ألترا عراق ـ فريق التحرير
لا زالت آلة القصاص تبتلع أتباع رجل الدين الشيعي محمود الصرخي، على هيئة ملاحقات حكومية وهجمات شعبية، طالت البشر والحجر المرتبط بهم في مختلف المحافظات على خلفية خطبة مركزية تضمنت حديثًا عن "عدم مشروعية بناء القبور"، الأمر الذي قرأه رجال دين والعديد من الزعماء السياسيين ومؤسسات دينية شيعية بأنها "إساءة ودعوة خطيرة تستهدف مراقد أهل البيت".
ردود الفعل العنيفة جاءت على شكل هدم المساجد وحرق المكاتب التابعة للصرخيين فضلًا عن ملاحقات القوات الأمنية لهم
ومنذ يومين، تلاحق القوات الأمنية مقلّدي رجل الدين محمود الصرخي في محافظات مختلفة أدّت لاعتقال العشرات تحت مسمى "جماعات متطرّفة"، حيث أعلن جهاز الأمن الوطني مؤخرًا اعتقال 29 متهمًا بـ"الانتماء لحركات متطرفة في بغداد وبابل وذي قار والقادسية والمثنى والبصرة وميسان وواسط والنجف".
وتطوّر الأمر لأن يصدر القضاء مذكرة قبض بحق المرجع محمود الحسني الصرخي، حيث أصدرت محكمة تحقيق العمارة مذكرة قبض بحق الصرخي "وفق أحكام المادة (372) عقوبات التي تنص على معاقبة من يعتدي بأحد الطرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية أو حقّر من شعائرها"، وبالتزامن مع هذه التحركات الحكومية، شهدت محافظات مختلفة تحركات شعبية لهدم وحرق جوامع ومكاتب تابعة للصرخيين، في بغداد وبابل وذي قار ومحافظات أخرى.
وجاءت هذه التحركات الحكومية والشعبية على خلفية انتشار مقطع فيديو لخطيبين في مساجد تابعة للمرجع الصرخي في ذي قار وبابل، وهم يقرأون خطبة مركزية تحدثت عن كون "بناء القبور وتشييدها ليست من العقيدة والدين، وأن النبي محمد قد نهى الإمام علي من بناء القبور"، حيث ذكرت الخطبة رواية منقولة عن علي بن أبي طالب قوله: "بعثني رسول الله بهدم القبور وكسر الصور".
والصرخيون كجماعة شيعية يردون على ذلك، بأن الرواية موجودة في كتب شيعية أساسية، "الكافي 6/528 ، وسائل الشيعة 2/870 ، جامع أحاديث الشيعة 3/445"، إلا أن مفسري الحديث في المذهب الشيعي يردون عليهم بالقول إنّ هذا التوجيه كان يخص "قبور المشركين وهدم التماثيل والأصنام".
وبالرغم من عدم وجود دعوة صريحة لهدم مراقد الأئمة في الخطبة، لكنّ الأوساط الدينية والشعبية اعتبرت أنّ الصرخيين يحملون "عقائدًا منحرفة" ويدعون لهدم مراقد الأئمة، حتى هدّد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بـ"التدخل بنفسه لوضع حد لهذا الأمر".
وجاءت ردود الفعل الشعبية العنيفة بهدم المساجد وحرق المكاتب التابعة للصرخيين، على يد أفراد من صدريين، وآخرين يتبعون الفصائل المسلحة، كما تظهر الكتابات التي تركوها على جدران إحدى مكاتب الصرخي في بغداد.
ولد الشايب يعتدون على مكاتب ومساجد المرجع #الصرخي بحجة انهم يطالبون بتهديم المراقد ؟!!! لا اعلم اين هي الحكومة من هكذا انتهاكات صارخه بحق العراقيين لمجرد ابداء رأيهم ....
Posted by جعفر علي on Tuesday, April 12, 2022
وبالرغم من عدم صدور موقف أو رد وتوضيح من قبل الصرخي أو مكتبه، إلا أنّ "ألترا عراق" رصد منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي التي ينشط بها مقلدو الصرخي بشكل كبير، حيث تضمنت توضيحًا عن كون ما حدث هو "تدليس وتحريف للمواقف والبحوث العلمية للصرخي".
وبحسب التوضيح فأنه "لا يوجد توجه أو توجيه لهدم القبور، وكل ما في الأمر أن الصرخي لديه بحث بعنوان: "تأسيس العقيدة"، وتطرّق للتوحيد ومن ضمن فروع البحث العقائدي "البناء على القبور".
وجاء في التوضيح أنّ مختصر البحث يفيد بأنه "بناءً على ما ورد في كتبنا مثل الكافي والبحار ومصباح الفقاهة للخوئي وروضة المتقين للبروجردي وكتب البرقي والكاشاني من علمائنا الشيعة يثبت أنّ مسألة البناء على القبر مخالفة لمنهج وسنة وسيرة النبي والأئمة".
وأشار التوضيح إلى أنه "لا توجد دعوة للهدم من السيد الصرخي ولا من الصرخيين إطلاقًا، إنما هو كلام عن بحث عقائدي وأدلة من الكتاب والسنة وهو بحث ونقاش ومشروع خاض ويخوض فيه نبينا وأئمتنا وعلماؤنا وكل طالب علم"، متسائلًا: "لكن ماذا نفعل للإعلام المسيس المأجور والناس التي تصدق بهم؟!".
وأورد التوضيح جملة من الروايات والأحاديث المنقولة من النبي محمد والأئمة، كأدلة على الطرح الذي ذهب إليه الصرخي، وهو عبارة عن "نقاش وبحث علمي وليس دعوة أو فتوى لهدم المراقد"، بحسب التوضيح.
"تطهير هوياتي" أم حراك قانوني؟
الملاحقات الحكومية والشعبية المستمرة، لكل ما يمت للصرخيين بصلة، ذهبت لمستويات أبعد من معاقبة "الجاني"، بل انسحب لاستهداف "على الهوية"، وحتى على صعيد "الجاني" والمتمثل بالخطيب، فيما يرى الخبير القانوني محمد جمعة أنّ "ما تم ذكره من قبل الخطيب إذا ثبت وجوده في الكتب الفقهية فلا يعتبر جرمًا".
يسخر مراقبون من الاعتراض على هدم المراقد عبر هدم مساجد الصرخيين
وأوضح جمعة في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنّ "اوامر القبض تجاه أتباع الصرخي استندت للمادة 372، وهي تخص الاعتداء على معتقد جماعة دينية أو أماكن هي موضع تقديس"، مبينًا "إنّ كان ما أورده رجال الدين والخطباء مستند على كتب فقهية كما يقولون لفقهاء معتمدين ولم يفسقهم أحد من المراجع الدينية فمن الناحية القانونية تندرج آرائهم ضمن الرأي الفقهي وليس الاعتداء على معتقد جماعة دينية أخرى".
وأشار إلى أنّه "إذا كان نص الخطبة يتضمن دعوة صريحة لهدم هذه المراقد أو القبور، فتكون جريمة حتى وأن استندت على آراء فقهية".
أما فيما يتعلّق بردات الفعل الشعبية، اعتبر جمعة أنها "خاطئة، ومعالجة ما بدر من الصرخيين من تهمة إساءة إلى أماكن هي موضع تقديس بحرق الجوامع، تعتبر جريمة وفق نفس المادة 372 التي يتم ملاحقة الصرخيين بها".
وتقود مشاهد الاعتقالات وحرق وتهديم المساجد والمكاتب التابعة للصرخيين إلى تساؤلات عما إذا كانت هذه التحركات ستقود نحو الشعور "بالمظلومية"، واستهداف وجودهم، ومدى خطورة هذا الأمر وإمكانية خلقه لردات فعل عنيفة دفاعًا عن النفس والوجود، وهو ما يتفق معه الخبير القانوني محمد جمعة الذي يرى أن "هذه التحرّكات تقود لردات فعل خطيرة، ويجب أن يترك الأمر للقضاء الذي سيحدد ما إذا كان هناك ذنب أو جرم".
استثمار سياسي من الصدر
يسخر الباحث في الشؤون السياسية أحمد الياسري، من "الاعتراض على هدم المراقد عبر هدم المساجد"، مشيرًا إلى أنّ "ردة الفعل مولودة من جنس الجرم المفترض والمعترض عليه".
وأوضح في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنّ "التيار الصرخي لم يقم بفعل يستهدف المراقد المقدسة حتى يتمّ اعتقالهم لمجرد كلمة"، متسائلًا: "إذا قام خطيب الجمعة في النجف بالتحريض على أمر غير قانوني، هل يتم تجريم واعتقال جميع مقلدي مرجعية النجف؟"، معتبرًا أنّ ما حصل "غير منطقي على الصعيد الحكومي والشعبي".
واعتبر الياسري أنه "من الممكن اعتقال ومعاقبة الخطيب قانونيًا، لكن استهداف الصرخيين عمومًا غير قانوني ولا أخلاقي".
أما من الناحية السياسية، يقول الياسري إنّ "الأحزاب الشيعية عمومًا لا تنجح إلا إذا تحوّلت إلى تيارات، وهي الطريقة الاجتماعة التي ينظّم الشيعة بها أنفسهم منذ ظهورهم، حيث أنّ فكرة التيارات هي التي تسيطر على الواقع الشيعي وهذا ليس بجديد".
وأشار إلى أنّ "تيار الصرخيين هم جزء من الموجة التيارية، لكنه تحدي للمرجعيات الدينية الكلاسيكية وتحدي للصدريين أنفسهم، معللًا ذلك لأنها "أول حركة تيارية انبثقت بعد محمد الصدر، وتمسكت بصلاة الجمعة وتعرض الصرخي للاعتقال بفعل نشاطه، لذلك يعتبرون أنفسهم وارثين للتيارية التابعة لمحمد الصدر، خصوصًا وأن بحث اجتهاد الصرخي علق عيه الصدر وأشاد به، وهذا أعطاه حظوة بين أتباعه".
اعتبر أحمد الياسري أنّ حراك الصدر ضد الصرخيين رسالة إلى الإطار التنسيقي ليشاهد الطرف الأقوى
واعتبر الياسري أن "التيار الصرخي هو جزء من التيار الصدري العقائدي وليس الميليشياوي"، معتبرًا أنّ "مقتدى الصدر استثمر القضية سياسيًا لتوجيه 3 رسائل، أحدها إلى المجتمع الشيعي بأنه مدافع عن الواقع الشيعي وثوابته، وليس كما يروج الإطار التنسيقي ضده بأنه يريد كسر إجماع الشيعة، أما الرسالة الثانية فهي إلى الاطار التنسيقي وأجنحته، وذلك عبر ضرب الطرف الأضعف ليشاهد الأقوى، أما الرسالة الثالثة فهي الدفاع عن مرجعية النجف وتقويتها على حساب المرجعيات الأخرى للحصول على مقبولية أكبر لديها".