03-أبريل-2021

ترتقي مقاطعة الزعامات السياسية في الأماكن العامة إلى مستوى أدوات الاحتجاج (فيسبوك)

ربما تكون واحدة من أصعب الحروب التي يخوضها شعب ما هي التي طرفها الآخر هو النظام، وفي الحالة العراقية تزداد الصعوبة لاتخاذ النظام شكلًا ديمقراطيًا مع وجود عوائد من ريع النفط يُمكن لقوى السلطة استثمارها في التوظيف والرشى وغير ذلك لتخلق قاعدة اجتماعية مرتبطة بها من منتفعين ومرتبطين اقتصاديًا بتلك القوى، فضلًا عن الارتباط الطائفي والقومي المرتبط أو غير المرتبط بالحالة المعيشية.

خاض المجتمع المحتج تجربتين رئيستين ضد النظام كان أولها مقاطعة الانتخابات وثانيها كانت الاحتجاج الشعبي الصريح بالنزول إلى الشوارع والاعتصام والتظاهر والتصعيد

لا زال مثقفون ونخب وباحثون وإعلاميون يرددون عبارة "نحن من انتخبهم" ويردد معهم الناس العبارة بنبرة اللوم والألم، ويتلقف السياسيون ذلك مؤكدين على شرعيتهم الديمقراطية مع أن الجميع - حرفيًا - يعلم حجم المقاطعة الشعبية للانتخابات البرلمانية خصوصًا الأخيرة. والمقاطعةُ لا تعني، بالنسبة الأعلى، إلا رفضَ القوى السياسية الماسكة بزمام السلطة.

اقرأ/ي أيضًا: "أزمة الثقة": لعبة التوريط في نظام متصارع

تضيف هذه العبارة "نفسيًا" صعوبة على عملية الرفض وآلياتها رغم أن ما في قلب الناقمين على النظام غضبًا يكفي لتمني قدوم كائنات فضائية لتخليص البلاد من أعظم حقب الفساد التي مرت في تأريخها الحديث.

يجمعُ النظام السياسي العراقي بين الديمقراطية بوصفها الضعيف (حق ممارسة الانتخاب) والشعبوية والاستبداد والفساد والتصارع على السلطة والمحاصصة الطائفية. هذه الخلطة تجعل القوى الشعبية أمام تيارات جارفة فتقاتل على جبهات عدّة: ضد النظام، وفي الوقت ذاته ضد أعداء النظام لكي لا تُتهم بالإرهاب أو العمالة ومحاولة إسقاط العملية السياسية، وضد الواقع الذي يفرض نفسه حيث تقود هذه القوى مفاصل الحياة الرئيسة كالأمن والاقتصاد، وتسيطر على حاجات الناس الأساسية.

خاض المجتمع المحتج تجربتين رئيستين ضد النظام كان أولها مقاطعة الانتخابات احتجاجًا على تردي الأوضاع ويأسًا من إمكانية تبدل الظروف عبر تغيير الوجوه، أو تغيير الوجوه بذاته، وثانيها كانت الاحتجاج الشعبي الصريح بالنزول إلى الشوارع والاعتصام والتظاهر والتصعيد.

ربما للوهلة الأولى يُمكن وصف التجربتين بالفاشلتين، إلا أن النضالات التاريخية تُعلمنا معنى تراكم الاحتجاجات وتنوعها حتى تصل إلى غاياتها - ليس بالضرورة - بل حتى أشهر الثورات الشعبية لم تُفرز نتائج سريعة وإيجابية.

ورغم الألم الذي يعتري هؤلاء المحتجين بالوسيلتين - المباشرة وغير المباشرة - فأن جذوةُ الرفض والاعتراض والاحتجاج باقية في صدورهم، ولعل انشغال مواقع التواصل الاجتماعي بوجود رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم في مقهى يرتاده عادةً مثقفون وأدباء وصحفيون، دليل على استمرار حالة الرفض وإن هبطت المعنويات نوعًا ما.

لم يكن للحكيم رأي قاسٍ ضد المتظاهرين في تشرين 2019، واختار كلماته في أغلب خطاباته بدقة محاولًا عدم استعداء الشباب وفي ذات الوقت المضي بخيارات السلطة وتقاسم المغانم والمساهمة في الصفقات التي لا تتعدى مصلحة من يجلسون على الطاولة.

إن مقاطعة الزعامات السياسية في الأماكن العامة وتعزير غير المقاطعين أو المستقبلين لهم من الأهمية التي ترتقي فيها إلى مستوى أدوات الاحتجاج. لوم ملتقطي الصور و"السيلفي" مع هذا السياسي أو ذاك ضرورة لعدم التعود، أي عدم استحالة وجود السياسيين في الأوساط المجتمعية مسألةً طبيعية، فشعور القوى السياسية بالاغتراب يقطع اعتيادهم على مكانتهم السلطوية وعلى الإفساد دون خوف من ردود فعلٍ رافضة عملية.

أُلاحظ أحيانًا في وسائل إعلام لبنانية نبرةً قبيحةً متحديةً لا تراعي حتى التملق ولا تكذب حتى تستعطف، يطلقها سياسيون ووزراء وأعضاء برلمان، فيها المزيد من العناد والتعنت قبالة حالة تذمر وامتعاض شعبي أو احتجاج شعبي كما حصل في الفترة الماضية. لقد اعتاد سياسيو لبنان على وجودهم فانتقلوا إلى مرحلة تحميل الناس "منّة" توليهم المناصب.

مقاطعة الزعامات السياسية في الأماكن العامة وتعزير غير المقاطعين أو المستقبلين لهم من الأهمية التي ترتقي فيها إلى مستوى أدوات الاحتجاج

إن ما يمنع الوصول إلى هذه المرحلة فقط هو الاحتجاج الدائم والمتنوع الوسائل، ولا بد من التأكيد على عدم التعويل كثيرًا أو التفاؤل من نتائج هذه الوسيلة الاحتجاجية كما أسلفنا في المقدمة في معركة صعبة؛ إلا أن قطع الطريق والتوقف عند مستوى ما من المعركة أفضل من خسارتها تمامًا، كمن يُوقف لعبة إلكترونية عند مرحلة ما، يُمكنه استئنافها من ذات المرحلة بغية الوصول إلى النهاية، وليس العودة من الصفر.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الرغبة بالتغيير.. بين الحلم والحقيقة

أمنيات حاضرة وشروط غائبة