18-أبريل-2019

تبلغ نسبة الدمار في بيجي 80% دون جهد حقيقي لإعمارها (Getty)

في شارع على جانبيه لا تزال أثار الحرب المدمرة، يمر الكثير من العراقيين في طريق تنقلهم بين بغداد ومناطق شمال البلاد، ليشهدوا على توقف الحياة في مدينة بيجي شمالي محافظة صلاح الدين المعروفة بغناها بمصافي النفط الكبرى، والمنشآت الحيوية، على الرغم من مرور وقت طويل على تحريرها من قبضة تنظيم "داعش".

لا تزال الحياة شبه متوقفة في مدينة بيجي الغنية بالمنشآت النفطية والمصانع الحيوية على الرغم من مرور نحو أربع سنوات على تحريرها

وقعت بيجي في حزيران/يونيو 2014 بقبضة التنظيم المتطرف، وطالت المعارك أجزاء من أكبر مصفاة نفط، حيث سيطر التنظيم على أجزاء كبيرة منها، على الرغم من بقائها فترة طويلة تحت حماية قوة من جهاز مكافحة الإرهاب، قبل أن تبدأ القوات الأمنية مدعومة بفصائل من الحشد الشعبي حملة عسكرية واسعة لتحرير المدينة وهو ما تحقق في تشرين الأول/أكتوبر 2015، بعد معارك طاحنة أسفرت عن تدمير شبه كامل للمدينة.

صورة من مدينة بيجي خلال معارك التحرير

اقرأ/ي أيضًا: مصفى بيجي يعاود إنتاج البنزين .. إلى هذا الرقم سيصل

واتهم مسؤولون في محافظة صلاح الدين ميليشات "مندسة" في الحشد الشعبي بحرق وتدمير وسرقة المدينة، والمصفاة بعد عملية التحرير، ما ساهم في بقاء المدينة مدمرة، وسط عزوف من نحو نصف سكانها عن العودة حتى اليوم.

مصدران في حكومة صلاح الدين المحلية تحدثوا لـ "ألترا عراق"، عن الوضع الحالي بعد نحو اربع سنوات من تحرير بيجي، قائلين إن "الوضع لم يتغيير بسبب تقاعس الحكومة العراقية في دعم إعادة الاستقرار في المدينة، وتعويض المتضررين".

قال أحدهما رافضًا الكشف عن هويته، إن "المصفاة عادت للعمل باعتبارها الجزء الأهم في المدينة، لكن ليست بطاقتها السابقة، حيث يقتصر العمل على مصفاة صلاح الدين اثنين، إضافة إلى مصاف تابعة للشركة الرئيسية المعروفة بشركة نفط الشمال، وهي مصفاة حديثة وكركوك وهما خارج المدينة".

يُتهم الحشد الشعبي بتفكيك مصفاة بيجي وتهريب معداتها إلى خارج البلاد، والسيطرة على منشآتها النفطية وفرض أتاوات ومنع عدد كبير من سكانها من العودة

كما بين، أن "مصفاة صلاح الدين اثنين في بيجي بدأت بتوفير مادة الغاز والنفط الأسود والأبيض، بعد أن اشترت وزارة النفط معدات جديدة للمصفاة، لكن لم تعد كما كانت بذات الكفاءة، فهي تنتج 60% فقط من طاقتها القديمة"، متهمًا الحشد الشعبي بـ "المسؤولية عن دمار المصفى بعد التحرير، حيث سرقت جهتان فيه المعدات وصدرتهما إلى خارج العراق، هما كتائب الإمام علي وعصائب أهل الحق".

مصفاة بيجي بعد تحريرها

أشار المصدر أيضًا، إلى أن "العصائب ما زالت تسيطر على ملف المقاولات في المصفى وحتى موقف السيارات من خلال مكاتب اقتصادية بعد انسحاب عناصرها من بيجي"، لافتًا إلى أن "آلاف الصهاريج التي تنقل النفط تضطر لدفع مبلغ 15 ألف دينار لممثلي العصائب لمغادر مصفى بيجي يوميًا، بينما تسيطر كتائب رساليون فعليًا على بيجي، دون قدرة لقوى الأمن العراقي على تحريك ساكن".

وكشف المصدر، أن "الكثير من النازحين لم يعودوا بسبب الدمار الكبير الذي حل بالمدينة، خصوصًا في مركز القضاء الذي لم يعد إليه سوى 50% من السكان، لكن أغلب سكان القرى في جنوب القضاء عادوا، باعتبارها خارج مركز المدينة".

من جانبه قال قائممقام بيجي محمد محمود، إن "المدينة تمر  بمرحلة إعادة الإعمار لكن تعاطي الحكومة ضعيف في هذا الملف، حيث لم يجر صرف الميزانية الاتحادية حتى الآن، والاعتماد حاليًا على ما تقدمه المنظمات الدولية المحدودة".

عن الوضع في مصفاة النفط قال محمود لـ "الترا عراق"، إنها تخضع للشركات المستثمرة ووزارة النفط، ولا يمكن البت في وضعها بالوقت الحالي لكنها رغم ذلك عادت إلى العمل وهو "الأمر الجيد الوحيد"، مبينًا أن "مدينة بيجي دمرت خلال الحرب بنسبة 90%، ولم يتم اعمار سوى 10% من حجم ذلك الدمار، وهو أمر خطير جدًا يحول دون عودة النازحين".

تقول إدارة القضاء إن نسبة الدمار في المدينة تبلغ 80% دون تحرك حقيقي من الحكومة لإعادة إعمارها، مع وجود 22 ألف وحدة سكنية مدمرة بشبه كامل أو جزئي

بالعودة إلى المصدر، فإن النسبة التي تحدث قائممقام القضاء عن إعمارها، لا تعدو سوى منازل النازحين الذين عادوا إليها، وبجهود وتمويل ذاتي، كما يوضح، مبينًا أن "من عاد من المدنيين صدم بانتشار أمراض مثل السرطان وغيره نتيجة مخلفات الحرب التي لا تزال منتشرة".

لماذا بيجي؟

يرى قائممقام قضاء بيجي، أن سبب الدمار الذي لحق بالمدينة هو استقتال تنظيم "داعش" والفصائل التي قاتلت ضده للسيطرة على المدينة الغنية بالنفط والمنشآت والشركات والمصانع الحيوية، إضافة إلى موقعها الرابط بين ثلاثة محافظات هي صلاح الدين ونينوى والأنبار.

في مجمع بيجي النفطي المعروف بمصافي الشمال كانت نسبة الانتاج النفطي قبل سيطرة تنظيم "داعش"، تبلغ 300 ألف برميل يوميًا من خلال ثلاث مصاف في المجمع الرئيس، وهي مصفاة الشمال التي كانت تنتج وحدها 150 ألف برميل يوميًا، ومصفاتي صلاح الدين واحد، صلاح الدين اثنين، الذين تبلغ طاقة كل منهما نحو 75 ألف برميل يوميًا، فضلًا عن مصنع الدهون والكاربوهيدرات والبتروكيمياويات، وجميعها متوقفة الآن باستثناء صلاح الدين اثنين، إضافة إلى ثلاث شركات لتجهيز الكهرباء تدمرت بشكل شبه كامل".

اضطر الحكومة بعد سيطرة "داعش" على بيجي، على استيراد مشتقات النفط الخام من إيران لتغطية احتياجاتها بعد توقف المصفاة التي كانت تجهز المنطقة الشمالية بتلك المنتجات.

يوجد أيضًا، ثلاث مصاف تابعة لمصافي الشمال في بيجي، في كل الصينية قرب بيجي، كركوك، وحديثة بالأنبار، حيث عاد العمل بهن بعد الحرب، لكن انتاجها يقارب 20 ألف برميل يوميًا وهي نسبة أقل بكثير من طاقة المجمع الرئيس.

يقول عضو مجلس محافظة صلاح الدين خزعل حمادي، إن "عودة النازحين إلى القضاء تشهد تعثرًا، حيث لا تزال أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية مدمرة بشكل كامل، و 12 ألف وحدة سكنية أخرى مدمرة بشكل جزئي، دون تمويل حكومي لإعادة إعمارها، ما يضطر نحو 15 ألف عائلة إلى البقاء في مخيمات النزوح داخل المحافظة وخارجها".

لا تزال مصفاة بيجي النفطية شبه معطلة حيث يقتصر العمل فيها على مصفاة واحدة بطاقة لا تتجاوز ربع الطاقة السابقة، التي تفوق 300 ألف برميل نفط يوميًا، فضلًا عن توقف مصانع الدهون والكاربوهيدرات والبتروكيمياويات

يضيف حمادي لـ "ألترا عراق"، إن "النقطة الثانية هي الخدمات التي يتم تقديمها بالحد الأدنى في بيجي بسبب دمار البنى التحتية وعدم وجود تخصيصات مالية وتخطيط اتحادي لإعادة إعمارها، كما أن بيجي لم تأخذ حقها المالي منذ سنوات التحرير، رغم اعتبارها مدينة منكوبة من قبل الحكومة"، مبينًا أن "مدينة بيجي تعتمد على ثلاثة مصادر الآن لتزويدها بالطاقة الكهربائية، هي محطة نينوى، كهرمائية سامراء، وشركة التوزيع في تكريت، عن طريق مغذيات، وهي أدنى طريقة للتجهيز".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مليشيات القتل الطائفي.. تقسيم "داعشي" للعراق

مخاوف وتحذيرات من مديرية "أمن الحشد الشعبي".. ماذا تعرف عنها؟