10-يناير-2022

اختبار النبض الأخير للديمقراطية (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

يكاد يتفق المراقبون والمهتمون بالمشهد السياسي في العراق على أنّ الدورة البرلمانية الخامسة صعبة ولا تشبه سابقاتها، وبين اليأس والتطلع، يطغى شعور الترقب الشديد للخروج باستنتاجات عن التجربة الجديدة، ومن ثمّ تحديد الموقف في الدورات الانتخابية ومصير النظام الديمقراطي في العراق وإمكانية تعديل مساره.

تواجد تيار حديث داخل البرلمان بدورته الحالية كافر بمبادئ المحاصصة الطائفية والمناطقية وناقم على أداء وفلسفة العمل البرلماني السائد بجميع دوراته السابقة

ففي هذه الدورة، يبرز مستوى عالٍ من فرض الإرادات واختلال موازين القوى السائدة وصعود وهبوط، فضلًا عن متغيّر أكبر يتعلق بوجود مجموعة جديدة حديثة على الساحة السياسية، وتجمع أفرادها قضية حديثة التكوّن رغم قدم مبادئها، متمثلة بالقوى المرتبطة بالنشاط الاحتجاجي عمومًا وحراك تشرين الذي حدث في تشرين الأول/أكتوبر 2019 خصوصًا.

اقرأ/ي أيضًا: تحديات نواب الاحتجاج: النموذج الأول والمهام الجسام

تواجد تيّار حديث داخل البرلمان كافر بمبادئ المحاصصة الطائفية والمناطقية وناقم على أداء وفلسفة العمل البرلماني السائد بجميع دوراته السابقة، ومعارض صريح رافض لمبدأ اشتراك السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية عبر ممثلين في الحكومة، فضلًا عن كونه منتمٍ لأبرز حدث جابه العملية السياسية وثغراتها بالكامل متمثلًا بحراك تشرين، جميعها خلقت تطلعًا شديدًا لدى الجماهير العراقية المعارضة للنظام السياسي وسلوكياته وشخوصه، وليس فقط للجماهير التي انتخبت شخوص هذا التيار.

هؤلاء الأعضاء الذين لا يتجاوز عددهم 30 نائبًا، موزعون بين حركات "امتداد" و"الجيل الجديد" و"الكتلة الشعبية المستقلة"، حصلوا على مقاعدهم من قبل جماهير تؤمن بهذه المبادئ بالدرجة الأساس، لذا فنهم سيكونون مراقبين بشدة من قبل جماهيرهم "الصعبة" الذين لا يشبهون جماهير الكتل الأخرى الذين ينتخبون على أساس طائفي أو عشائري أو قومي، وفقًا لمراقبين رأوا أشاروا بذات الوقت إلى انتشار "الوعي الثوري" لدى جماهير النواب الجدد بشكل واسع، ما سيجعلهم عرضة للتخوين والتشكيك والهجمات في حال اتخاذهم خطوات "سياسية" أو الاصطفاف مع كتلة معينة أو مشروع معين يعتقدونه نافعًا لبناء الدولة، وهذا من أبرز التحديات التي سيواجهها "نواب الاحتجاج" كما أطلق عليهم.

فضلًا عن هذا التحدي الشعبي، سيكون "نواب الاحتجاج" أمام تحديات عكسية، في حال الوقوف ضدّ مشاريع وقوانين لكتل كبرى ومسلحة داخل البرلمان، وما إذا كانوا سينجرفون تحت الترهيب أو الترغيب لصالح هذه الكتل، إلا أنّ فكرة حصولهم على مقاعدهم انطلاقًا من إرادة معينة لجماهيرهم وكون الأخيرين عبارة عن تكتلات بشرية "محتجة" بالأساس، جميعها ستمنع أي انحراف عن المهمة الأساسية التي أرسلوا بها هؤلاء النواب من "ساحات الاحتجاج والدم" إلى داخل قبة البرلمان.

صعود التيار القيمي وتراجع النفعية

وبعيدًا عن التحديات ونوع النشاط الذي ستقوده كتل الاحتجاج، هناك رؤية تشير لتمكّن احتجاجات تشرين بالفعل من التأثير بشكل كبير بنوع وشكل البرلمان بدورته الخامسة قبل انطلاقه حتى، وهذا التأثير لم ينحصر على كتل الاحتجاج المتمثلة بـ"امتداد" وغيرها، وإنما تأثير عمومي أصاب قوى مختلفة وعلى رأسها التيار الصدري، كما يرى الباحث السياسي أحمد الياسري.

ويقول الياسري في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "البرلمان الخامس يختلف عن البرلمانات الماضية، بأن تحركه فكرة الاصطفاف المنهجي وليس الاصطفاف البراغماتي أي لا تحركه المصالح، عكس البرلمانات الماضية التي كانت اصطفافاته تحركه المنافع مثل الحصول على وزارة أو مناصب ودرجات خاصة وتعيينات، هذه الأفكار التي كانت تشكل الاصطفافات".

ويعتقد الياسري أنّ "تشرين حاضرة ومؤثرة على شكل البرلمان الجديد ليس على صعيد حركة امتداد فقط، بل حتى فكرة الصدر للذهاب إلى مشروع الأغلبية هو لمحاكاة الحراك التشريني، حيث نقلت تشرين الاحتجاجات العراقية من الحالة الاستعراضية المرتبطة بالمصالح والمطالب اليومية، وحولته من البراغماتية إلى القيمية"، مشيرًا إلى أنّ "تشرين نجحت بالصمود آمام آلة القتل المتمثلة بقوى المصالح التي وقفت أمام حراك القيم، فحدث صراع بين جمهور القيم ونخب المصالح".

ونتائج الانتخابات ـ والكلام للياسري ـ هي انحياز وانتصار لجمهور القيم على نخب المصالح، مبينًا أنّ "التيار الصدري بالرغم من أنه كان جزءًا من نخب المصالح، إلا أنّ قواعده كانت جزءًا من حراك القيم، فوجد التيار نفسه محاصرًا أمام هذا المد، وغيره أيضًا من الكرد والسنة سيجدون أنفسهم محاصرين بالبرلمان الجديد بمنهجية القيم المتمثلة باستعادة هيبة الدولة واستقلال العراق وكسر الثنائيات الخارجية وعدم تبني خطاب عابر للقطرية وتبني مفاهيم داخلية محضة"، مشيرًا إلى أنه "لا يوجد حزب طرح مفهوم خارجي ونجح، وأبرز الأمثلة الحزب الإسلامي وقوى الإطار التنسيقي وجميعهم سقطوا وهذا يشير لحالة تحول وانتقال في المشهد السياسي وهناك عملية دعم لهذا الانتقال".

ومن إفرازات موجة التحوّل هذه على البرلمان الجديد، بحسب الياسري، هي أولًا "نجاح جلسة البرلمان بتمريرمحمد الحلبوسي كمؤشر أول على نجاح مشروع الصدر بقضية الأغلبية السياسية"، معتبرًا أنّ "القوى التي ستعارض هذا الموضوع أمامها خياران، أما تذهب لمعارضة سياسية وهنا ستصبح مهمشة سياسيًا، أو معارضة ميدانية مسلحة وهذا سيسقطها بشكل أكبر، فسبق أن استخدمت السلاح مع تشرين وسقطت".

رأى مراقبون أنّ فكرة الصدر للذهاب إلى مشروع الأغلبية هو لمحاكاة الحراك التشريني

ولفت الياسري إلى أنّ "المشهد السياسي الشيعي القادم معقد ستفصل هذا التعقيد شكل الحكومة القادمة إذا استطاع جمهور القيم أن يفرض إرادته على جمهور المصالح ستنتج حكومة قوية، الحكومة القوية المشفوعة بأغلبية برلمانية ستمرر كل المشاريع وتطبق كل الستراتيجيات بما فيها الأمنية، وإذا قامت جهة بعملية اغتيال معينة، لن يكون الأمر كالسابق بالتحفظ على اسم الجهة السياسية، بل أول اعتراف سيكشف هو اسم الجهة السياسية التي دفعت لعملية الاغتيال"، مشيرًا إلى أنه "إذا لم تنجح فكرة الأغلبية المنهجية ستعود فكرة المصالح والتوافق والتسويات السياسية وستجعل الوضع السياسي العراقي راكدًا وحلوله وقتية وغير مؤثرة".

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"بقرة النقود".. واشنطن بوست تغوص في حقيبة مقتدى الصدر

الكتلة الشعبية: لم نصوّت على الحلبوسي ونائبيه