15-أبريل-2022
آثار العراق

(Getty)

الترا عراق - فريق التحرير

من بابل إلى أور وسامراء، ترزح عجائب العراق في أقدم المدن تحت خطر التغيّر المناخي متمثلاً بالمد الملحي والعواصف الترابية المتفاقمة.

تتعرض بعض من أقدم المباني في العالم داخل العراق إلى التدمير بسبب تغير المناخ

ويقول تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية، إنّ "عددًا من أقدم المباني في العالم تتعرض للتدمير بسبب تغير المناخ، حيث تلتهم التركيزات المتزايدة من الملح في العراق الطوب الطيني، فيما تأكل العواصف الرملية الأكثر تواترًا العجائب القديمة".

يعرف العراق بأنه مهد الحضارة. هنا ولدت الزراعة، وتم بناء بعض أقدم مدن العالم، مثل العاصمة السومرية أور، وتم تطوير أحد أنظمة الكتابة الأولى - المسمارية.

أور

ويوضح أوغستا مكماهون أستاذ علم الآثار في بلاد ما بين النهرين في جامعة كامبريدج، أنّ البلاد لديها "عشرات الآلاف من المواقع من العصر الحجري القديم والعصور الإسلامية"، مبينًا أنّ "الأضرار التي لحقت بمواقع مثل بابل الأسطورية "ستترك فجوات في معرفتنا بالتطور البشري وتطور المدن المبكرة وإدارة الإمبراطوريات والتغيرات الديناميكية في المشهد السياسي للعصر الإسلامي".

وتعد بلاد ما بين النهرين، الأرض الواقعة بين نهري العراق الحديث، غنية بالملح (مون باللغة السومرية)، الموجود بشكل طبيعي في التربة والمياه الجوفية. وتذكر النصوص المسمارية مهنة جامع الملح وتصف استخدام الملح في كل شيء من حفظ الطعام إلى الرعاية الصحية والطقوس.

وهناك مثل سومري يقول إن الضروريات الأساسية للحياة هي الخبز والملح: "عندما يموت رجل فقير، لا تحييه. عندما كان لديه خبز، لم يكن لديه ملح. عندما كان لديه ملح، لم يكن لديه خبز".

يمكن أن يساعد الملح الموجود في التربة علماء الآثار في بعض الظروف، لكن المعدن نفسه يمكن أن يكون مدمرًا أيضًا، ويدمر المواقع التراثية، وفقا لعالم الآثار الجيولوجي جعفر الجوذري، الذي يقول إنّ الملح  "عدواني... سوف يدمر الموقع - يدمر الطوب، ويدمر الألواح المسمارية، ويدمر كل شيء".

الملوية

تتزايد القوة التدميرية للملح مع ارتفاع التركيزات وسط نقص المياه الناجم عن السدود التي بنتها تركيا وإيران في المنبع، وسنوات من سوء إدارة الموارد المائية والزراعة داخل العراق.

تتزايد القوة التدميرية للملح مع ارتفاع التركيزات وسط نقص المياه الناجم عن السدود التي بنتها تركيا وإيران

ويقول أحمد عبد الحميدان، وهو مهندس مدني يدرس نوعية المياه في أنهار العراق، إنّ "الملوحة بدأت في نهر شط العرب في الزيادة منذ تسعينيات القرن الماضية". وفي ملاحظاته، فإنّ شط العرب - الذي تشكل من التقاء نهري دجلة والفرات - يختبر سنويًا نوعية رديئة أو رديئة جدًا، خاصة في عام 2018، الذي وصفه بأنه عام "أزمة"، حيث أرسلت المياه المالحة ما لا يقل عن 118 ألف شخص إلى المستشفيات في جنوب محافظة البصرة خلال فترة الجفاف.

وتزيد أزمة المناخ من المشاكل في العراق، إذ تزداد البلاد سخونة وجفافًا. وتقدر الأمم المتحدة أن متوسط درجات الحرارة السنوية سيرتفع بمقدار 2 درجة مئوية بحلول عام 2050 مع المزيد من أيام درجات الحرارة القصوى التي تزيد عن 50 درجة مئوية، في حين سينخفض هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 17% خلال موسم الأمطار، وسيزيد عدد العواصف الرملية والترابية بأكثر من الضعف من 120 في السنة إلى 300.

عواصف

وفي الوقت نفسه، يدفع ارتفاع مياه البحر إسفينًا من الملح إلى داخل العراق، وفي أقل من 30 عامًا، يمكن أن تكون أجزاء من جنوب العراق تحت الماء.

"تخيل السنوات الـ 10 المقبلة، ستكون معظم مواقعنا تحت المياه المالحة"، قال الجوذري، أستاذ علم الآثار في جامعة القادسية والمدير المشارك لشبكة النهرين العراقية البريطانية التي تبحث في التراث العراقي، حيث بدأ يلاحظ الأضرار الناجمة عن الملح في المواقع التاريخية منذ حوالي عقد من الزمان.

إحدى المواقع التي تعاني من أضرار كبيرة هي بابل المعترف بها من قبل اليونسكو، عاصمة الإمبراطورية البابلية، حيث يغطي لمعان مالح الطوب الطيني الذي يبلغ عمره 2600 عام. وفي معبد عشتار، إلهة الحب والحرب السومرية، تنهار قاعدة الجدران، إذ يتركز الملح في أعماق الجدار السميك حتى يتبلور، مما يؤدي إلى تكسير الطوب والتسبب في تفككه.

آثار

ومن المواقع الأخرى التي تأثرت سامراء، عاصمة الحقبة الإسلامية بمئذنتها الملوية التي تتآكل بسبب العواصف الرملية، وأم العقارب بمعبدها الأبيض وقصرها ومقبرتها التي تبتلعها الصحراء.

هذا العام، فقد العراق قطعة من تراثه الثقافي، فعلى حافة الصحراء، على بعد 150 كم جنوب بابل، يوجد سرير من الملح كان في يوم من الأيام بحيرة ساوة، موطن ما لا يقل عن 31 نوعا من الطيور، بما في ذلك مالك الحزين الرمادي والبطة الحديدية شبه المهددة بالانقراض، لكنها الآن، أصبحت جافة تمامًا بسبب الإفراط في استخدام المياه من قبل المزارع المحيطة وتغير المناخ.

تشمل المواقع المهددة بابل وسامراء فضلاً عن لؤلؤة الصحراء المختفية؛ بحيرة ساوة

إن عدم إنفاذ اللوائح المتعلقة باستخدام المياه الجوفية يعني أن المزارعين يمكنهم بحرية حفر الآبار وزراعة حقول القمح في المناظر الطبيعية الصحراوية المتربة.

مشهد يظهر ما تبقى من بحيرة ساوة
مشهد يظهر ما تبقى من بحيرة ساوة 

ويقول الجوذري، "عندما كنت طفلاً تذكرت أن بحيرة ساوة كانت، بحيرة كبيرة جدًا، بدا وكأنه البحر. ولكن الآن اختفى. ذهب تمامًا. لم يعد لدينا أي بحيرة".

فيما تنمو النباتات الصحراوية حيث كانت هناك مياه ذات يوم، ومن المحتم أن تصبح ساوة مصدرًا آخر للعواصف الرملية.