25-نوفمبر-2023
استيراد الدولارفي العراق

سمح البنك المركزي لمصارف باستيراد الدولار من خارج العراق (ألترا عراق)

جدل مستمر في الأوساط الاقتصادية بعد قرار البنك المركزي العراقي باستيراد الدولار من خارج العراق وفق ضوابط معينة، والغاية من هذا القرار والفوائد الممكنة، في ظل استمرار أزمة الدولار مع إجراءات التضييق على تداوله خارج المنصات الحكومية.

استيراد الدولار من خارج العراق يثير الجدل بين الأوساط الاقتصادية 

وسمح البنك المركزي في 8 تشرين الثاني/نوفمبر الثاني، للمصارف العراقية "باستيراد النقد الأجنبي" لغرض "تلبية طلبات الشركات والمنظمات والهيئات والأفراد العاملين لصالح شركات أو مؤسسات أجنبية"، وذلك عبر استيرادها من "عبر المنافذ الجوية حصرًا"، في محاولة للسيطرة على أزمة الدولار في العراق.

فور ذلك الإعلان، توالت تسريبات نقلتها وكالة الأنباء الحكومية نقلًا عن مصادر لم تشر لوظيفتها أو الجهة التي تعمل لديها، بدءًا من "اجتماعات مكثفة ما بين وفد من البنك المركزي العراقي والجانب الأمريكي المسؤول عن عمليات التحويلات الخارجية لتغطية الاستيرادات" في مدينة أبو ظبي الإماراتية، وقد خلُصت إلى إلى قرارات عدة من بينها "الاتفاق على تعزيز رصيد مسبق لخمسة مصارف عراقية في حساباتهم بالدولار لدى المصارف الأردنية والحوالات عن طريق (jp morgan)".  ثم تحدثت عن اتفاق حول خمسة أخرى من خلال مصرف سيتي بنك Citi bank".

 

هل هناك فائدة من استيراد الدولار؟

قرار البنك المركزي باستيراد الدولار من خارج العراق جاء في سياق ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار في الأسواق المحلية، حتى وصل قبل أيام إلى 167 ألف دينار لكل 100 دولار، مقابل السعر الرسمي الذي حُدد بـ 132 ألف دينار لكل 100 دولار، قبل أن يتراجع إلى حدود 160 ألفًا في الوقت الحالي.

ويوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، أحمد صدام، إن "قرار البنك المركزي بالسماح باستيراد الدولار يهدف إلى رفع مستوى عرض الدولار من مصادر خارج إطار البنك المركزي في محاولة جديدة لتخفيض سعر صرف الدولار في السوق الموازي".

أما نتائج استيراد الدولار على المستوى العملي، فيستبعد صدام أن يحقق القرار "فائدة ملموسة"، والسبب الرئيس بحسب رأيه هو "إن معظم دول العالم تفرض قيودًا على خروج الدولار من أسواقها مثلما يحاول العراق ذلك".

تحدث خبراء اقتصاديون عن فوائد قرار البنك المركزي العراقي الأخير المتعلق باستيراد عملة الدولار من الخارج، من عدمها

الخبير الاقتصادي وفي حديث لـ"ألترا عراق"، يطرح مسألة ثانية بهذا الصدد، عبر تساؤلات مثل: "بأي عملة سيتم شراء هذا الدولار؟ وهل سيتم بالعملة العراقية؟"، ويستطرد بالقول: "العملة العراقية غير مقبولة في معظم الدول عدا إيران التي لا تسمح إطلاقًا ببيع الدولار لحاجتها الماسة له كما هو معلوم".

ويستكمل صدام تساؤلاته : "هل تمتلك المصارف العراقية عملات لبلدان أخرى حتى يتم تبديلها بالدولار؟"، ويجيب: "إذا افترضنا امتلاك المصارف العراقية لعملات دول أخرى، فهذا الإجراء سيكون وقتيًا بحكم نفاد ما موجود من عملات أجنبية لغرض شراء الدولار ضمن المدى القصير".

وبالفعل، تحدثت "المصادر" من بين جملة الأخبار التي نقلتها الوكالة الرسمية‘ عن اجتماعات بين "أحد المصارف الإماراتية والبنك المركزي العراقي والجانب الأمريكي، لتنفيذ آلية تعزيز الأرصدة بالدرهم الإماراتي للمصارف العراقية (UAE Dirham  pilot)"، فضلًا عن "مفاوضات لتعزيز أرصدة بعض المصارف العراقية باليورو لدى مصرف يوباف (UBAF) لتمويل التجارة مع الاتحاد الأوروبي"، وكذلك "زيادة عدد المصارف التي يتم تعزيز أرصدتها باليوان الصيني من خلال مصرف  التنمية السنغافوري"، و"البدء بفتح حسابات مصرفية بالروبية الهندية لعدد من المصارف العراقية في ذات المراسل مصرف التنمية السنغافوري".

ويخلُص أستاذ الاقتصاد أحمد صدام،  إلى القول إن "قرار المركزي صعب التحقيق على أرض الواقع، وربما يمكن العمل به لفترة محدودة من قبل المصارف التي تمتلك عملات أجنبية أخرى"، لكن كل هذه الإجراءات "لن تساهم بتخفيض سعر صرف الدولار بحكم حالة الاعتماد الكبير على الدولار في التعاملات التجارية الخارجية مع وجود قيود البنك الفيدرالي الأمريكي، والمضاربات، وعمليات التهريب التي لا يمكن حلها باستيراد الدولار".

 

البنك المركزي ليس وسيطًا!

على الرغم من ذلك، استمرت "المصادر الحكومية" في حديثها للوكالة الرسمية عن المضي بإجراءات استيراد الدولار من خارج العراق، ونقلت الأخيرة في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 عن "مصدر حكومي" حديثه عن إصدار موافقات رسمية من البنك المركزي "لثلاثة مصارف أهلية عراقية لاستيراد الدولار الأمريكي لتلبية حاجة زبائنهم من هذه العملة وبمبالغ تصل إلى 100 مليون دولار".

صدر قرار استيراد الدولار من الخارج بطلب من التجار لتغذية السوق المحلي

ولا يعتبر توجه البنك المركزي إجراء جديدًا، كما يقول مستشار رابطة المصارف العراقية، عبد الرحمن الشيخلي، حيث "تم العمل به سابقًا في عام 2010 بتوجيه البنك المركزي"، لكن الجديد الآن، وفق الشيخلي، هو إن "القرار صدر بناءً على رغبة التجار من أجل تلبية حاجة السوق المحلية".

ويرى الخبير المصرفي في حديث لـ"ألترا عراق"، أن البنك "المركزي لن يكون وسيطًا بعملية استيراد الدولار، بل المصارف هي من ستلعب هذا الدور بعلاقاتها مع المصارف خارج العراق بالاعتماد على مخزوناتها من الدولار".

خروج البنك المركزي من عملية الوساطة، يأتي على الرغم من تصريحاته الرسمية التي يرفض فيها وجود "السوق الموازي" بحجة أنه - أي البنك - هو مصدر الدولار الوحيد في البلاد.

 

استرداد وليس استيرادًا.. ومخاوف على الدينار

قبل أيام، نقل خبرٌ من سلسلة أخبار "المصادر" إعلانًا عن وصول شحنة أحد المصارف الأهلية الثلاثة إلى العراق ضمن عمليات "استيراد الدولار الأمريكي"، لكن مستشار رابطة المصارف العراقية، عبد الرحمن الشيخلي، يقول إن "دخول الدولار من الخارج سيولد تنافسًا في تعاملات الشارع، بالإضافة للمخاوف الحالية التي تسبق هذه الخطوة من تأثيره السلبي على الكتلة النقدية المحدودة من الدينار لدى العراق".

إن "طرح عملية استيراد الدولار من الخارج بهذه الطريقة المعلنة" وفق الخبير "تسوده حالة من الضبابية في التطبيق"، حيث يوجه الشيخلي ذات التساؤل الذي طرحه أستاذ الاقتصاد أحمد صدام، حول طريق شراء الدولار من الخارج ودفع قيمته بالدولار.

يصف اقتصاديون العملية بالاسترداد وليس استيراد الدولار من الخارج

ويشير إلى أن "العملية الواضحة لهذا الموضوع ستسمى بالاسترداد لأموال بالدولار عائدة لشركات أو مصارف في الخارج، وليس استيرادًا للدولار، وبالتالي فالأموال ستدخل بعملية حسابية عبر حسابات البنوك وليست عملية نقدية".

ويضيف: هناك طرح حكومي أيضًا يتمثل بأن أموال الجهات الأجنبية من شركات وغيرها تعمل في العراق سيتم دفع مبالغ مستحقاتها لها في حساباتها خارج البلاد وليس في الداخل، وبالتالي فإن هذه الشركات ربما تريد إدخال أموالها للعراق، وستذهب باتجاه استرداد تلك الأموال وليس استيرادها كما هو معلن".

 

السوق الموازي والفيدرالي و"قصور" المركزي

وما يزال السوق الموازي يعمل بحسب مؤشرات البورصات المحلية، ولم يحد البنك المركزي في إجراءاته حتى الآن من إيقافه، في وقت يقول رئيس الحكومة محمد السوداني إن ما يحدث في سوق العملة "ليس أزمة، بل معركة بين الدولة التي تصر على تطبيق إجراءات بناء نظام مصرفي رصين، ومضاربين".

وعلى أية حال، فالدولار موجود في السوق الموازي حتى الآن، وهو على نوعين، وفق مستشار رابطة المصارف العراقية، عبد الرحمن الشيخلي، "أولهما شرعي، والثاني جاء بطريقة الاستحواذ".

وفي تفاصيل ذلك، يقول إن "الدولار النقدي يتوفر الآن بشكل رسمي للمسافرين والطلبة ومن يرغبون بالعلاج خارج العراق، بينما الواقع يحتاج لأكثر من ذلك، عبر فتح مصادر أخرى داخلية لمنحه للمواطنين"، مستدركًا بالقول: "لكن المركزي قد ذهب باتجاه فتح الاستيراد عبر المنافذ الجوية بشكل حصري".

الأزمة الحالية - وفق الخبير المصرفي - تتحملها وزارة المالية، وذلك "بتدخلها في رفع سعر الصرف" الذي "ولّد مشكلة كبيرة"، ولذلك، يوصي الشيخلي البنك المركزي بـ"أخذ استقلاليته الكاملة وممارسة صلاحياته لضبط وإيقاف أزمة الدولار"، إذ يرى الخبير أن البنك "المركزي مستمر بالقصور في وضع حلول جذرية لبعض المشاكل المتواصلة".

يحمّل اقتصاديون وزارة المالية مسؤولية المشكلة ويشخصون قصورًا في أداء البنك المركزي 

وفي الحديث عن دور الولايات المتحدة، يؤكد مستشار رابطة المصارف على ضرورة "الأخذ بنظر الاعتبار عدم وصاية الفيدرالي الأمريكي على المركزي العراقي، بقدر ما يصدر له توصيات لتوضيح الخروقات الحاصلة في عمل المصارف".

وبحسب متخصصين في البرلمان، فإن "العقوبات الأمريكية تمنع إصدار الحوالات لبعض التجار الراغبين بالاستيراد من إيران ولبنان وسوريا لتوقف نظام (سويفت) فيها، ما يؤدي لذهاب بعض التجار نحو أساليب غير شرعية لتحويل أموالهم وإكمال استيرادهم".

ويرى الخبير المصرفي أن "الفيدرالي الأمريكي الآن لا يقوم بتأخير الحوالات الدولارية؛ بقدر ما يقوم بتدقيقها وفقًا للضوابط والمعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال ودعم الإرهاب، لأن بعض المصارف تمارس أعمالًا غير احترافية دفعت المواطنين لاكتناز العملة الصعبة وحتى الدينار لفقدان الثقة بالمصارف"، وفق الشيخلي.