27-فبراير-2019

مقتدى الصدر مع عمار الحكيم (فيسبوك)

منذ سنوات عدّة، والمتابعون للشأن السياسي يُسجلون تحوّلات واضحة على سلوك عمار الحكيم السياسي. منهم من يُرجع السبب إلى براغماتية الحكيم الذي يعي أين تتجه بوصلة الأمور، فيما يرى آخرون أن هذه التحولات كانت نتيجة تأثره بسلوك مقتدى الصدر، على مستوى المسافة التي يضعها مع إيران، وطريقة وفحوى الخطابات والتصريحات التي تصدر منه ومن أعضاء تياره.

هناك تحوّلات واضحة على سلوك عمار الحكيم السياسي يرجعه مراقبون إلى "براغماتية" يتحرّك بها فيما يرجعها آخرون إلى تأثره بسلوك مقتدى الصدر

انشقاقٌ وتيار جديد

بعد تشظي التحالف الوطني بانسحاب بعض أطرافه أبرزهم التيار الصدري ودولة القانون بزعامة المالكي، بدأ القادة الشيعة بتأسيس تيارات مستقلة عمّا يُسمى آنذاك "البيت الشيعي"، لكن الحكيم وبحركة مفاجئة انشق عن المجلس الأعلى الإسلامي الذي أسّسه عمه محمد باقر الحكيم، وتولى (أي عمار الحكيم) رئاسة المجلس في عام 2009 بعد وفاة والده عبد العزيز الحكيم، ليؤسس في 24 تموز/ يوليو 2017 تيارًا مستقلًا باسم "تيار الحكمة الوطني" بوجوه شبابية، بعيدًا عن المجلس الأعلى وشيوخه، والذي ترأسه همام حمودي. وقد بدا للمتابعين أن هذا الانشقاق عنوانًا لمرحلة جديدة من السلوك السياسي ينوي الحكيم المضي بها، وتحدّث الحكيم في مؤتمر صحفي عقب إعلانه تأسيس الحكمة عن "وسطية واعتدال" هذا التيار الجديد.

الصدر والحكيم يتفقان

بعد التقارب الواضح في وجهات النظر، ورفع ذات الشعارات لمحاربة الفساد وإنهاء المحاصصة وإعلاء الهوية الوطنية، اتفق الصدر والحكيم  في 18 أيار/ مايو 2018 عشية الانتهاء من عملية التصويت في الانتخابات النيابية، على الانطلاق معًا في مباحثات لتشكيل الحكومة المقبلة عبر الكتلة الأكبر عددًا.

اقرأ/ي أيضًا: "منازلة" الحكمة وعصائب أهل الحق.. فيسبوك العراق يشهد على فساد المتخاصمين

قال الحكيم في مؤتمر صحفي بعد لقاءه الصدر "نريد أن نتجاوز الخنادق القومية والمذهبية وصولًا لحكومة وطنية، وأبوابنا مفتوحة معًا للقوى الفائزة وصولًا لحكومة قادمة أساسها النجاح ومكافحة الفساد".

"نواةٌ" مع سائرون .. ثم"الإصلاح" الأكبر عددًا

في 19 آب/ أغسطس أعلن عدد من رؤساء الكتل السياسية تشكيل "نواة" لتحالف بهدف تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر عددًا التي تُشكل بدورها الكابينة الحكومية.

أبرز من تواجد في الاجتماع المنعقد في فندق بابل زعيم التيار الصدري وعمار الحكيم وحيدر العبادي. وجاء في بيانه الختامي "بقرارعراقي وطني نابع من مصلحة بلدنا واستجابة لمطالب المواطنين اتفقنا اليوم على تشكيل نواة لتحالف يسعى إلى تشكيل الكتلة البرلمانية التي تتمكن من تشكيل الحكومة".

وفي الثاني من أيلول/سبتمبر 2018 اتفق 18 مكونًا من القوى السياسية على تشكيل تحالف الإصلاح والبناء والذي تغيّر اسمه بعد ذلك إلى "الإصلاح والإعمار"، وهو التشكيل الذي أعلن نفسه الكتلة الأكبر عددًا في مجلس النواب الجديد، بمقابل تحالف "البناء".

وأبرز المنضمين لهذه الكتلة هم الصدر والحكيم والعبادي وأياد علاوي وأسامة النجيفي وكتل صغيرة أخرى، حيث وصل عدد النواب المنضوين في هذه الكتلة 180 نائبًا.

جذرُ خلافٍ قُطع

قبل أن تجري الانتخابات بأشهر والصدر يدعو لتنصيب وزراء "تكنوقراط مستقل" في الحكومة الجديدة، واصطدم هذا المطلب بكافة الأطراف السياسية الفائزة بالانتخابات، والتي ترغب بالحصول على استحقاقها الانتخابي، فيما يصر الصدر على حكومة مستقلة.

بدا الخلاف واضحًا بين الصدر والحكيم بخصوص حكومة "التكنوقراط المستقل" التي أرادها الصدر فيما أراد الحكيم وتياره حكومة "تكنوقراط سياسي" 

الخلاف بدا واضحًا بين الصدر والحكيم، إذ أعلن الأخير عن رغبته بحكومة "تكنوقراط سياسي"، كما أطلق أعضاء تياره العديد من التصريحات التي ترفض التكنوقراط المستقل وتتمسك بالتكنوقراط السياسي. وشدد قيادي في تيار الحكمة على عدم إمكانية البحث عن وزراء "في الجامعات والمقهى والشارع"، مبينًا أن "هناك أحزابًا شاركت في الانتخابات وحققت نتائج على أرض الواقع".

اقرأ أيضًا: معركة التكنوقراط في العراق.. المحاصصة توحد الأضداد

لكن تيار الحكمة وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 أعلن "وضع استحقاقه الحكومي من الوزارات تحت تصرّف رئيس الوزراء المكلف آنذاك عادل عبد المهدي". مشيرًا إلى أن "وضع استحقاق الحكمة بيد رئيس الوزراء جاء لتحقيق الدعم الكامل وإتاحة المساحة الكافية له لتشكيل".

وفي 23 كانون الثاني/ ديسمبر 2018 أُنتخب الحكيم رئيسًا لتحالف الإصلاح والإعمار بالإجماع من قبل أطراف التحالف المجتمعين. وأشار المجتمعون بحسب بيان لهم إلى أن "الخطوات الجديدة التي يخطوها التحالف تؤكد مسار المؤسسة".

صحافةٌ تتحدث: خلافٌ مع سائرون وتقارب مع المالكي

أسهم التقارب بين تحالفي سائرون والفتح عبر اجتماعين في الخامس، والحادي عشر، من شهر شباط/ فبراير 2019 واتفاقهما على عدة ملفات، بفتح باب التكهنات حول خلافات بين الحكمة وسائرون، وانزعاج من دولة القانون ورئيسه المالكي من هذا التقارب المنفرد عن تحالفي الإصلاح والبناء.

فيما تحدث أستاذ العلاقات الدولية سعدون الساعدي عن "ولادة كتلة جديدة تلوح بالأفق بعد اجتماع الفتح وسائرون"، مبينًا أن "هنالك تذمرًا حقيقيًا من قبل الحكيم والمالكي بسبب هذا الاجتماع"، مرجحًا "نشوء تحالف جديد بين المالكي والحكيم".

صحيفة محلية نقلت في 17 شباط/ فبراير عن قيادي في سائرون، إن الأخير "سيفض عقد تحالف الإصلاح والإعمار بعد استكمال التصويت على ما تبقى من الوزارات الشاغرة في حكومة عادل عبد المهدي"، ووصف القيادي بحسب الصحيفة جميع التحالفات السياسية بـ "الوهمية وغير الحقيقية".

بسبب اجتماع سائرون والفتح المنفرد عن الحكمة والقانون هناك حالة من التذمر لدى الحكيم والمالكي فيما يرجح مراقبون نشوء تحالف جديد بينهما

وسارع بعض أعضاء تيار الحكمة إلى نفي وجود أي خلافات بين تيارهم وسائرون. وفي 20 شباط/ فبراير شدّد نائب عن تيار الحكمة في تصريح صحفي على أن جميع الاتفاقات بين الحكمة وسائرون ما زالت مستمرة ضمن الإطار الاستراتيجي.

اقرأ/ي أيضًا: جلسة التصويت على وزراء العراق.. مشاجرات وتحريض وتزوير!

وتحدثت صحيفة عربية عن تفاقم الخلافات بين الحكمة وسائرون حتى وصلت إلى مرحلة "التصدع" في تحالف الإصلاح والإعمار. ونقلت عن مصادر حديث الحكيم حول مساعيه في مأسسة تحالف الإصلاح التي تصطدم بتحركات الصدر واتفاقاته التي يجريها مع القيادات الأخرى.

فيما خصصت قناة تلفزيونية محلية برنامجًا للحديث عن هذا الملف بعنوان "اتفاق سائرون والفتح بمعزل عن الحكمة ودولة القانون".

وقال القيادي في ائتلاف دولة القانون محمد العكـَيلي في تصريح تلفزيوني، إن "دولة القانون لا علم لها بمخرجات الاتفاق بين الفتح وسائرون"، مبينًا أن "الطريق الذي يذهب إليه الشركاء "ملغومٌ"، وستتولد مشكلات سياسية إذا تم إقصاء القوى الأخرى".

الحكمة ترد: صحافة مدفوعة تروّج الشائعات

القيادي في تيار الحكمة محمد حسام الحسيني قال لـ"ألترا عراق" إن "زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم هو من دعا إلى جلوس قادة تحالف الإصلاح مع قادة تحالف البناء لحلحلة الأمور".

الحسيني أشار إلى أن "من يبث إشاعات الخلاف بين الحكمة وسائرون هي وسائل إعلام تابعة لجهات سياسية لا يروق لها مأسسة تحالف الإصلاح والإعمار وترتيب صفوفه"، مبينًا أن "ما يجمع سائرون والحكمة هو العلاقات المتينة والتاريخية".

وأوضح الحسيني أن "وسائل إعلام عربية تأخذ مصادرها من وسائل إعلام محلية عراقية تابعة للجهات السياسية سالفة الذكر"، مضيفًا أن "لا مشكلة لدى تيار الحكمة فيما يخص تقارب تحالفي الفتح وسائرون".

وعن تفاصيل أخرى أثارتها وسائل الإعلام نفى الحسيني أن "يكون هناك خلافٌ مع تحالف سائرون حول تقسيمات الدرجات الوظيفية الخاصة بالهيئات المستقلة"، مشيرًا إلى أن "التنسيقَ حاضرٌ بين أطراف تحالف الإصلاح والإعمار".

هناك اتفاق بين تحالفي الفتح وسائرون على توزيع أربعة آلاف درجة وظيفية من الدرجات الخاصة بينهما الأمر الذي أغضب باقي القوى السياسية في تحالفي الإصلاح والبناء

فيما كشف مصدرٌ سياسي لـ"ألترا عراق"، عن "اتفاق بين تحالفي الفتح وسائرون على توزيع أربعة آلاف درجة وظيفية من الدرجات الخاصة بينهما، وهو الأمر الذي أغضب باقي القوى السياسية في تحالفي الإصلاح والبناء".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الفراغ الوزاري في العراق.. رهان لأجل المحاصصة

أزمة استكمال الحكومة العراقية.. صراع أخير على تفاصيل المحاصصة