26-مايو-2020

أكبر عملية تدمير للذات تقع فيها المرأة هي العيش تحت رحمة المجتمع الذكوري (AFP)

في كثير من الحالات أفكر في حال المرأة وقوة مطاولتها المدهشة. وهذا التفكير نابع من خبرة الحياة اليومية وتفاصيلها الثمينة. ذلك أن تجارب الحياة غضّة وطرية يمكننا أن نقطف من ثمارها في كل لحظة، بدلًا من المقولات المسبقة التي تقيّد الذات عن التفكير الصحيح. معلوم أن المعطيات المسبقة مهمة جدًا للاستعانة بالتفكير شريطة أن لا تحبسنا في دهاليزها ونجعل منها حقائق مطلقة. فمعظم ما نتناقله عن النساء يأتي بالتلقين، وهذا الأخير يتفوّق على التجربة التي نتنكّر لها غالبًا.

 الكثير من الرجال تستهويهم المطلقات، ليس لشيء سوى إنّهنّ يشكلنَ ملاذًا آمنًا لأجسادهم التي ينخرها الشبق الجنسي

 ينبغي أن لا ننظر للمرأة طبقًا لمعطيات مسبقة قد تكون مجحفة بحقها، خصوصًا إذا كانت تخضع لأحكام قاسية في مجتمع يحتفل بها سرًا لكنه يكابر بخصوصها علنًا. مثلًا نجد الكثير من الرجال تستهويهم المطلقات، ليس لشيء سوى إنّهنّ يشكلنَ ملاذًا آمنًا لأجسادهم التي ينخرها الشبق الجنسي، لكنهم لا يساهمون بأي نشاط اجتماعي يشجع على تزويج المطلقات. حيث تبقى المطلقة سلعة جنسية لا تنتظر رجلًا يعوّض عنها عاطفتها بقدر ما تغدو مرمى للرجال الشبقين.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة المرأة.. البداية من الأنظمة

وبالطبع تأتي المطلقة هنا كمثال وإلّا عموم النساء يكابدن معاناة شديدة تتخطى المعتاد لدينا نحن الرجال. ذلك أن معظم النساء لا تمتلك السيطرة الكاملة على انفعالاتها نتيجة ضغوط الحياة الجسيمة التي تتعرض لها. سيقال إن الرجل يعاني أيضًا، وهذا معلوم بالتأكيد، فلكل كل كائن معاناته على أي حال، غير أن المسؤوليات المضاعفة، كإدارة البيت والأسرة والوظيفة إن وجدت، تجعل من المرأة كائنًا صبورًا حد الدهشة. ويمكن للرجل أن يجرّب أسبوعًا واحدًا لإدارة البيت ليكتشف الفارق.

 بعض الأحيان تذهب بي المغالاة حدًا بحيث أعتبر المرأة مخلوقة من معدن خاص: صبر، مطاولة، تفاني، مديرة مؤسسة ناجحة، حدس عميق.. فانتبهوا لعيونكم الجميلة أيها الرجال خوفًا على لبواتكم الغاضبة! ( وأنا بدوري أحذّر أصدقائي من حدسها العميق لأنها بارعة في الوقوف على مغامراتكم الجامحة!). لا أود التطرف في هذه النظرة لأجعل من المرأة ملاكًا طاهرًا، فقد كُتب عن مزاجيات النساء الكثير، غير أن من يشاهد سيرة حياة هذا الكائن العظيم، ربما سيذهب أبعد مما قلت. وأتذكر في لحظات الطلق التي مرت بها زوجتي، وهي تكافح من شدّة الألم، في هذه اللحظة بالذّات بدت الصور والأحكام المسبقة تفقد مركزيتها التي كانت تسولي على مساحات شاسعة  في ذهني! وعن نفسي أكبر ما يؤرق ذهني هو وظيفة الأم؛ ففي وصيتها الأخيرة وهي تنازع الموت احتضنت زوجة أحد أقاربي زوجها وهمست في أذنه "أرجوك، الأطفال أمانة في عنقك" ثم أغمضت عينيها بسلام.

أكبر عملية تدمير للذات تقع فيها المرأة، هي العيش تحت رحمة المجتمع الذكوري المفتون برجولته المفرطة! فتنتهي بعض النساء إلى حياة بائسة ورتيبة يسودها الروتين والتكرار، بحيث لا تفكر سوى في مفاتنها وعمليات التجميل الهستيرية التي تقبل عليها بعطش غريب. مؤكد ليس كل عمليات التجميل هي إرضاء للذكر، لكن وسط مجتمع ذكوري يلتهم المرأة الشعور بعدم الرضا عن شكلها، فيغدو هدفها في الحياة الشكل على حساب المضمون. يمكن أن نسمي هذا الاهتمام غريزة؛ إذ ليس كل من تزينّت غايتها فتنة الرجال. هذا معلوم، لكن في مجتمعاتنا نعثر على مظاهر كثيرة همها الوحيد إرضاء الزوج خوفًا من عينه المتعطشة دائمًا لكل جميل!

أعلم جيدًا أن من يقرأ هذه الكلمات سيتذكّر تلك المرأة "النكدية" والمتذمّرة وذات "العقل الصغير" ألخ.. وإن سلّمنا جدلًا بهذه الصفات فهي حتمًا نتيجة لتنشئة طويلة الأمد درجت عليها النساء، فإن كنّا جادين بفهم النساء فلنبحث عن الأسباب، مثلما تستدعي المرأة نفس الدوافع لتبحث وتتساءل لماذا لا تشبع عين "سي السيّد" من الأجساد الجميلة ولا يكتفي بواحدة على حب الله؟!

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

صور| المرأة العراقية في 100 عام.. ماذا تعرف عن إسهاماتها في تطور البلاد؟

المرأة العراقية أمام "استحقاقات" الاستبداد.. حلقات من تاريخ لم يتوقف