت ميرتون، على مقتضيات وضرورات نجاح المؤسسات، ينبغي أن تكون أهم مآخذ المجلس في إدارة تلك العملية، وهي المشاعية والعمومية، والنزاهة والشك المنظم.

إذ تمثل المشاعية: أن تمنح تلك الحقوق وتشاع لأصحاب الأولوية، وأن يتشارك بحق التعيين بإنصاف كجزء لا يتجزأ من النزاهة ونجاح العملية الأكبر على مستوى التوظيف.

بينما نجد في العمومية: أن يَخضع جميع المرشحين بالأحقية لنفس المعايير، لا أن تتعارض بيانات البعض مع المعايير، وتتجاوز بيانات الآخرين.

أما النزاهة: تعمل كافة المؤسسات المشتركة لصالح البناء الاجتماعي العام وخدمة للمجتمع، من مبدأ الانضباط المؤسسي، والنزاهة العامة والفردية، وأن لا يقع نزاع نفسي، الهدف منه تبني منفعة خاصة. فالانضباط المؤسسي يتطلب أمانة والتزام ورقابة مهنية، إذ لم يتحقق إذا ما أوقع تضارب في البيانات. والنزاهة الشخصية، تتطلب احترام حقوق الآخرين وعدم التجاوز عليها.

وبالتالي الشك المنظم: أي أن تكون البيانات عرضة للتدقيق والمراقبة والانتقاد، وأن يتم التعامل مع تسويف الحقائق والتثعلب على الضوابط المؤسساتية وفق القانون.

ركّز العالم الاجتماعي روبرت ميرتون على نجاح المؤسسات عبر المشاعية والعمومية والنزاهة والشك المنظم

على هدى ذلك ووفق استطلاع رأي أجري على مواقع التواصل الاجتماعي لإحصاء مشكلات حملة الشهادات العليا والأوائل, تبين أن عملية التوظيف وفق هذين القانونين، أفرزت جملة من الأخطاء التنظيمية، من أبرزها:

  1. عدم ظهور تقاطع وظيفي لإعداد كبيرة من حملة الشهادات العليا والأوائل، على الرغم من انتسابهم بصفة وظيفية لمختلف الوزارات وعملهم ضمن المؤسسات بحدود الخمس سنوات، وفق استطلاع إلكتروني أجراه تجمع وطن لدعم حملة الشهادات العليا والأوائل على مواقع التواصل الاجتماعي،  لتحديد أبرز المشكلات والأخطاء، التي شابت هذه العملية.
  2. شمول من باسمه راتب تقاعدي لذويه بالتقاطع، وهذا إجراء إداري غير عمومي، يظلم حق العديد من الخبرات والطاقات من أصحاب الشهادات والتميز، لأن من منهم لديه راتب تقاعدي لغرض إعانة الأسرة، ويمثل مبلغًا قليلًا، و غير مبرر إضاعة تلك الخبرات بمثل هكذا إجراء غير منصف.
  3. هناك أعداد كبيرة ممن يمتلكون أكثر من شهادة (ضمن أوائل شهادة البكالوريوس، و شهادة عليا)، ظهر لديهم تقاطع وظيفي في شهادة ولم يظهر في الأخرى، بذلك يتعارض هذا التناقض مع مقتضيات النزاهة، ويمكن أن ننسبه لتسويف وتأثير يحصل داخل الوزارات.
  4. هناك العديد ممن يمتلكون عقود، لكن لم تظهر أسمائهم ضمن التقاطع الوظيفي, الذي أَجري بقطع بياناتهم مع بيانات وزارة المالية, وما يدل على تخبط مؤسسات الدولة وضعف مركزيتها, ومؤشر لوجود هدر مالي داخل المؤسسات.

أدت فوضى النظم إلى اختلالات قيمية أفرزت سلوكيات نفعية انتهازية وتنافسًا قائمًا على الأنانية

​​​​​ في خضم التحولات المجتمعية التي انبرت على المجتمع العراقي، لحقت بفوضى النظم اختلالات قيمية، انعدمت شيئًا فشيئًا التزامات المواطنة، مما افرزت سلوكيات نفعية انتهازية، وتنافسًا قائمًا على الأنانية وتخلخل القيم الروحية والأخلاقية، ومن مظاهر ذلك الخلل:

  1. رغبة الأفراد ممن لديهم عقود وارتباطات وظيفية لم تظهر في التقاطع الوظيفي بسبب الأخطاء التنظيمية وعدم دقة البيانات، للتقديم من جديد على الدرجات المستحدثة لحملة الشهادات العليا والأوائل، وهذا الفعل تنافسي منفعي انتهازي، يضايق أصحاب الحق في التعيين، ويزيد من أعداد المشمولين وبذلك يدخل المجلس والوزارات في دوامة سد فراغ وفتح آخر في مكان ثان.
  2. بناءً على ملاحظة ردود فعل المعنيين، تبين هناك العديد ممن يمتلكون عقود وزارية، اعترضوا بطريقة رسمية، على أنهم قد استقالوا مسبقًا من وزاراتهم، محاولة  لتسويف الأمر وانتهاز فرصة للتعيين من جديد.
  3. يرى البعض منهم أنه إجراء تعسفي بحقهم، وأن التوظيف يجب أن يشمل الجميع حتى من يمتلك عقدًا وزاريًا، وهو إدعاء منفعي خالص، لا سيما وأنهم يستلمون رواتب شهرية وضمنوا جميع مستحقاتهم.

​​​​​​​إن الاضطراب الذي يصيب النظام الاجتماعي, يحصل وفقًا لنظرية ميرتون عندما تتعارض الأهداف مع الوسائل، بالشكل الذي لا يحقق الفائدة لكل أفراد المجتمع, وبذلك يحدث شكل من أشكال الانحراف عن القيم والمعايير الاجتماعية.

ونلتمس من ذلك، أن تراكم الأخطاء التنظيمية في ظل اختلال القيم الاجتماعية, ممكن أن ينذر بانحلال أخلاقي معياري، في حال حصل إقصاء أو تعارض لأهداف الفئات المستحقة وفق القانون ممن ليس لديهم أي تقاطع, بالتالي تنتشر مظاهر الفساد والرشوة بين جانبي الحضن (انعدام التنظيم وشيوع القيم النفعية الخاصة).