27-يوليو-2019

يمثل المشروع "ضربةً" لميناء الفاو الكبير الذي يوفر وظائف لـ 70% من كفاءات البصرة (Getty)

الترا عراق - فريق التحرير

تحاول إيران جاهدة إيجاد متنفس اقتصادي ومنافذ لكسر الحصار الخانق الذي تفرضه عليها الولايات المتحدة الأمريكية عبر "حلفائها" كما تصفهم ومنهم العراق، بالتزامن مع تحركاتها الأخرى المتعلقة بالصراع الذي تشهده منطقة الخليج على فرض الوجود والنفوذ، على حساب اقتصاد البلاد الذي يشهد الكثير من الأزمات.

كشفت إيران عن أولى محطات مشروعها الحديدي للارتباط بالعراق وسوريا بقيمة 150 مليون دولار وعلى طول 32 كيلومترًا إلى البصرة

من بين تلك المحاولات مشروع كشفت عنه طهران مؤخرًا، وسط تكتم شديد من قبل الحكومة في بغداد، يتمثل بمشروع خط سكة حديد تربط محافظة البصرة بإيران، عبر منذ الشلامجة الحدودي بتمويل إيراني بعد موافقة الحكومة العراقية، وهو ما يشير مختصون إلى ضرورة استغلاله في محاولة نيل بعض المكتسبات من إيران تتعلق بالمياه وشط العرب.

150 مليون دولار.. بوابة النفوذ!

تبلغ تكلفة المشروع الذي يعد المرحلة الأولى من مشروع أكبر يهدف إلى ربط إيران بميناء اللاذقية السوري، والذي تتطلع طهران لتولي إدارته على شكل استثمار طويل الأمد مقابل إسقاط ديونها على النظام السوري، 150 مليون دولار حيث تمتد السكة على طول 32 كيلو متر، وتنفذه مؤسسة "المستضعفين الإيرانية"، وفق مساعد وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني خير الله خادمي.

اقرأ/ي أيضًا: تقرير بريطاني عن "الفساد المحصّن" في العراق: السلطة تنهب المواطن والمستثمر!

فيما لا تزال طهران تتفاوض مع الجانب العراقي لحسم ملف الأراضي التي ستمتد عليها السكة داخل العراق، حيث لم تتمكن الحكومة من شراء تلك الأراضي من شاغليها بعد موافقتها على المشروع بحسب ما يؤكده الجانب الإيراني وترفض بغداد التعليق عليه.

وتقصى "الترا عراق" المشروع عن طريق السفارة الإيرانية بعد فشل التوصل إلى أي معلومات عن طريق وزارة النقل، بعد توجيهات مباشرة من المسؤولين عن الوزارة بعدم كشف أي شيء عن المشروع لوسائل الإعلام، كما علم "الترا عراق".

حيث قال مصدر في السفارة، إن "الجانب العراقي وافق على المشروع من خلال ممثله معاون مدير عام دائرة السكك، طالب جواد كاظم"، مشيرًا إلى أن "مشكلة المشروع حتى الآن تكمن بأن الجانب العراقي لم يكمل شراء كل الاراضي الواقعة ضمن رقعة إنشاء السكك من الفلاحين".

وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن "الأسبوع القادم سيشهد وبدعوة من الجانب العراقي اجتماعًا مشتركًا في البصرة لبحث آخر النتائج في المشروع"، موضحًا أن المسؤولين الإيرانيين المعنيين بهذا المشروع "على أتم الاستعداد للبدء في إنشاء المشروع، لكنهم بانتظار حسم قضية الأرضي من الجانب العراقي".

كانت مصادر إيرانية معارضة كشفت، سابقًا، تفاصيل المشروع الإيراني، إذ بينت أن القسم الأول من المشروع هو مد الخط الحديدي من الحدود الإيرانية وحتى مدينة البصرة في الجنوب، بتكلفة كاملة تتحملها طهران، ثم تقوم ايران بمدّ القسم الثاني من البصرة حتى كربلاء ومحيط بغداد ومنها إلى الحدود السورية، مع دفع التكاليف أيضًا على أن تستردّ المبلغ لاحقًا من العراق.

كثفت إيران تحركاتها لبدء المشروع وسط تكتم شديد من قبل الحكومة العراقية متمثلة بوزارة النقل، مقابل تحذيرات من "تعميق" النفوذ الإيراني في البلاد

أما القسم الثالث، فهو عبارة عن إعادة تجهيز الخط الحديدي الذي يربط دمشق ببغداد عبر شبكة سكك حديدية تجارية سابقة تصل أهم المدن السورية كدمشق وحلب بمدن الموصل وبغداد، بتمويل إيراني بداعي إعادة إعمار سوريا من "أجل تحقيق مكاسبها الكثيرة لاحقًا"، وسط تحذيرات من تعميق حجم النفوذ الإيراني في العراق وسوريا عبر المشروع.

ماذا سيستفيد العراق؟

ويقول وزير النقل الأسبق عامر عبد الجبار إسماعيل في حديث لـ "الترا عراق"، إن "موضوع الربط السككي مع إيران يشبه الربط السككي مع الكويت"، مبيناً أن "الحكومة مطالبة على أقل تقدير أن لا تمنح الربط السككي بدون تحقيق امتيازات كبرى من إيران".

أضاف الوزير الأسبق، أن "على الحكومة مساومة إيران لتحصيل مكتسبات كإعادة وضع شط العرب إلى ما قبل عام 1975 وغعادة مجرى الكارون، وفتح منافذ المياه في محافظة ديالى وغيرها، قبل الموافقة على المشروع على أقل تقدير". وهو ما يشير إلى أن المشروع قد لا تكون له أي فوائد اقتصادية كبيرة للعراق، على عكس ما سيوفره لإيران من نفوذ.

يشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران يبلغ 12.5 مليار دولار، بحسب غرفة التجارة المشتركة بين البلدين، في حين توصل الجانبات مؤخرًا، إلى اتفاق يقضي بالبدء باتخاذ الإجراءات التنفيذية لرفع الطمي من شط العرب لفتحه أمام السفن الكبرى.

ويبلغ طول شط العرب، الذي يلتقي فيه نهرا دجلة والفرات، شمال مدينة البصرة جنوب العراق، حوالي 190 كيلومترًا، ويشكل حدًا طبيعيًا بين العراق وإيران، حيث تتبع الضفة الشرقية لطهران، في حين تخضع ضفته الغربية لبغداد.

اقرأ/ي أيضًا: تحقيق| منفذ مع إيران تتقاسمه "العصائب" و"السواعد".. لا حصّة لميسان غير الفقر!

وكان شط العرب حتى عام 1975 جزءًا من العراق، قبل أن تتنازل بغداد عن الشاطئ الشرقي المطل على حدودها مع طهران. وكان النظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين قد ألغى اتفاقية عام 1975 لتقاسم الحدود ما بين العراق وإيران، وهو أحد أسباب نشوب حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران 1980-1988، وراح ضحيتها مئات آلاف القتلى بين الجانبين وخسائر اقتصادية قدرت بمئات المليارات من الدولارات.

بدوره يقول الخبير الاقتصادي ملاذ الأمين، إن المشروع سيكون مفيدًا للطرفين (العراق وإيران) إذا كان يتعلق بنقل المسافرين، خاصة أن أكثر من مليون زائر يدخلون العراق سنويًا من إيران بقصد زيارة العتبات الدينية، وهو كا يعود بإيرادات مالية تستفيد منها البلاد.

يؤكد خبراء أن المشروع الإيراني سيسبب أضرارًا للاقتصاد العراقي ويمثل ضربةً لمشروع ميناء الفاو الكبير الذي يمكن أن يشغل 70% من كفاءات البصرة! 

لكنه أكد، أن الخط الإيراني "سيضر اقتصاد العراق وخاصة البصرة وسيضرب مشروع ميناء الفاو الكبير، ويحرم الميناء من السفن التجارية الآسيوية، في حال كان هدفه نقل البضائع، بوجود سكة حديد ترتبط بإيران ومن ثم أوروبا عن طريق الربط السككي الذي يتصل ببرلين الألمانية"، مشيرًا إلى أن "المشروع الإيراني سيجهض الأهداف المتوخاة من ميناء الفاو الكبير والذي يمكن أن يشغل أكثر من 70‎%‎ من مهندسين وعمال البصرة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

20 قصة فساد.. كيف ضاعت 500 مليار دولار في العراق؟

ردود فعل إيران بعد العقوبات الأمريكية.. هل ستدفع العراق الثمن؟