16-مارس-2022

بين الاستغلال والصمت (فيسبوك)

في ظل الأزمات التي تحاصر الاقتصاد العالمي جرّاء الحرب الروسية الأوكرانية وما قبلها فيروس كورونا بشكل عام، والاقتصاد العراقي تحديدًا بسبب تخفيض قيمة الدينار والاعتماد شبه المطلق على النفط، يعاني العديد من شباب العراق من قلّة الأجور واستغلال أصحاب العمل لهم بالتزامن مع ظروف معيشية صعبة، فيما أدّى عدم توفر الوظائف في القطاع العام، وهي الوسيلة التي يلجأ لها الناس عراقيًا، إلى موافقة العاملين على أي أجور تعطى لهم، حيث يعمل العامل العراقي في اليوم الواحد من 10 إلى 14 ساعة، فيما تتراوح الأجور من 10 آلاف دينار عراقي إلى 15 ألفًا، أي ما يعادل من 7 دولار إلى 10 دولار لليوم الواحد، بحسب استطلاع أجراه "ألترا عراق".

العامل العراقي يتقاضى أجر ساعات عمل طويلة بحساب أجر ساعة واحدة في دول عديدة

وقدّم محمد رعد (24 عامًا) على وظائف كثيرة في القطاع الحكومي منذ تخرجه من كلية الفنون الجميلة، ولكن لم يحصل على نتيجة، قائلًا خلال حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "بعض وظائف القطاع الخاص يطلب فيها خبرات ومؤهلات لم أدرسها في الجامعة وهذا ما دفعني للبحث عن أي عمل للحصول على لقمة العيش". 

ويعمل رعد، وهو شاب من الناصرية، محاسبًا في محل أدوات احتياطية، فيما يتقاضى 15 ألف دينار يوميًا، مستدركًا بالقول: "ولكنّ صاحب العمل لم يجعلني فقط عامل كاشير، بل عامل خدمات وحمال وعامل مبيعات بنفس الأجر، مبينًا "لا أستطيع المطالبة بأجر أكثر لأن هذا الطلب قد يكلفني خسارة عملي". 

اقرأ/ي أيضًا: أزمة العمالة الأجنبية: الخبرة تتفوّق على "نظرة المجتمع" وواقع التعليم

وفي 28 كانون الأول/ديسمبر 2017، أقر مجلس الوزراء توصية إلى لجنة العمل بتحديد الحد الأدنى لأجر العامل ليكون 350 ألف دينار شهريًا بدلًا من 250 ألف دينار الذي حدده المجلس بموجب قراره 178 لسنة 2013، وكان هدف رفع الحد الأدنى للأجور هو "من أجل مراعاة المستوى العام للأجور في الدولة ومراعاة تكاليف مستوى المعيشة".

ويقول رعد إنّ "الكل يشهد على أرتفاع الاسعار يومًا بعد يوم، أصبحت أجوري لا تغطي كل حاجات عائلتي، في الأمس اشتريت زيت بربع قيمة أجري، لا أعلم ماذا أفعل وأنا استلم 15 ألف دينار". 

وبحسب بحث سريع أجراه "ألترا عراق"، فإنّ العامل العراقي يتقاضى أجر ساعات عمل طويلة بحساب أجر ساعة واحدة في دول عديدة. 

ويتشابه وضع العمّال في المحافظات العراقية، دون أن يؤثر أمر أن يكون وضع المحافظة جيدًا من الناحية النفطية أو الاقتصادية، حيث يعمل مصطفى هاشم (24 عامًا) وهو خريج جامعي من البصرة، عامل توصيل في شركة طبيّة، قائلًا: "كنت أظن أنّ التخرج من الهندسة سيفتح لي آفاق كثيرة وفرص عمل لا تعد ولا تحصى، مستدركًا "ولكنّ الفرصة التي حصلت عليها اليوم أني أعمل في شركة مواد مختبرية كعامل توصيل ومن شروط العمل كانت أن أمتلك وسيلة نقل سيارة أو دراجة نارية". 

ويقول هاشم: "قدمت على الوظيفة وعندما وافقوا لي قمت بشراء دراجة نارية، مبينًا "أعمل 7 ساعات يوميًا، وأتقاضى 20 ألف دينار ما يعادل 15 دولارًا، 10 آلاف لي و10 على دراجتي".

وأضاف هاشم، أنّ "الأجور التي أتقاضاها لا تكفي لسد الحاجات اليومية ولا تكفي لصيانة الدرّاجة ولا تكفي لأطفالي، وعندما أطلب من صاحب العمل زيادة أجري يرد علي قائلًا: إن لم يعجبك العمل فأعطي الفرصة لغيرك كون أننا في بلد لا تتوفر بهِ فرص العمل بكثرة".

وحاول هاشم الحصول على فرص أخرى، ويقول: "قدمت على وظائف حكومية ولكن ليس هناك رد، مضيفًا "وبعد سنتين من العمل رفضني صاحب العمل وتعاقد مع شركة توصيل كون أن شركة التوصيل قدمت له عرضًا أقل وأنا اليوم بلا عمل".

ويوجد في العراق 6 ملايين عامل غير منضمين في نقابات، وهم بحسب رئيس اتحاد العمال للعراقيين، "لا يعرفون حقوقهم وما يجب أن يُقدّم لهم من قبل أرباب العمل والحكومة".

ويعطي قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015 صلاحيات لـ"الوقوف مع العامل في حال سلبت حقوقه أو في حال وقع عليه أي ظلم من قبل أرباب العمل، لخلق بيئة عمل مناسبة للعامل حتى تنهض كل قطاعات العمل في العراق بالشكل المطلوب".

وتقدّم النقابات أيضًا بعض الخدمات مثل دورات التأهيل والسلامة المهنية، فيما تدعو نقابة العمال "جميع العمال الانتماء إلى نقابة العمال لضمان حقوقهم، فهذا لا يكلفهم أي شيء، بل هو مكسب للحصول على بعض الدورات المجانية والحصول على محامين للدفاع عن حقوقهم بالمجان في حال سلبت حقوقهم"، بحسب المتحدث باسم اتحاد نقابات العمال ياسر المعارج. 

ويتحدث المعارج عن الآلية المتبعة لدى النقابة لأخذ حقوق العمال، قائلًا: "في أغلب الأحيان نضطر لرفع الملف إلى محكمة العمل حتى تتخذ الإجراءات المناسبة وهذا سوف يسهل على العمال استرجاع حقوقهم بطريقة أسهل عندما يكون التدخل عن طريق وضع محامي من داخل النقابة أو رفع الملف مباشرة إلى محكمة العمل وفق القوانين العراقية". 

ووفقًا للمعارج، فإنّ "جميع الأعمال في القطاع الخاص والمختلط هم جميعًا يحسبون على اتحاد نقابة العمل، مستدركًا "لكنّ أغلب العمال ليس لديهم ثقافة عمالية مع الأسف ولا ينتمون الى أي نقابة معينة، ولكن هناك نقابة تمثلهم بالتأكيد في جميع القطاع الخاص وأيضًا القطاع المختلط لديهم نقابة خاصة بهم وهم محسوبون على النقابة العامة للعمال".

تتعرض المشاريع إلى تحديات كبيرة بعد تغيير سعر صرف الدولار لأن المواد الأولية من تكاليف الإنتاج الثابتة والمتغيرة ازدادت بنسبة 25%

ويقول المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل، نجم العقابي، إنّ "الحد الأدنى  للأجر هو 350 ألف دينار عراقي بحسب قرار مجلس الوزراء، وفي حال تسلّم أي عامل عراقي أقل من ذلك الأجر يمكنه تقديم شكوى رسمية إلى الوزارة عن طريق قسم التفتيش، مبينًا "على الرغم أن الوزارة تقوم بجولات تفتيشية على كل أصحاب المشاريع وتدقيق السجلات الخاصة برواتب الموظفين، وإذا وجدت أجرًا أقل من 350 ألف دينار تتمّ إحالة صاحب العمل إلى المحاكم المختصة".

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يفضّل العامل الأجنبي على العراقي؟

ويكشف العقابي لـ"ألترا عراق"، عن عقد لجنة الخبراء في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عدة اجتماعات بخصوص الاتفاق على تغيير الحد الأدنى للأجر في العراق، وهو "حاليًا معروض على الأمانة العامة لمجلس الوزراء للمصادقة عليه وإصدار قرار جديد لرفع الحد الأدنى للأجر".

وعلى الرغم من تحديد أجور العاملين من قبل وزارة العمل قبل 4 سنوات، لكنّ "الحال لا يساعد اليوم على زيادة أجور العمال أكثر بسبب ما مررنا به في جائحة كورونا وأرتفاع سعر الدولار الذي أدى إلى تخفيض القدرات الشرائية لمحدودي الدخل"، وفقًا لمحمد نظير وهو صاحب مشروع محلّي. 

ويتحدث نظير لـ"ألترا عراق"، عن تعرّض المشاريع إلى تحديات كبيرة بعد تغيير أسعار صرف الدولار لأنّ "المواد الأولية من تكاليف الإنتاج الثابتة والمتغيرة قد ازدادت بنسبة 25% على الأقل سواء مستوردة أو منتجة محليًا".

وهذا يعني ـ بحسب نظير ـ أنّ "المشاريع الخاصة تتحمل التكاليف الإضافية وستجبرها إلى التوقف أو التقليص أو زيادة الأسعار، مما يقلل الطلب على منتجاتها أو تضعف قدرتها بالمنافسة في سوق العمل". 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

وزير العمل: أكثر من 750 ألف عامل أجنبي في العراق

لجنة العمل تتحدث عن "طرق ملتوية" لدخول العمالة الأجنبية للعراق