03-يونيو-2022
حرية التعبير في العراق

"محاكم تفتيش جديدة لضمائر المواطنين" (فيسبوك)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

وجّه مئات المثقفين والفنانين والأدباء والأكاديميين والإعلاميين والناشطين المدنيين العراقيين بيانًا استنكروا فيه واقع حقوق الإنسان في عموم العراق، ولا سيما حرية التعبير التي "تشهد تراجعًا ملحوظًا" في ظل تزايد أوامر الاعتقال التي تستهدف ناشطين وأدباء، مستندة إلى قوانين سُنّت في زمن نظام صدام حسين

قال مئات المثقفين العراقيين إنّ المدوّنة التشريعية العراقية ما زالت تستند إلى ما شرّعه النظام الشمولي السابق

وقال البيان الذي صدر اليوم، 3 حزيران/يونيو، بعنوان "دفاعًا عن حرية التعبير"، إنّ "الخروقات المتزايدة في مجال حرية التعبير في العراق، تلك التي تمارسها أطراف بارزة في سلطات الدولة العامة، ومن يشغلون مناصب عليا فيها، تستهدف من ينتقدون الأداء العمومي، وهي تستند غالبًا إلى تبريرات من نحو "الإساءة لمؤسسات الدولة" و"إهانة القضاء" و"التطاول على الرموز" وسوى ذلك، في وصف آراء تقع في صلب مجال حرية التعبير التي كفلها الدستور العراقي".

وأشار البيان إلى أن "تبرّم المؤسسات العامة من النقد ينتهي عادة إلى ملاحقات قضائية للأصوات الناقدة، واعتقالها واتهامها بالعمالة والتجسس، وإرعابها، وإلحاق الضرر بوظائفها وتهديد مصادر عيشها، الأمر الذي يضع البلاد في مسار سلطوي، يقود إلى عودة الدكتاتورية ومآسيها الكثيرة".

الموقّعات والموقّعون على البيان شدّدوا على ما سمّوه بـ"ثوابت ديمقراطية"، وهي أن "مؤسسات الدولة العامة، وبضمنها القضاء، وظيفتُها خدمةُ المواطن، وهي ليست مقدّسة ولا محصّنة من النقد، بل إن النقد حقّ أساسي يكفله المجال العام الديمقراطي، ولا يمكن أن يدخل في باب التشهير، بما أنه لا يتّجه إلى الأشخاص في حياتهم الشخصية، بل بوصفهم موظفين عموميين، وأنه لا يحقّ لهذه المؤسسات الحكم على الناس وتصنيفهم من خلال نواياهم، أو فهمها وتأويلها الخاص لهذه النوايا، ما يجعل منها أقرب إلى أن تكون محاكم تفتيش لضمائر المواطنين".

ولفت البيان إلى أنّ "المدوّنة التشريعية العراقية ما زالت تستند إلى ما شرّعه النظام الشمولي السابق، وأوصى بـ"ضرورة تعديل هذه المدوّنة بما ينسجم مع المادة (38) من الدستور العراقي، والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان وحرية التعبير".

وقد حظي البيان بتوقيع نخبة من الشخصيات العراقية العامة، منها الصحفيون: "سهيل سامي نادر، وزهير الجزائري، وكامران قرداغي، وعبد المنعم الأعسم، وهيوا عثمان، وعماد الخفاجي، وعدنان الطائي، وعماد العصاد، وأحمد البشير، وآسوس هردي، وهوشنك وزيري، والسياسيون: "محمود عثمان، ومفيد الجزائري، وضياء الشكرجي، ومثال الآلوسي، وجاسم الحلفي، وسروة عبد الواحد، وشروق العبايجي، والناشطون: "هناء إدور، وهوكر جتو"، والقضاة: "رحيم العكيلي، وهادي عزيز علي"، والأدباء: "طالب عبد العزيز، وأمل الجبوري، وعدنان الصائغ، وحميد قاسم، وأحمد سعداوي، ولؤي حمزة عباس، وعبد الكريم العبيدي، وحسن بلاسم، وخالد مطلك، وعبود الجابري، وفارس حرام"، والأكاديميون والباحثون: "خالد السلطاني، وحميد الخاقاني، وعلي حاكم صالح، وأسعد الناصري، وحيدر سعيد، وحارث حسن، وعقيل عباس، وفارس كمال نظمي، وزهراء علي، وعلي طاهر الحمود، وسعد سلوم، ومريوان وريا قانع، وعلي المدن، وصائب عبد الحميد"،  والفنانون: "جبار جودي، ورعد مشتت، ورياض نعمة، ومهند حيال"، ورجال الأعمال: "ماجد الساعدي، ورمضان البدران".

قال مئات المثقفين العراقيين إنّ المؤسسات لا يحقّ لها الحكم على الناس وتصنيفهم من خلال نواياهم أو فهمها وتأويلها الخاص لهذه النوايا

وجاء البيان بعد تصاعد ما سميت بـ"حملات التضييق على حرية التعبير"، التي شهدت مصادرات كتب، واعتقالات صحفيين، وإيقاف برامج تلفزيونية، وكان آخر هذه السلسلة ما حدث لبرنامج "المحايد"، الذي تبثّه فضائية "العراقية" الرسمية، إذ تعرّض البرنامج وفق البيان إلى "حملة من الهجوم والتشنيع، أدّت إلى إيقافه والاستغناء عن فريق العمل به، بعد أن تضمّنت حلقة يوم الأربعاء الماضي، 1 حزيران/يونيو، بعض الآراء التي انتقدت مسؤولين في السلطة القضائية". 

وفي وقت سابق، حذفت شبكة الإعلام العراقي حلقة لبرنامج "المحايد" الذي يقدمه الزميل سعدون محسن ضمد، إثر اتهامات تضمنتها الحلقة للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، فضلاً عن رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان.

واتهم الطائي خلال حديثه عن الأزمة السياسية القائمة في البلاد، رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان بـ "الانحياز" لحلفاء طهران في العراق، قائلاً إنّ "وجود زيدان يمثل ظهور دكتاتورية جديدة في البلاد، حيث تطال مذكرات الاعتقال أي معترض على رئيس مجلس القضاء"، ليصدر فيما بعد أمر قبض من القضاء بحق الطائي. 

بعدها، اتهم رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، الإعلامي سعدون محسن ضمد مقدم برنامج "المحايد" بتعمد "الإساءة" إلى مجلس القضاء عبر استضافة شخصيات محددة.

وأضاف زيدان، أنّ ما حدث جرى "عبر برنامج يديره إعلامي لديه رأي سلبي متطرف أيضًا يتطابق مع من يتعمد استضافتهم بقصد إخراج هذه الإساءات إلى الجمهور المشاهدين كأنها بدرت من ضيوف البرنامج لا من القناة".

واستغربت جميعة الدفاع عن حرية الصحافة إصدار رئيس مجلس القضاء الأعلى بيانًا "يتهم فيه مقدم البرنامج بقصد الإساءة"، مشددًا أنّ "جمعية الدفاع عن حرية الصحافة تستغرب من البيان الصادر من السيد فائق زيدان بوصفه مقدم البرنامج بالمتطرف السلبي، وإطلاقه أحكامًا مسبقة إزاء ضمد المعروف بمهنيته وموضوعيته طيلة فترة عمله كمقدم للبرامج منذ أكثر من عقد من الزمن، وجميع الأسرة الصحفية تشهد بذلك".

وقبل أيام، أصدر مجلس القضاء الأعلى، مذكرة إلقاء قبض بحق مقدم برنامج "بوضوح" على شاشة تلفزيون زاكروس، محمد جبار وفق المادة 226 من قانون العقوبات العراقي أيضًا.