24-مارس-2022

80 مليار دولار سنويًا (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير 

لا تنفك التوقعات والتحذيرات من الحديث عن ضرورة تقليل اعتماد العراق على النفط وإيجاد بدائل أخرى كمصدر لإيراداته السنوية، باعتماد يفوق الـ95% لتوفير إيراداته ومصاريفه، وهو ما يجعل اقتصاد العراق رهينةً لتقلبات سوق النفط والطلب العالمي عليه وإرباك الأزمات العالمية، فيما يقود هذا الحديث إلى التساؤل عن حقيقة وجود ما يمكّن العراق من تحقيق إيرادات تضاهي ما يحصل عليه من النفط.

العراق هو المرشح الأكثر تضررًا في حال تراجع الطلب على النفط

ويبلغ متوسط الإيرادات السنوية التي يحتاجها العراق لتحقيق موازنة انفاقية جيدة على المصاريف التشغيلية والاستثمارية، قرابة 90 مليار دولار سنويًا يحقق معظمها من بيع النفط الخام، حيث يصدر العراق سنويًا أكثر من مليار برميل من النفط الخام، ويتحكم سعر البرميل بكمية الإيرادات السنوية للعراق.

اقرأ/ي أيضًا: نفط العراق أمام "تهديد وجودي".. وسومو ترفض خيارات تجنب الخسارة الكبيرة

ولا تنبع خطورة الاعتماد على النفط بشكل كامل كمصدر للإيرادات من كون النفط عرضة للتقلبات العالمية والأسرع تأثرًا بالأزمات فقط، بل يتعدّى الخطر إلى ما يضمره المستقبل من تقليل الاعتماد على النفط، وتراجع الطلب عليه كما يحذّر الخبراء، ولا سيما في قطاع النقل الذي يستهلك نحو 60% من إنتاج النفط العالمي.

وفي نطاق أضيق، فإنّ العراق هو المرشح الأكثر تضررًا في حال تراجع الطلب على النفط، حيث تشير التوقعات إلى أنه في حال تراجع الطلب العالمي على النفط إلى النصف على سبيل المثال، فهذا التراجع لن يقسم بالتساوي على جميع الدول المنتجة، بل قد يذهب المستهلكون إلى سد حاجاتهم البسيطة من النفط الخام من المصدرين الأكثر منافسةً للعراق، وتجاهل شراء النفط العراقي، كما يشير وزير النفط إحسان عبد الجبار في إحدى الندوات المتعلّقة بالطاقة.

ومن هنا، تطرح التساؤلات عن "ما هي القطاعات التي من الممكن أن تحل محل النفط أو تساهم على الأقل بتوفير نصف إيرادات العراق بدلًا من النفط؟"، فضلًا عن ما إذا كان العراق يمتلك بالفعل إمكانيات ومجالات من الممكن أن توفر له على الأقل 40 مليار دولار سنويًا لتساهم بنسبة 50% مع النفط في تحقيق الإيرادات المطلوبة؟

وأول ما يتبادر إلى الأذهان بهذا الصدد، هو قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة، ومن المفترض أن العراق يمتلك الموارد والمواد الأولية والعناصر الرئيسية لإنجاح هذه القطاعات وتحقيق إيرادات مالية كبيرة.

سياحة وزراعة وصناعة

على صعيد السياحة، فإنّ السياحة الدينية هي الأكثر شيوعًا من باقي الأشكال السياحية في العراق وسط الإهمال المستمر لهذا القطاع من قبل الحكومات المتعاقبة وعدم التسويق والاهتمام بالأماكن الأثرية والسياحية المختلفة، لذلك أنّ عائدات العراق من السياحة سنويًا قد لا تتجاوز المليار دولار.

وعلى افتراض أن تدخل السياحة للعراق 10 مليار دولار سنويًا على الأقل لتساهم جنبًا إلى جنب مع باقي القطاعات في تقليل الاعتماد على النفط، فإنّ العراق يحتاج لدخول قرابة 200 مليون سائح سنويًا أو أكثر من 5 آلاف سائح يوميًا لمختلف المحافظات والمناطق السياحية، باحتساب سعر تأشيرة الدخول المحددة من العراق بـ50 دولارًا للفرد الواحد، هذا عدا ما يتم صرفه من قبل السائحين في الأسواق العراقية وقطاع الخدمات ما يساهم بزيادة النشاط التجاري.

أما فيما يتعلّق بالزراعة، فلدى العراق قدرة تصديرية لبعض المحاصيل ولا سيما المحاصيل الاستراتيجية كالحنطة والشعير والرز والتمور، إلا أنّ التراجع المستمر بكميات المياه الواردة للعراق، والتي يتوقع أن تتعمق أكثر خلال السنوات المقبلة، تجعل العراق غير قادر على سد احتياجاته حتى من هذه المواد، وهو ما يصعّب الحديث عن إمكانية الحصول على عائدات مالية "مليارية" من هذا القطاع وفق المعطيات الحالية.

قطاعات تحتاج لأموال ضخمة

يقول الخبير الاقتصادي والاستشاري في التنمية الصناعية والاستثمار عامر الجواهري، إنّ "العراق يحتاج لنهضة كبيرة عبر استثمارات في القطاع الصناعي والزراعي والسياحي قبل الحديث عن إمكانية تحقيقها إيرادات مالية تساهم مع عائدات النفط بتمويل الموازنة".

وحول الصناعة، يشير الجواهري في حديثه لـ"ألترا عراق" إلى أنّ "هناك منشآت متدهورة في القطاع الصناعي الحكومي، فضلاً عن القطاع الخاص والقطاع المختلط"، مشيرًا إلى أنّ "الأمر لايقتصر على دعم هذه الصناعات وإعادة إحيائها، بل بالطلب على منتجات هذه المنشآت والقدرة على تسويقها".

وفيما يخص القطاع الزراعي، فإنّ العراق وبمجرد تمكّنه ـ والكلام للجواهري ـ من سد حاجته المحلية من زراعته وايقاف الاستيراد فهو بحد ذاته يعتبر نجاحًا ومساهمة جيدة للزراعة في توفير الأموال بدلًا من تبديدها في الاستيراد، مبينًا أنّ "القطاع الزراعي يمكن أن يدر إيرادات مالية كثيرة، ولكنه يتطلب استثمارات أجنبية ومحلية يمكن أن تستهدف تصدير المنتجات، فنجاح القطاع الزراعي بهذا الصدد يحتاج إلى مشاريع استثمارية لتوفير الماء والكهرباء والبنى التحتية وتحسين أساليب الإرواء وتوفير المضخات لإنجاح المشاريع الزراعة".

نسبة مساهمة القطاع العام في الإيرادات باستثناء النفط قد لا تتعدى 2 ترليون دينار سنويًا فقط

ولا تختلف السياحة عن القطاعات الأخرى بحسب الجواهري، فهي "بحاجة إلى أموال ضخمة لإعادة تأهيلها وجعلها قادرة على جذب السائحين، وذلك عبر توفير البنى التحتية والنقل والاتصالات وتطوير الأماكن التراثية".

اقرأ/ي أيضًا: السياحة في ذي قار.. أماكن ملهمة تنكسر جاذبيتها بغياب الخدمات والأمن

ويقترح الجواهري أن تعمل كل محافظة على تطوير إمكانياتها الاقتصادية منفردة عبر "مجلس تنمية وإعمار خاص بها ويقوم باستثمار ميزة المحافظة سواء سياحية أو صناعية أو زراعية، وبحسب العناصر المتوفرة فيها، مشيرًا إلى أنّ "أي تطوير في إمكانيات المحافظات واقتصادها سيكون عائده للدولة ككل".

الخطوة الأولى: إبعاد القطاعات من يد الدولة

ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي نبيل العلي، أنّ "كلمة السر" في جعل هذه القطاعات منتجة وتدخل إيرادات للدولة، هو بإبعادها من يد الدولة.

ويقول العلي في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "العراق يمتلك المقومات والعوامل لتقليل اعتماده على الواردات والعوائد النفطية كمصدر رئيسي وشبه وحيد للإيرادات، من خلال تبنيه استراتيجيات تنمية القطاعات الأخرى المعطلة"، مشيرًا إلى أنّ "الإيرادات النفطية تساهم بتسريع نمو القطاعات الأخرى باعتبارها توفر رأس المال الوفير للشروع بتنفيذ مشاريع على مختلف الأصعدة التنموية".

وأضاف أنه "إذا أمعنا النظر بهيكل الاقتصاد العراقي للدولة، فيمكن القول إنّ الاقتصاد العراقي هو اقتصاد تهيمن الدولة عليه وتحتكر أغلب قطاعاته، فقطاع النقل والطاقة والخدمات العامة (كهرباء ماء والخدمات البلدية) كذلك قطاع الموارد الطبيعية والمعادن، والعديد من القطاعات الأخرى التي تهيمن الدولة العراقية على أغلب أنشطتها الاقتصادية دون استثمارها أو تفعيلها وحتى دون إتاحة الفرصة للقطاع الخاص للاستفادة منها".

وتابع: "كذلك الشركات العامة للدولة، التي تزيد عن 70 شركة، 250 معملًا، أغلبها شركات معطلة وقد تنفق الدولة وتغذي إنفاقها الخاسر دوريًا، دون أن تكون هناك أي خطة أو استراتيجية لإيقاف هذا النزيف المالي المستمر والمعزز بالفساد". 

كيف يمكن توفير النفقات؟ 

يشير العلي إلى أنّ "الإنفاق التشغيلي للدولة والذي هو بقرابة 60 مليار دولار سنويًا (90 ترليون دينار) من المهم إعادة النظر بحجمه وتحليله، حيث أن معظم هذا المبلغ يذهب على شكل إنفاق رواتب الموظفين بواقع 45 ترليون دينار سنويًا لرواتب موظفي الدولة والقطاع العام الذي من المفترض أن يكون ربحيًا، فضلًا عن 16 إلى 18 ترليون دينار تذهب إلى رواتب الرعايا الاجتماعية والمتقاعدين، والمبلغ المتبقي هو النفقات التشغيلية والاستهلاكية الأخرى". 

وفي البدء ـ والكلام للعلي ـ ينبغي إعادة النظر بـ"سلم الرواتب وتقليل الرواتب العالية للرئاسات وبعض الوزارات بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، ثم توجيه وإصلاح شركات القطاع العام لتكون إنتاجية بدل بقاءها خاسرة محملة الدولة نتائج سوء إداراتها، والسعي لتقليل وتقنين الإنفاق لما يقارب 10 - 20%".

إنّ نسبة مساهمة القطاع العام في الإيرادات باستثناء النفط قد لا تتعدى 2 ترليون دينار سنويًا فقط وفقًا للعلي الذي يلفت إلى أنّ "الحكومات تركز على جباية الضرائب والرسوم لزيادة إيراداتها غير النفطية متناسية ومتجاهلة أهمية القطاع العام وتنميته لإرفاد موازنات الدولة بإيرادات قد تتعدى 50 ترليون دينار إذا ما استثمرت بطريقة صحيحة".

الزراعة لا تؤثر بإيرادات الدولة.. والسياحة مرشحة لأن تكون بالقمة

لا يمكن أن تكون الزراعة مصدرًا لتوفير إيرادات مالية كبيرة للدولة بحسب العلي الذي يشير إلى أنّ "الزراعة في العراق تدار فيها الأراضي من قبل الفلاحيين والمزارعين، ونجاح الزراعة قد يعود على مؤشرات الاقتصاد الكلي في الميزان التجاري أو ميزان المدفوعات، إلا أنّ اقتصاد الحكومة قد لا تتأثر إيراداته بنمو القطاع الزراعي من عدمه".

أما السياحة، فيرى العلي أنها "ممكن أن تكون في قمة الهرم الاقتصادي، بعد اكتمال حلقات الاقتصاد الأخرى، أو ضمان الاستقرار الأمني والاقتصادي"، أما الصناعة فيؤكد العلي أنّ "نجاحها مرتبط بإطلاق يد القطاع الخاص وسحبه من يد الدولة واحتكارها لهذه القطاعات".

وحول إمكانية أن تستثمر الدولة الأموال في خارج العراق، كالأندية الرياضية أو شراء حصص في شركات عالمية بمجال الالكترونيات وغيرها، يعتبر العلي أنّ "الأجدر أن تستثمر الدولة الأموال في داخل العراق أولًا مع وجود مئات القطاعات الممكنة للاستثمار".

تتجاهل الحكومات أهمية القطاع العام وتنميته لإرفاد موازنات الدولة بإيرادات قد تتعدى 50 ترليون دينار إذا ما استثمرت بطريقة صحيحة

وبالمحصلة، يتفق الخبراء على أن مقومات بدائل النفط غير جاهزة تمامًا لتحقيق إيرادات ضخمة تعادل ما يحتاجه العراق سنويًا لمصاريفه، وتحتاج إلى الكثير من العمل والأموال للإنفاق عليها بطريقة تمكنها من أن تدر للعراق على الأقل نصف ما يدره النفط من أموال، وهو ما يجعل مستقبل البلاد في حال تذبذب أسعار النفط أو انخفاضها قاتمًا أو لا يبشر بخير على ما يبدو. 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"اقتصاد العنف".. إحصائية رسمية تكشف حجم أموال العراق المنهوبة

النظام العراقي: المزيد من النفخ في القربة المخرومة