لا يزال إعلان الحكومة العراقية عن "اتفاقية المقايضة"، كآلية جديدة لحل إشكالية تسديد مستحقات الجانب الإيراني مقابل الغاز المستورد، تشغل بال المختصين والمواطنين على حدٍ سواء، خصوصًا مع غياب المعلومات الحكومية عن آليات تنفيذ هذا الاتفاق وتفاصيله.
أقرت الحكومة العراقية ببيع كميات من النفط الخام والنفط الأسود إلى إيران بما يعادل قيمة تجهيز الغاز وشراء الطاقة الكهربائية
وبالنسبة لخبراء، فإنّ جملة أسباب تجعل هذا الاتفاق غير مفهوم ومعقوليته محدودة، فلم تعلن الحكومة بعد عن أيّة معلومات واضحة عن الأسعار والآليات التي ستتمّ بها المقايضة مع الجانب الإيراني، فضلًا عن كون المواد التي ستتمّ المقايضة بها متمثلة بالنفط الخام والنفط الأسود، هي مواد فائضة بالأساس لدى الجانب الإيراني، ويقوم بتصديرها وليس بحاجة إليها، الأمر الذي يعزّز غموض هذا الاتفاق، بالإضافة إلى عدم صدور أي إعلان أو تعليق واضح من الجانب الإيراني عن هذه الصفقة.
من هنا، يحاول "ألترا عراق"، تفكيك تفصيلة من القضية في محاولة للتوصل إلى الأرقام والكميات التي من الممكن أن يقدمها العراق إلى إيران مقابل ما يستورده من الغاز، فضلًا عن قراءة الوضع النفطي في إيران لمعرفة ما قد تقدمه هذه الكميات من الوقود العراقي إليها.
العراق يحتاج إلى عام كامل لتسديد الدين القديم بالنفط الخام أو 3 أعوام بالنفط الأسود
وأقرّ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، قيام وزارة النفط ببيع كميات من النفط الخام والنفط الأسود إلى إيران، بما يعادل قيمة تجهيز الغاز وشراء الطاقة الكهربائية المودعة في حساب الشركات الإيرانية في المصارف العراقية، فضلًا عن قيام وزارة النفط بمقايضة كمية من النفط الخام والنفط والأسود بالغاز المستورد من إيران وبموجب التخصيصات الواردة في قانون الموازنة الاتحادية للسنوات المالية (2023، 2024، 2025).
ويتضح أنّ الجزء الأول من القرار يتعلّق بتسوية الديون الإيرانية السابقة، والبالغة قرابة 10 مليارات دولار، والموجودة في المصرف العراقي للتجارة، حيث سيقوم العراق ببيع النفط الخام والأسود إلى إيران، ويعود لسحب هذه الأموال من الحساب الإيراني في المصرف العراقي للتجارة وإرجاعها إلى خزينة الدولة، أما الغاز المستورد حاليًا ومستقبلًا، فستتمّ مقايضته بالنفط الخام والأسود بشكل مباشر.
بدايةً، لتسديد الـ10 مليارات دولار، وباحتساب سعر برميل النفط عند 70 دولارًا للبرميل كمتوسط، سيكون على العراق دفع أكثر من 140 مليون برميل لسداد هذا الدين، وبينما لا يمتلك العراق حاليًا فائضًا من النفط الخام فيما عدا نفط كردستان وكركوك الموقوف عن التصدير، فهو الوحيد الذي يمكن استخدامه لهذا الغرض، والذي تبلغ كميته قرابة 470 ألف برميل يوميًا، وعلى هذا الأساس، فإنّ العراق سيحتاج لعام كامل، ليتمكن من توفير الخام الذي قد يسد الـ10 مليارات دولار.
أما النفط الأسود، فيبلغ متوسط سعر الطن قرابة 550 دولارًا، فهذا يعني يتوجب على العراق دفع أكثر من 18 مليون طن من النفط الأسود أو زيت الوقود لصالح إيران لتسديد الدين البالغ 10 مليارات دولار.
وينتج العراق قرابة 50 ألف طن من زيت الوقود يوميًا، ويصدر بين 22 إلى 25 ألف طن يوميًا، ما يعني لا يمتلك العراق خيارًا سوى استخدام الكميات الفائضة عن الحاجة البالغة كمتوسط 23 ألف طن يوميًا، ما يعني سيحتاج العراق قرابة ثلاثة أعوام لتسديد الدين البالغ 10 مليارات دولار على هيئة زيت وقود.
وفي حال مناصفة الأمر بين نفط خام ونفط أسود، سيحتاج العراق عمومًا قرابة عامين لسد الدين القديم بالكامل.
بدء مرحلة المقايضة.. شراء الغاز يتطلب 165 ألف برميل خام أو 21 الف طن نفط أسود يوميًا
لا يمتلك العراق كميات كافية من النفط الخام والأسود، أكثر من الكميات المذكورة والمتاحة لإعطائها إلى إيران، وأي استخدام أو تجاوز على كميات الخام المصدّر أو كميات الخام المخصص للمصافي العراقية، يعني أنه سيشعل أزمة اقتصادية سواء بانخفاض الإيرادات النفطية أو إشعال أزمة وقود داخلية.
ولذلك، فإنّ العراق لا يمتلك مرونة أو كميات كافية لتسديد الدين السابق، وكذلك تخصيص كميات من هذا الوقود، مقابل ما سيتمّ استيراده الآن ومستقبلًا من الغاز بوقت واحد.
وبلغة الأرقام، تجدر معرفة قيمة ما يستورده العراق من إيران من الغاز لمعرفة كميات النفط الخام والأسود التي يتوجب على العراق منحها لإيران مقابل قيمة الغاز.
ويستورد العراق الغاز من إيران وفق معادلة (سعر برميل النفط * 0.1088) زائدًا 0.08، ما يعني وفق متوسط سعر برميل النفط الحالي، فإنّ العراق يستورد كل مليون وحدة حرارية بريطانية من الغاز الإيراني بـ7.7 دولار.
وبينما يحتوي كل ألف قدم مكعب من الغاز مليون وحدة حرارية بريطانية، فهذا يعني أنّ العراق يستورد كل ألف قدم مكعب قياسي من الغاز الإيراني بـ7.7 دولار، ما يعني أنّ كل مليون قدم مكعب قياسي (مقمق) يستورده العراق من إيران بـ7700 دولار.
وبينما يستورد العراق من إيران قرابة 1500 مقمق يوميًا، فهذا يعني أنّه يستورد الغاز من إيران بـ11.5 مليون دولار يوميًا، أي أكثر من 4 مليار دولار سنويًا.
وفقًا لذلك، يحتاج العراق لتزويد إيران بـ165 ألف برميل يوميًا من النفط الخام، أي 35% من النفط الخام المتاح والمتمثل بنفط إقليم كردستان وكركوك المتوقف عن التصدير، أو بـ21 ألف طن يوميًا من زيت الوقود، وهي ذات الكمية المتاحة للتصدير بالضبط والتي يقوم العراق بتصديرها حاليًا.
وبما أنّ هذه الكميات من زيت الوقود المتاحة للعراق تكفي للمقايضة فقط أمام الغاز الذي سيتم استيراده حاليًا ومستقبلًا، ولا توجد كميات إضافية لتسديد الديون القديمة، فيبدو أنّ الجزء الأكبر من الاعتماد سيكون على النفط الخام المتوفر والمتمثل بـ 470 ألف برميل يوميًا من نفط كردستان وكركوك، وهي كميات كافية لتغطية الاستيراد الحالي وجزء من الديون السابقة، ولكن سيحتاج العراق لـ3 سنوات على الأقل لتسديد الـ10 مليارات دولار.
نظرة على القطاع النفطي الإيراني
بعد التأكد من امتلاك العراق بالفعل كميات كافية من النفط الأسود والخام لقاء الغاز الإيراني "شريطة عدم المساس بحصص التصدير والمصافي"، تجدر قراءة القطاع النفطي الإيراني، وما الذي قد تقدمه كميات النفط الأسود والخام العراقي، والبالغة 165 ألف برميل يوميًا من النفط الخام، أو 21 ألف طن من النفط الأسود، أو جزء من كليهما.
في تقرير أعلنته "أوبك" قبل أيام، يتضح أن إنتاج إيران من النفط بلغ في أيار/مايو 2.6 مليون برميل يوميًا، وفي الوقت نفسه، قالت بلومبرغ، إنّ صادرات إيران في أيار/مايو من النفط الخام، بلغت أعلى مستوى منذ 2018، حيث بلغت 1.6 مليون برميل يوميًا.
من هنا، يتضح أن إيران صدرت الجزء الأكبر من إنتاجها، مقابل استهلاك مليون برميل يوميًا في المصافي الداخلية.
إلا أنّ المشكلة التي تواجهها إيران حاليًا، هي أنّ إنتاج المصافي الداخلية من المشتقات النفطية لا تسد الحاجة، حيث بدأت إيران مؤخرًا تتحول إلى مستورد للبنزين بعد أن كانت مصدرة له.
وفي أيار/مايو الماضي، قال اتحاد أصحاب العمل بقطاع التكرير في إيران، إنّ "سعة المصافي ممتلئة ولا ينبغي أن يتوقعوا المزيد من الإنتاج".
هل تكرر إيران تجربتها "الفنزويلية" في العراق؟
وعلى الرغم من أنّ إيران تعمل على إنشاء مصافٍ جديدة، قد تستخدم فيها النفط الخام العراقي والنفط الأسود لتكريرهما وسد حاجتها من المشتقات النفطية، إلا أنها قد تكرر تجربتها في "فنزويلا ونيكاراغوا"، بامتلاك حصص في المصافي هناك، أي أن تمتلك حصصًا في مصافٍ عراقية أو إنشاء مصافٍ جديدة في العراق تكون لإيران حصة فيها، وتستخدم النفط الخام والأسود العراقيين الذي قد تحصل عليه مقابل الغاز، لتكريره في هذه المصافي، وبالتالي استخدام المشتقات النفطية الناتجة ولا سيما البنزين، في استهلاكها الداخلي بعد العجز الكبير في إنتاجها من البنزين الذي تشهده حاليًا.
وقد يكون مصفى الفاو بطاقة 300 ألف برميل يوميًا، ومشروع النبراس للبتروكيمياويات، هي المشاريع الأقرب إلى أن تدخل إيران فيها كشريك، خصوصًا بعد أن عاد المشروع إلى نقطة الصفر، حيث تتحدث وزارة النفط عن "البحث عن شركات لإنشاء المشروع"، بالرغم من توقيع عقد إنشاءه مع شركة صينية في عام 2021، لكن على ما يبدو أنه ألغي.
يستورد العراق من إيران قرابة 1500 مقمق يوميًا وهذا يعني أنه يستورد الغاز من إيران بـ11.5 مليون دولار يوميًا
من هنا، يكون لدينا جانب يمتلك زيت الوقود أو النفط الأسود والنفط الخام الذي يمكن وصفه بـ"الفائض" نوعًا ما، والمتمثل بالعراق، مقابل إيران، التي تمتلك عجزًا في المشتقات النفطية، والتي من الممكن أن تستخدم النفط العراقي لتكريره في مصافٍ خارجية أو في الاستثمار والتشارك مع العراق بمصافٍ في داخل العراق، أو أن تقوم بتصدير هذه الكميات من النفط لترفع قدرتها التصديرية دون الحاجة إلى التأثير على كميات النفط التي تستهلكها داخليًا في المصافي، ودون الحاجة إلى الاستثمار في حقولها لتطويرها بمليارات الدولارات لرفع الإنتاج النفطي، ما يعني أن إيران ستحصل على نفط خام جاهز للتصدير أو التكرير، دون تحمل كلف استخراجه أو رفع إنتاج حقولها.