تتوالى ردود الأفعال الرسمية والشعبية المنددة بإجراءات هدم جامع "السراجي" الأثري في البصرة، بعد ساعات من إزالة مئذنته التي يعود تاريخها إلى 300 سنة، تحت إشراف محافظ البصرة أسعد العيداني.
نفى الوقف السني موافقته على إجراءات هدم جامع السراجي في البصرة وقال إنّ إزالة المئذنة جرى "خلافًا للاتفاق"
وشرعت الحكومة المحلية في البصرة فجر الجمعة بإزالة المنارة بحجة توسعة شارع في المدينة، حيث ظهر المحافظ مبتسمًا، فيما قال الوقت السني إنّ إجراءات الهدم جرت "خلافًا للاتفاق".
ونفى الوقف في بيان رسمي، صلته بـ "إجراءات هدم منارة الجامع بهذه الطريقة"، مؤكدًا أنّ الإجراءات خضعت للنقاش "في أكثر من اجتماع لمجلس الأوقاف الأعلى منذ حوالي سنة وربما يزيد، بعد تقدمت الجهات المسؤولة في البصرة بأكثر من طلب تؤكد فيه أنّ المنارة موضوعة في عرض الشارع وتعيق حركة المرور تمامًا".
وأشار الوقف إلى أنّ الاتفاق نص على "تقطيع المنارة وتفكيكها ونقلها إلى بطريقة حفظ الآثار وصيانتها واحترام مكانتها في نفوس أهالي أبي الخصيب، وإعادتها إلى وضعها الطبيعي".
وأكّد الوقف في الوقت ذاته "صيانة الجامع في أكثر من مرة"، داعيًا على "احترام الأوقاف والمساجد ومناراتها، خاصة التاريخية والأثرية منها".
من جانبها، أعلنت لجنة الأوقاف العشائرية في مجلس النواب رفضها الشديد "المساس بأي أبنية تراثية وأثارية لأنها تمثل وجه العراق وتاريخه الحضاري".
وقالت اللجنة في بيان، إنّ هدم المنارة "هو تصرف فردي وغير مسؤول"، مؤكدة أنّ الإجراء جاء خلافًا للاتفاق بين الجهات الحكومية في المحافظة والوقف السني الذي نص على "تقطيع منارة الجامع وتفكيكها ونقلها بشكل آمن، لأنها تقع في عرض الشارع وتعيق حركة المرور، وإعادتها بعد الانتهاء من عملية البناء والتأهيل بشكل آمن وطبيعي".
أكّدت لجنة الأوقاف وجود اتفاق على نقل المئذنة الأثرية بعيدًا عن الشارع لكن السلطات في البصرة "هدمتها بتصرف فردي غير مسؤول"
وطالبت اللجنة بـ "التعامل بحذر وحيطة شديدة مع مثل هذه القضايا، إذ أنّ المساجد والكنائس وكل أماكن العبادة الأخرى، وخاصة الأثرية منها خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، لما تمثله من أمور عبادية وروحية لأبناء شعبنا، وكونها صورة مشرقة لتاريخ بلدنا العظيم".
وأثارت القضية غضب وزير الثقافة أحمد البدراني، والذي توعد في بيان سابق اليوم، بـ "إجراءات قانونية لحماية الإرث الحضاري الكبير، ومنع أي تجاوز إداري أو شخصي يشجّع ويعمل على إلحاق الضرر بشكل مقصود أو عفوي".
وقال البدراني، إنّ "الهيئة العامة للآثار والتراث قدمت عدة مقترحات للحفاظ على منارة السراجي وتجزئتها ونقلها إلى داخل باحة المسجد"، مطالبًا الوقفين السني والشيعي بـ "التدخّل والوقوف بحزم ومعاقبة منتسبيها في حالة السماح لهم بالتجاوز أو تزوير الحقائق التاريخية".
موقف مماثل صدر من إدارة مفتشية وآثار البصرة، حيث قالت إنّها "ستتحرك قضائياً بشأن الملف".
وقالت مسؤول المفتشية مصطفى الحصيني في تصريح إنّ "المئذنة التي تعود إلى عام 1727 تعتبر واحدة من آخر مئذنتين تاريخيتين في البصرة، وقد تفاجئنا بهدمها بالجرافات، من أجل توسعة أحد شوارع البصرة".
وعد الحصيني، الإجراء "تصرفًا لا يعبر عن سمات الأمم المتحضرة"، وقال إنّ المفتشية أبلغت الجهات العليا بعزمها التحرك قانونيًا ضد الجهات المسؤولة عن الجامع وعلى رأسها الوقف السني.
وكان محافظ البصرة قال أثناء الإشراف على عملية هدم المئذنة التاريخية إنّ "جامعًا جديدًا سيحل محل جامع السراجي"، مشيرًا إلى أنّ عمليات الهدم ستشمل الجامع كله لـ "توسيع الطريق وتسهيل حركة المرور".
ويعد جامع السراجي أحد أقدم مساجد العراق التاريخية، وتبلغ مساحته نحو 1900 متر مربع.
شيد المسجد من اللبن والطين في محلة السراجي في قضاء أبي الخصيب، وجدد بناؤه من قبل المتبرعين في ثمانينيات القرن الماضي، فيما جرت آخر عمليات صيانته قبل سقوط النظام السابق بعام واحد.
ويضم الجامع منارة أثرية فخمة لها حوض واحد مشيدة بالآجر القديم، وقد نقشت بعض أجزائها العلوية بالكاشي الملون الكربلائي، كما يضم مصلى واسعًا يبلغ عرضه 18 مترًا وبطول 11 مترًا، وللحرم محراب مبني من الطابوق والأسمنت وعن يمينه منبر محاط بسياج من خشب الصاج، وتحيط بالمصلى النوافذ من كل جانب.
أثارت الحادثة غضب العراقيين الذي كتبوا في مواقع التواصل الاجتماعي بحزن وتساءلوا عن دوافع مثل هذه الإجراءات
والمسجد هو أكبر مساجد البصرة وكان يعرف قديمًا بالمسجد الكبير، ومن أسمائه أيضًا "جامع مناوي لجم الكبير"، نسبة إلى الاسم القديم للمنطقة.
وفي مواقع التواصل الاجتماعي كتب العراقيون بحزن وغضب عن هدم المئذنة التاريخية، متسائلين إنّ كانت مثل هذه الإجراءات "متعمدة أو تنم عن جهل".
وعلق ناشطون وصحافيون بالمقارنة بين الدول التي تبذل كلّ ما بوسعها للحفاظ على آثارها ومعالمها التاريخية، وبين ما يشهده العراق من تدمير للتراث على امتداد مناطق البلاد.