12-مارس-2019

يراد جس نبض الناس بإعلان "العفو الخاص" عن السياسيين المطلوبين (فيسبوك)

في كل دول العالم التي مرت بفترات انتقالية وشهدت حروبًا وفوضى بقي القضاء هو الأرض الصلبة التي يستند عليها الجميع، وكثيرًا ما كان أحد أدوات التغيير الفاعلة في حياة البلدان التي خاضت غِمار بناء نظام جديد على أعقاب أنظمة مستبدة، وتتعامل معظم الشعوب مع القضاء على أنه حامي حقوقها الأخير خصوصًا وأنه مرتبط بالدولة أكثر من النظام.

استُخدمت "السلطة القضائية" في العراق كورقة ضغط أو كصك براءة لمتهمين بقضايا جنائية وفقًا لـ"تسويات محاصصاتية" 

وبالرغم من الدعوات إلى إبقاء السلطقة القضائية في العراق خارج حلبة الصرع السياسي لكنها أستخدمت في أكثر من موضع كورقة ضغط أستخدمتها الحكومة أو كصك براءة لمتهمين بقضايا جنائية وفقًا لـ"تسويات محاصصاتية"، وباللحظة التي يستخدم القضاء لتجريم شخص يعود لينصاع إلى تبرئة المتهم بتبويب قانوني لا يتطلب سوى الوقوف أمام القاضي ساعة واحد.

عدم كفاية الأدلة

ومثلت قضية النائب مشعان الجبوري أولى مظاهر تمويع القرارات القضائية وإخضاعها لـ"الضرورات السياسية"، حيث برأه القضاء بعد يوم من وصوله إلى العاصمة بغداد، وكان وقوفه أمام القاضي محاولة لحفظ "ماء وجه" القضاء، إذ لم تتمكن السلطات من تنفيذ قرار القبض عليه عند وصوله إلى مطار بغداد في كانون الأول/ ديسمبر 2013، حيث كان بحماية النائب عن دولة القانون وعراب صفقة العفو عزت الشابندر. مصدر خاص كشف لـ"ألترا عراق"، أن "الأخير وقتها أبلغ الأمن الخاص بمطار بغداد الدولي بعد محاولتهم لاعتقال الجبوري بأنه مكلف من قبل مكتب رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لاصطحابه إلى المكتب الأخير".

والجبوري متهم  بمسؤوليته عن الوشاية بضباط ومدنيين من أبناء قبيلة الجبور حاولوا الإطاحة بالنظام السابق عام 1990، فضلًا عن كونه مطلوبًا من شرطة الانتربول الدولية واسمه وصورته والتهمة الموجهة له على موقع الانتربول منذ سنوات بتهمة "اختلاس المال العام والاستفادة من منصبه كعضو في الجمعية الوطنية" وتعود هذه التهمة إلى "اختلاس أموال تزويد الجيش بالأغذية. حسب موقع الانتربول، فيما تمكّن من الترشح إلى الانتخابات النيابية 2014 ليفوز بعضوية مجلس النواب.

اعتراف تحت التهديد وبعده "تسوية"! 

إزاء ذلك، ظهر نمط جديد من الإطاحة بالخصوم، فبعد أن كان الجبوري مطلوبًا بتهم  تمّت تسويتها تحت غطاء "لا يوجد دليل"، مثلوا حمايات المسؤولين القشة التي قصمت ظهر البعير، النائب محمد الدايني، أول من تم القبض على حمايته وتم عرض اعترافاتهم للرأي العام، لافتين إلى أن الدايني كان يشرف على عمليات قتل وتهجير عرقي، بالإضافة إلى تفجير كافتيريا البرلمان العراقي في العام 2007 والذي أسفر عن مقتل النائب عن جبهة الحوار الوطني محمد عوض.

وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت عن اعتقاله في تشرين الأول/ أكتوبر 2009، من قبل السلطات الماليزية أثناء دخوله بجواز سفر مزور بعد هروبه من العراق إثر رفع الحصانة عنه في شهر شباط من العام نفسه، فيما أصدرت المحكمة المركزية في منطقة الكرخ ببغداد في 25 كانون الثاني/ يناير 2010 حكمًا غيابيًا بالإعدام بحقه.

اقرأ/ي أيضًا: تصفير العداد.. إعادة الإرهابيين سابقا لنيل الشرعية

في 17 آذار/ مارس 2016، صدر مرسوم جمهوري، من رئاسة الجمهورية عن توجيه وزير العدل بتنفيذ عفو خاص عن النائب السابق المحكوم غيابيًا بالإعدام محمد الدايني، بناءً على توصيات رئيس مجلس الوزراء.

المرسوم الجمهوري الخاص بإطلاق سراح الدايني (فيسبوك)

وجاء في الوثيقة، التي حملت عنوان "مرسوم جمهوري"، "استنادًا إلى أحكام البند (أولًا) من المادة (73) من الدستور والفقرة (1)، من المادة (154) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل، وبناءً على توصيات رئيس مجلس الوزراء، رسمنا بما هو آتٍ:

أولًا:- يعفى المحكوم محمد مكطوف منصور الدايني، عما تبقى من مدة محكوميته في الحكم الصادر من محكمة جنح قضايا النشر والإعلام في الدعوة المرقمة 11/نشر/جنح/2013.

ثانيًا:- على وزير العدل تنفيذ هذا المرسوم.

ثالثًا:- ينفذ هذا المرسوم من تاريخ صدوره.

فيما أعلن مجلس القضاء الأعلى، عن إطلاق سراح النائب السابق المحكوم بالإعدام محمد الدايني بعفو خاص، مشيرًا إلى أن ذلك تم بمقترح من رئاسة الوزراء وصدور مرسوم جمهوري، مؤكدًا بالوقت نفسه على عدم علاقته بهذا الإجراء، لكن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، رد على تصريح بيرقدار، معتبرًا إياه غير دقيق ومؤسف، فيما أكد أنه "لا يجوز تسييس القضاء بهذه الصورة".

بينما كان لقضية عضو مجلس محافظة بغداد السابق، ليث الدليمي، الوقع الأكبر حيث ألقي القبض عليه هو وأفراد من حمايته، وعرضت وزارة الداخلية في 27 أيار/ مايو 2012، اعترافات الدليمي، فيما شهدت قاعة المؤتمر اعتراض الأخير، وادعائه بأن الاعترافات انتزعت منه بالإكراه، داعيًا إلى حمايته من المحقق وبدأ بالصراخ داخل القاعة، ورفع يديه المكبلتين وانزلهن إلى أن انكسر القيد قبل أن تتم السيطرة عليه، وإعادته إلى مكانه.

وقرّرت المحكمة الجنائية العليا، في 31 آذار/ مارس 2017 الإفراج عن الدليمي وتبرئته من التهم الموجه إليه، بالرغم من أن اعتقاله أفرز خلافات سياسية ربما اتخذت في بعض الأحيان الأشكال الطائفية التي كانت معروفة في الخلافات التي اعقبت ما أطلق عليه بـ"الحرب الطائفية".

ويرى مراقبون، أن "تسويات العفو الخاص" غالبًا ما تأتي بعد حالة من الانسداد السياسي وانعدام الحلول، فيتم اللعب بورقة عودة زعامات سياسية مطلوبة للقضاء، بالرغم من إشغال الناس لفترات طويلة باعتقال هؤلاء "السياسيين الإرهابيين" وإصدار مذكرات قبض عليهم يروّج لها في الإعلام التابع إلى الحكومة.

بهذه الأثناء تداولت الأوساط الصحفية والسياسية الفترة الماضية أخبارًا حول عودة مجموعة من المطلوبين أبرزهم نائب رئيس الجمهورية الأسبق طارق الهاشمي، ووزير المالية الأسبق رافع العيساوي، وعلي حاتم السليمان، وأثيل النجيفي، وكان القضاء العراقي قد أصدر حكمين غيابيين بالإعدام شنقًا حتى الموت بحق نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي ومدير مكتبه لإدانتهما بتهمة "إدارة فرق موت" وقضايا إرهابية، فيما أعلنت هيئة النزاهة، أن محكمة الجنايات أصدرت حكمًا بالسجن سبع سنوات بحق وزير المالية السابق رافع العيساوي ومتهمين معه.

وقالت الهيئة في بيان لها، إن "محكمة الجنايات أصدرت حكما بحق المدانين وزير المالية السابق رافع العيساوي والمتهمين معه بالسجن سبع سنوات على إحدى القضايا التي أحالتها الهيئة".

فيما يقول مصدر، رفض الكشف عن اسمه لأسباب سياسية، إن "مسألة العفو عن الهاشمي والعيساوي ليست مستبعدة وحدثت أكثر من مبادرة في وقت سابق لكنها لم تنضج لغاية الآن، خاصة بعد عودة خميس الخنجر إلى بغداد وائتلافه مع القوى الشيعية"، لافتاً إلى أن "زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وجناحه قد يكونون حجر العثرة في طريق هذا العفو كون أن القضايا كانت خلال حكومته وهناك حديث عن قضايا كيدية".

مصدر لـ"ألترا عراق": العفو عن الهاشمي أو العيساوي ليس مستبعدًا وحدثت أكثر من مبادرة في وقت سابق لكنها لم تنضج لغاية الآن

وأضاف المصدر لـ"ألترا عراق"، أن "بعض القوى السنية هي الأخرى لا ترغب بهذا العفو وتفضل أن تحافظ على  قيادتها للبيت السني، لكن الأطراف الأخرى مستعدة للموافقة بكل سلاسة"، مشيرًا إلى أن "الأخبار الأخيرة هي محاولة لجس نبض الشارع".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ما حقيقة عودة 4 سياسيين مطلوبين إلى بغداد؟ القضاء يرد وناشطون: بقي البغدادي!

مستشارون بلا قانون يتكدسون في مكاتب فخمة.. ماذا يفعلون؟!